الحملة الانتخابية التي انطلقت بقوّة مؤخّرًا، أعتبرها حفلة تنكريّة للمرشّحين، الذين يتقنّعون أمام النّاس، بأقنعة عدّة، منها أقنعة البشاشة... هناك أقنعة التعاطف... وأقنعة المبالاة، لكن النّاس عافت تحرّك مراكب "تحيّات" المرشّحين، في محيط ترحيبهم بإطلالاتهم البهيّة الموسميّة!!... ولم تعُد تصدّق وعودهم...!! فكُلَّما اقتربنا من موعد الانتخابات تزداد العلاقات العائليّة والشخصيّة بين بعض الأشخاص تنافرًا أكثر، فلا يتجاذبون تبادل الآراء العقلانيّة... يزداد نفورهم من دعم قريبهم أو صديقهم لذلك المرشّح، فيغدو فورًا خصمًا لدودًا.
ينقل المعاونون الأخبار لمرشحيهم، الذين يطوفون "من بيت شقاع لبيت رقاع لبيت كثر الله أفراحكو" لكي ينقلوا إلى النّاخبين برنامجهم الذي يتلخص بكلمتين "نريد التغيير"، بعضهم الآخر يشرح لهم أن جلّ همّه المصلحة العامّة، إنّني أعتبر هذه الزيارات، هي الفاتحة الترويجية لمرشّحهم للرئاسة أو للعضويّة، بغية الوصول إلى مبنى "الكونغرس" البلدي. الجميع يرى مقاولي الأصوات يعملون ما في وسعهم من أجل غسل دماغ المواطن الحائر، المطلوب منه أن يمد مرشّحهم بحَبلِ صوته الانتخابي، كي لا يقع في بئر الفشل.
بعض المتحمّسين للانتخابات، نجدهم ينادون بضرورة التغيير من منطلق شخصي مَحض! وذلك لأنّ الرّئيس لم يُلبِ مطالبهم، فيتلقّى جزاؤه من خلال صندوق الاقتراع، وهذا يعني أنّ بعضهم يبتغي تغيير سلّم أولويّات خدماتهم الشخصية التي دحرها جانبًا الرّئيس، أي لا تهمهم مصلحة السكان الخدماتية، من هذا المنطلَق يجّب على بعض رافعي ألوية التغيير فوق دوائرهم الانتخابية، أن يخفّفوا من حدّة تصريحاتهم غير المسئولة، عليهم أيضًا تبديل ألفاظهم النابية لبعضهم البعض، بألفاظ عقلانيّة.
من يرى اللافتات الدعائيّة الضّخمة التي تحمل عليها صور مرشّحي الرئاسة، مُعلقةً على عرض الشوارع، يعتقد أنّنا نعيش في دولةٍ عربيّة!!... إن الهجمات التي يشنّها مرشّحو الرّئاسة على الرّئيس المرشّح، بأسلحة الانتقاد غير التقليديّة، هو دليل انعدام البُعد المستقبليّ، لأنهم سيلتقون عند مفترق العلاقات الاجتماعية، ويتجاهلون مسألة كونهم أبناء بلد واحد، والانتخابات ستنتهي مع فرز الأصوات، إنّما يتبيّن لاحقًا أن الهجمات الانتقاديّة لمرشّحي الرّئاسة على بعضهم البعض، تحوّلت إلى عداءات شخصيّة لها أبعادها الاجتماعية، فيقاطعون بعضهم، وهناك من يقاطع الرّئيس المنتخب، ولا يهنّئه على فوزه، يعني "مش عرمّانة عقلوب ملانة".
بعض مرشّحي الرئاسة، يُديرون معركتهم الانتخابية هذه المرة، من خلال موقع الفيس بوك، واعتبروه ساحتهم الخلفية، إذ يكتبون شعارات ومداخلات دعائيّة وهميّة، ينشرون استراتيجيّتهم المستقبليّة، كي تنقلها عقول بعض الشبّان "الواعي" إلى أصدقائهم!! مع أن أول من استخدم الفيس بوك هو الرّئيس الأمريكي أوباما في حملته الانتخابية الأولى عام 2008.
إن التغيير الوحيد الذي سيحصل مع مرشّحي الرّئاسة، هو عندما يجلس أحدهم على كرسي الرّئاسة في مقر البلدية، وهناك يرى واقعًا جديدًا وأليمًا، فتزول نشوة الابتهاج عن وجهه، "وبتروح السّكرة وبتيجي الفكرة"، ويرى الأمور على حقيقتها وبشكل واضح، ويكتشف العجز المالي للبلدية... فيكشف عجزه عن تنفيذ وعوده الخياليّة للمواطنين المساكين... لينكشف أمامهم على حقيقته.
"العرس يوم والرّعنة قتلت حالها" يعني هذا الماراتون، الذي يركض فيه جميع المتنافسين، من أجل وصول المرتبة الأولى والفوز بكأس الرئاسة الذهبي، البراق بألوان المصالح الشخصية، أما العضوية فهي المرتبة الثانية، ويفوز الناخبون بالمرتبة الثالثة، لأن سماسرة الأصوات امتصوا تعبهم، بعد أن نجحوا في تفعيل أدوات إقناعهم!!
أطلب من جميع مرشحي الرئاسة والعضوية "بلاش يحملوها كيلة وعلبة"... لا حاجة لأن يعادوا أحدًا "لأنو إللي ميخد أمي هو عمي"... وليس هناك أيّ داعٍ ليتخاصموا على خلفية طائفية أو عائلية، "فالانتخابات يوم واحنا لبعض دوم يا جماعة" لأنهم بالوحدة الحقّة يغذّون جذور انتمائهم للبلد، كي تترسّخ عميقًا في أرض الوفاق مع ذاتهم ومع الآخرين.
[email protected]
أضف تعليق