* الكاتب درور اتكس (ناشط في حركة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان)
رئيس الوزراء، كما هو معروف، رجل مشغول جدًا. مشغول لدرجة أنه لم يجد الوقت للتنديد بالإعتداءات التي ارتكبت في السنوات الأخيرة على خلفية قومية وعنصرية، سواء في مناطق الضفة أم في إسرائيل. 
ولكن رغم شدة انشغالاته، تمكن بالفعل من ايجاد الوقت اللازم كي يلتقي بممثلي مجموعة هامشية نبتت في السنوات الاخيرة من داخل الاقلية المسيحية العربية في الجليل، ترفع علم التجنيد للجيش الاسرائيلي للشبان المسيحيين العرب، رغم أن الحديث يدور عن اعداد طفيفة للغاية من عشرات المتجندين كل سنة (الذين قد يرتفع عددهم في وقت ما الى مئاتقليلة)، ممن ليس للجيش اي حاجة حقيقية لهم.
فليس شخص كنتنياهو يفوت الفرصة لاضرام الشعلة الداخلية في المجتمع العربي في اسرائيل، في ظل خوض مناورة مكشوفة اخرى من " فرق تسد". فبعد كل شيء، نتنياهو ومستشاروه على قدر كاف من العقل كي يفهموا ان مسألة الخدمة العسكرية والخدمة الوطنية هي مسألة حساسة للغاية بين السكان العرب بشكل عام، وبالاساس بين الاقلية المسيحية ـ العربية، رغم أن من داخلهم بالذات خرج ايضا قسم من المعارضين العلمانيين، الأكثر تطرفا، للصهيونية. 
ينبغي مع ذلك قول الحقيقة: مسألة التجنيد للجيش هي مسألة سهل على معظم الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل ان يتحدوا ضدها. فالجيش الاسرائيلي، بعد كل شيء، هو رمز الاستلاب الذي يشهده الفلسطينيون داخل إسرائيل منذ 1948، وهو العامل في استمرار السيطرة العسكرية الاسرائيلية في المناطق، وفضلا عن ذلك، فان رفض المشاركة في الخدمة العسكرية أو المدنية، لا تمس مباشرة بالمصالح الشخصية لاغلبية المواطنين العرب مثلما يرونها. ففي ميزان المصالح العام، مريح وسهل أكثر لمعظمهم الا يخدموا.
بالمقابل، توجد اوضاع يكون فيها الامتناع عن مساعدة الاحتلال، تجبي ثمنا بالفعل، وليسوا جميعهم مستعدون لدفعه.
في نهاية العام 2010 بدأت جمعية المستوطنين "امانا"  في مشروع عربدة آخر في الضفة، هذه المرة بين تلتين، المستوطنة المنعزلة عيناب (غرب طولكرم) تقع عليهما. فقد شقت الجرافات الطرق، مهدت التربة، حفرت القنوات ودقت العواميد لا شيء استثنائيا بمفاهيم الغابة المحلية، سبع مقطورات نصبت في المكان وبعد زمن اضيفت اليها سبع اخر. وهكذا تمت المباركة بنشوء حي يهودي جديد الى العالم في قلب "السامرة المحررة" . 
غير أن الجرافات التي مهدت التربة قبل نصب المقطورات كانت تعود لشركة " وليد حسن للاشغال محدودة الضمان" ، التي تقع في الطيرة في المثلث.
شركات عربية تساهم في دعم المستوطنات
" وليد حسن"  هي ذات الشركة التي مهدت في تلك السنة التربة والبنية التحتية للحي الجديد الذي بنته "امانا"  في افنيه حيفتس، على مسافة بضعة كيلومترات غرب عيناب. شركة "حفريات سخنين"  هي الشركة التي استؤجرت لحفر الاساسات لروضة الاطفال الجديدة التي تبنى في ذات المستوطنة هذه الايام. بالمقابل، فان حفر الاساسات للمنازل التي تبنيها "امانا"  في مستوطنة عوفريم (غرب رام الله) حفرتها في حينه الشركة المنافسة "حفريات موسى محدودة الضمان"  التي هي أيضا من سخنين. 
هذه الشركات ليست وحدها، فهي جزء من مجموعة مهمة لمقاولين ومخططين فلسطينيين عرب من مواطني اسرائيل، ترتزق من البناء الاسرائيلي المتسارع في الضفة.
لا توجد هنا اي نية للمزايدة الاخلاقية من جانب غير قليل من الاشخاص الذين يسعون الى الرزق، والذين يحتمل الا يكونوا حصلوا على عمل في اماكن اخرى. ولكن توجد بالتأكيد أيضا حالات تحركها نوازع الجشع للمال، وذلك في الوقت الذي يوجد فيه من جهة اخرى غير قليل من اليهود الاسرائيليين (البعيدين بالطبع عن أن يكونوا الأغلبية) ممن بشكل واع لا يعملون ولا يشترون من المستوطنات، ويدفعون لقاء اختياراتهم ثمنا اقتصاديا، بل واحيانا شخصيا.
تنضم هذه الظاهرة الى ظاهرة معروفة أكثر لمئات الطلاب العرب الذين يأتون كل سنة، ولا سيما من منطقة المثلث، للتعلم في المركز الاكاديمي عفوا، في جامعة أرئيل. هؤلاء طلاب كان يمكنهم ان يتعلموا ايضا في كليات وجامعات أخرى، ولكنهم اختاروا ارئيل بالذات. اما مستوطنو ارئيل، من جهتهم، فيلوحون بهم وكذا بحقيقة أن مهندس مدينة ارئيل هو من سكان كفر قاسم كدليل على أنه لا يوجد ابرتهايد في المناطق، وكل ذلك تلفيق من "اليسرويين المنقطعين عن الواقع"، كما وصفهم ذاك المهندس اياه في الماضي.
استغلال السكان الفلسطينيين في الضفة وتحميلهم مسؤولية مساعدة اسرائيل
من الصعب الاختلاف في حقيقة أن اولئك الطلاب، الذين يسمحون بوعي لمستوطني ارئيل بالاستغلال الاعلامي لهم، كي يستغلوا باقي السكان الفلسطينيين في الضفة، يتحملون مسؤولة خاصة في كل ما يتعلق بالمساعدة للدعاية الاسرائيلية، التي تسعى الى تطبيع ما هو على نحو ظاهر غير مقبول على الارض. 
يبدو أن الجمهور العربي الفلسطيني في إسرائيل الذي يكافح، وعن حق، في سبيل الاعتراف به كأقلية أصيلة، يجب ان يسأل نفسه كيف أنه هو (بجملة الوانه وتوتراته الداخلية) يساهم في مشروع الاستيطان في الضفة، وما هي المعاني لهذه المساهمة الكبيرة. واضح أن خطوة من هذا النوع ستتطلب ايضا مراجعة داخلية أليمة، بل والتعريض للخطر تلك المصالح المادية لبعض الجهات ذات القوة. وربما، وكما هو معروف، فهذه ليست أفعال يتطوع معظم الناس لعملها.
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]