تبين مؤخرًا، أن اسرائيل هي ثاني أكثر الدول بالمقارنة مع الدول الأوروبية، استخدامًا للمضادات الحيوية. هذا مع العلم أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، أو استخدام المضادات الحيوية القوية (من الجيل الثاني) بدل الخفيفة (الجيل الأول) - مثل الأغومنيتن الذي يكثر استخدامه في كثير من حالات المرض مثل أمراض الأسنان والالتهابات الأخرى – تخفف من قدرة المضاد على محاربة الجراثيم.

نشر مكتب مراقب الدولة، يوم الأربعاء 8/5/2013 ، تقريرًا مقلقًا حول العام 2012، يشير إلى إزدياد عدد حالات إصابة المرضى المتواجدين في المؤسسات الطبية في إسرائيل بالتلوث بسبب الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية. وقد أظهر التقرير أن ما بين 4000 – 6000 حالة وفاة وقعت خلال هذه الفترة بسبب الإصابة بالجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية. وفي استطلاع أجرته وزارة الصحة، تبين أن 19% ممّن خضعوا لعمليات جراحية في الأمعاء الغليظة، أصيبوا بالتلوث، حيث تعتبر هذه النسبة عالية إذا ما تمت مقارنتها بالدول الأوروبية (9.2% انجلترا، 7.7%فرنسا ..).

يشدد التقرير على إمكانية تقليل نسبة حالات الوفاة بما يتراوح بين 25% - 75%، وذلك من خلال اتباع التوصيات الواردة في التقرير.

يذكر أنه وفي العام 2006، كانت قد انتشرت في اسرائيل جرثومة "الكلبيسيالة" المقاومة لعدد كبير من الأدوية والمضادات الحيوية، حيث أصيب بها المئات من سكان البلاد، وتسببت بوفاة جزء ممن أصيبوا بها. لقد دفع هذا الأمر وزارة الصحة لأن تقيم وحدة خاصة لمنع التلوث بالجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية. 

عند قراءة تقرير مراقب الدولة نتساءل: هل نستطيع الحد من هذه الظاهرة في المؤسسات الطبية في اسرائيل؟ وما هو دور المؤسسات والأطباء والجمهور في المساهمة بذلك؟ 

من أجل الحد من ازدياد هذه الحالات، وحتى المساهمة في تقليل عددها، علينا ان نفهم ما هي الأمور التي تساهم في زيادة حدة هذه الظاهرة أو الحد منها. وهاكم بعض العوامل المقصودة:

1. نظافة اليدين وارتداء ثياب (أرواب) نظيفة وقفازات خاصة عند الحاجة: هنالك تعليمات توجيهية لطاقم التمريض والأطباء تتعلق بنظافة اليدين وارتداء الأرواب، حيث يعتبر تطبيق هذه التعليمات والالتزام بها، من أهم العوامل وأكثرها فعالية في منع نقل مسببات الأمراض من مريض الى آخر. 

2. وعي زوار المستشفى لهذه الظاهرة: بإمكان إدراك الزوار لما هو مسموح وما هو غير مسموح عند التعامل مع مرضاهم، أن يساهم في الحد من انتقال التلوث.

3. ظروف الاستشفاء (المكوث في المستشفى)، النقص في الأيدي العاملة ومحدودية القدرة على عزل المرضى المصابين: لربما لا نستطيع أن نساهم كثيرًا في زيادة الملكات الوظيفية في المستشفيات ولا عدد الأسِرّة، لكن إدراكنا كعاملين في الجهاز الصحي وكجمهور لحقيقة أن لوضع القائم في المؤسسات الطبية قد يزيد من حدة الظاهرة، يشجعنا على أن نقدم أقصى ما في وسعنا من أجل المساهمة الفعَالة والقيام بدورنا كما يجب في مثل هذه الظروف.

4. التعامل الملائم والمسؤول مع الطعام: لا بد في هذا السياق من توفير درجات حرارة مناسبة خلال كل ما يتعلق بعملية إعداد الطعام وحفظه. كما لا بد من الحفاظ عليها (درجة الحرارة) على امتداد كل المراحل، منعًا لتراكم الجراثيم أو تكوّن جراثيم المقاومة لدرجات الحرارة العالية، والتي من الممكن أن تدخل في حالة سبات وتعود لـ"تحيا" مجدّداً في حال توفرت الظروف المناسبة لتكاثرها، كدرجة حرارة الغرفة مثلا.

5. أجهزة التهوئة: تساهم عملية تنقية وتنظيف أجهزة التهوئة وفقًا للتعليمات، في تقليل تراكم الجراثيم فيها، وانتقالها إلى الأشخاص الموجودين في الغرفة، أو حتى انتقالها من غرفة إلى أخرى.

6. استخدام تقنيات وأجهزة منع التلوث: يتم في المستشفيات استخدام تقنيات حديثة تدمج في البناء الحديث، بالإضافة لأجهزة منع التلوث. وقد قامت بعض المستشفيات باقتناء هذه الأجهزة مؤخرًا. من الجدير بالذكر هنا، أن التلوث غير موجود في غرف العمليات في مستشفى الناصرة مثلاً بسبب حداثة الأبنية، التي تعتبر الأحدث في البلاد، وتتمتع بجدران مقاومة للجراثيم وبوجود تقنيات أخرى.

7. فرط أو سوء استخدام المضادات الحيوية: قامت وزارة الصحة بإرسال تعليماتها للمؤسسات الطبية، والتي تنص على التقليل من استخدام المضادات الحيوية. وقد تبين مؤخرًا، أن اسرائيل تحتل المرتبة الثانية من حيث استخدام المضادات الحيوية، بالمقارنة مع الدول الأوروبية. يأتي هذا المعطى، مع العلم أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، أو استخدام المضادات الحيوية القوية ( من الجيل الثاني) بدل الخفيفة ( الجيل الأول)، رغم انعدام الحاجة الملحة لمثل هذا الاستخدام (مثلا، مضاد الأوغمنيتن الذي يكثر استخدامه في حالات مثل أمراض الأسنان أو الالتهابات الأخرى)، يخفف من قدرة الدواء (المضاد الحيويي) على مقاومة الجراثيم. وأنا، كطبيب عائلة ومدير مستشفى الناصرة، أشجع زملائي الأطباء على فحص ضرورة استخدام المضادات الحيوية ومن ثم اختيار النوع المناسب والضروري، إذا فرضت الحاجة ذلك فقط. هذا، حتى لا يصعب التعامل مستقبلا مع التلوث ومعالجة المرضى الذين اصيبوا به، خصوصًا حين يكون هذا التلوث بحاجة فعلاً لمضادات حيوية قوية.

بالنسبة للنقطة الأخيرة بالتحديد، لا بد من الإشارة إلى الدور الهام الذي يلعبه جمهور المرضى المتعالجين. ففي كثير من الأحيان، يقوم المرضى بالضغط على الأطباء طالبين منهم وصف المضادات الحيوية لهم، على الرغم من أن الأطباء لا يشجعون ذلك في كثير من حالات ومراحل الإصابة بالالتهاب. من هنا تنبع أهمية وعي المتعالجين وإدراكهم لفكرة أن كثرة المضادات الحيوية واستخدامها دون حاجة حقيقية، قد تكون سببا لخلق مشكلة جديدة، بدلا من أن تكون الحل المناسب للمشكلة الصحية المعينة. إضافة لهذا، يقوم الكثيرون من المرضى باستخدام أدوية سبق أن تم وصفها لهم، في حالات مرضية سابقة ولم يقوموا باستخدامها. هم يقومون بذلك دون الرجوع للطبيب للسؤال عن ضرورة استخدامها في حالات مرضية أخرى. يعتقد الكثيرون أن أي حالة من الإصابة بألم الحلق أو الانفلونزا تحتاج للعلاج بالمضادات الحيوية، وهذا خطأ، إذ أن غالبية هذه الحالات لا تحتاج إلا لأخذ قسط من الراحة فحسب، بإضافة بعض مسكنات الألم، وشرب السوائل. كذلك، فإن هنالك فرق بين الالتهاب الفيروسي والالتهاب البكتيري، إذ أن النوع الأول من الالتهابات لا يحتاج لاستخدام المضادات الحيوي بتاتًا، كما أن استخدام المضاد لا يقدم أي فائدة تذكر في هذه الحالة. بل على العكس، فإن تناول المضاد الحيوي – في بعض الأحيان - قد يسبب الضرر على الأمد البعيد، خصوصًا في مجال مقاومة الجسم للمضاد الحيوي عند الحاجة الحقيقية له. 

تقع المسؤولية الأساسية عن هذه المشكلة على الجهاز الصحي والقائمين عليه، ابتداءً من وزارة الصحة، ووصولا إلى آخر شخص يعمل في المؤسسات الصحية. لكن بحثا شاركتُ به عام 2007، أظهر أن وعي الجمهور لموضوع استخدام المضادات الحيوية، قد يساهم كثيرًا في تحسين وضع مرضانا ومنع الإصابة بالتلوث بسبب الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المؤسسات الطبية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]