كثيراً ما سمعنا ونسمع من كبار السّن المخضرمين في مجتمعنا العربي عن مشفى الدكتور نايف حمزة في حيفا /وبقدرة تجهيليّة ، تحوّل الى مشفى رمبام، شاّنه كشاّن آلاف الاْسماء العربيّة التي هُوّدتْ، عُبْرنتْ،اُسرِلَتْ، شُطِبَتْ واستُبدِلَتْ، لطمس المعالم العربيّة الحضاريّة في بلادنا .
عُدنا الى عباب الذّاكرة، كما يقول صديقنا الكاتب، الشّاعر، المربّي،العكّاوي الذي لا يخشى هدير البحر، نظير شمالي. تابعنا كتاباته التّراثيّة المعتّقة، ونتوق الى المزيد بشغف لمواصلتها، فقد سجّل نظير عن الدّكتور ما نظمه بعضهم:
والدّكتور حمزة لِبْس الطّاقيّة حضَّرْلي حالو للعمليّة
وْدخلكْ يا دكتور عجّلْ عليّ اْنا غريبة واْهلي مش هونا

ويضيف نظير في كشكول النّاس، انّ صورة اْخرى لهذا الشّعر :
والدّكتورحمزة يا بو الطّاقيّة شكّل عن زْنودكْ للعمليّة
وْبالله رُشّلّي مَيّة ريحة الْبَنْج عَمَت لِعْيونا

وتعود بنا الذّاكرة الى اْواخر عام 1939، حيث قدم وفد رفيع المستوى من جبل العرب لاْجراء مراسيم الصّلح في شفاعمرو بين الطّا ئفتين العربيّتين الاْسلاميّتين، بعد مقتل الشّيخ حسن خنيفس وصحبه الكرام، ظلماً وعدواناً. ضمّ وفد الصُّلح كلاً من المشايخ والسّادة:
*عبد الغفّار باشا الاْطرش، زيد الاْطرش، حمزة درويش، اسعد كنج اْبو صالح، جبر مراد صفدي، المستر اْيفانس حاكم لواء حيفا، عيسى العيسى/جريدة فلسطين، رفيق بيضون قائمقام حيفا، حسين عبد الصّمد/حاكم صلح حيفا، محمد برادعي /حاكم صلح حيفا كذلك، فريد سعد قائمقام، سلمان ماضي /جولس، يوسف اْبو طفلة /الرّامة، الى جانب الدكتور الجرّاح نايف حمزة، مدير المشفى الحكومي الحيفاوي، المسمّى: مشفى دكتور نايف حمزة حتى عام 1948. الشّيخ اْمين حمزة، والد الدكتور ورفيق حمزة ابن اْخت الدكتور. كما ورد في كتاب دالية الكرمل في ثلاثمئة عام، للشاعر المرحوم نزيه خير. الوفد الكبير زار عدّة قرى ومن ضمنها حرفيش، حيث تناول الطّعام على مائدة الوجيه الشّيخ اْبو نعيم رشراش عامر، وبزلّة لسان من اْحد الفضوليين الحاضرين، تناول الوفد الطّعام في اليوم التّالي، على مائدة الشّيخ اْبو يوسف سلمان حسين الفارس . هذا الوفد الكريم عمل على راْب الصّدع في عدّة قرى بين بعض العائلات .
* َبحْبَشْنا في الاْرشيفات، واذا بنا نعثر على كتاب بالعبرية: اْطبّاء اْرض اسرائيل 1799-1948 لمؤَلِّفَيْه: نسيم ليفي و ياعل ليفي. وهو عبارة عن مسح شامل لاْطبّاء هذه الدّيار يهوداً وعرباً. من بين مَن ترجما لهم كان الدّكتور اللبناني  نايف اْمين حمزة على النّحو التّالي:
تاريخ الولادة 1895، بلدة عبيه اللبنانيّة، درزي،  1919 اْنهى الجامعة الاْمريكيّة /بيروت، بين عامَي 1919- 1920 كان ضابطاً طبّيّا ًفي الجيش البريطاني في يلفا، 1922 كان طبيبا عاماً في رام الله. رقم رخصة طبّه 193، تزوّج عام 1923، عام 1931 نُقِل الى نابلس، عام 1934 نُقل الى القدس، اُرسِل الى حيفا عام 1935، في نهاية الثلاثينيّات كان طبيباً جرّاحا في المستشفى الحكومي /حيفا، عام 1942 اْصبح جرّاحا رئيساً، بقي في البلاد بعد قيام الدّولة، حين عُيِّنَ د باروخ نيسنبويم مسؤولاًعن المشفى الذي اْصبح يهوديّاً، الدكتور حمزة اختطف سيارة اسعاف /على ذمّتيهما/ ،عبّاْها بالعتاد وهرب بها الى لبنان.
*عدنا الى ارشيفنا الخاص لنقراْ ما ورد في كتاب صامدون 2 وملاحق 2008، من إصدار لجنة المبادرة العربيّة المعروفيّة، حيث جاء: اْدار د. نايف حمزة المشفى الحكومي في حيفا والذي حمل اْسمه الشخصي بين عامي: 1933 -1948.  في عام 1944 ومع مجموعة من مثقّفي لبنان القاطنين في فلسطين وبعض موحّدي هذه الدّيار، اْسّسوا جمعيّة إغاثة الفقير الدّرزي، فاْدَّواخدمات انسانيّة كبيرة للفقراء والمعوزين. حارب الطّائفيّة البغيضة باْبعادها المختلفة. كانت الجمعيّة كانت تعقد اجتماعاتها في النّاديين الاْرثوذكسي والكاثوليكي في حيفا. بعد النّكبة عمل مديراً لمشفى نابلس، جمع حوله مجموعة من مثقّفي هذه الدّيار. كان له دور بارز في تهدئة الخواطر بين المسلمين والدّروز في شفاعمرو. بعد مقتل الشّيخ حسن خنيفس وصحبه من العُقّال الموحّدين، وذلك بالتّعاون مع الوفد السّوري الذي قَدِم لهذه الدّيار لتسوية ذات البين بين الطّائفتين الشّقيقتين المتخاصمتين، حتى عُقِدَتْ راية الصّلح وما بها من عادات عربيّة: مسامحة، مصافحة، ممالحة...

الدكتور انتقل الى رحمته تعالى عام 1977 في مسقط راْسه /عبيه
*عدنا الى البحث في اْرشيفنا ثانية، لنقراْ وثيقة في كتاب شكيب اْرسلان: خمسون عاماً على رحيل اْمير البيان /نمر نمر/، وثيقة رسميّة تحمل اسم الدكتور نايف حمزة، مطبوعاً، تلفون رقم 4101، حيفا، 10/3/1947 ، وهي رسالة من الدكتور ،بِخَطّ يده ، موجّهة للكاتب المحامي اللبناني المقيم في القدس/ فلسطين، عجاج نويهض/ اْبو خلدون /، لاستئصال اللوزتين عند السّيّدة اْمّ خلدون، حَرَم المحامي.  يُعرب الدكتور فيها عن استعداده لاْجراء العمليّة الجراحيّة في مشفاه واستعداده لاستضافة المريضة وابنتها الصّغيرة في بيته للنقاهة والشّفاء معاً.
*الدكتور سلمان فلاح/كفر سميع، كتب في مجلّة /العمامة/ لصاحبها سميح ناطور/دالية الكرمل: د. نايف حمزة طوّر المشفى ليصبح عدد اْسِرَّتِه 300 سريراً .

*السّيّد مطانس فرح /حيفا ،كتب بتاريخ 6/7/2012:  
في حيفا يستذكرون الطّبيب نايف حمزة بطريقة خاصّة. سكّان الحيّ الحيفاوي القابع بين شارعي مئير وايران قرّروا اْخراج الحي ّمن وكر المخدّرات والعمل على تحسينه، اعادة التّاريخ له وزرعه بالاْشجار، نَصْب لافتة على بناية الدكتور نايف حمزة المكوّنة من اْربعة طوابق، له ولاْبناء عائلته، كتبوا على الّلافتة بالعربيّة والعبريّة، وبخطّ بارز: هنا بيت د نايف حمزة، ابن الطّائفة الدّرزيّة، مدير المستشفى الحكومي /رمبام/حتى عام 1948. النّاشط الاجتماعي هاشم ذياب، اْحد المبادرين للعمل التّطوّعي، قال: يقطن اليوم في بناية الطّبيب حمزة، عدد من العائلات العربيّة: اْبو يونس، حدّاد، عبّود، صفّوري، كرزم، وغيرها. وقد جاءت المبادرة لنصب الّلافتة من قِبَل عائلة اْبو يونس وعدد من الجيران واْهالي الحيّ.....
*ما نودّ اْن نؤكّده في هذا المقام بالذّات، هو اْنّ مجتمعنا العربي في الدّاخل، وبطوائفه الثّلاث، هو باْلف خير. هذه المبادرة الطّيبة تدلّ على اْصالة السّكّان، نبلهم وشهامتهم. تحيّة صادقة للاْخوة الاْخوات الحيفاويين الكرام. وقد قال النّقاد: من اْصدق اْبيات الشّعر الذي نظمه العرب، ما قاله الشاعر المخضرم الذي اْدرك الاإسلام جرول بن اْوس العبسي /الحطيئة:
مَن يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والنّاس 
* والى مزيد من ترسيخ التّاريخ وتاْريخه لاْجيالنا بروح المحبّة والوفاء، رغم العهر ومحاولات طمس المعالم من قِبَل سّلطة بَلْعَتْ البيضة والتّقشيرة، حتى لافتة صغيرة تحمل اسم د حمزة، ضَنَّتْ بها، حَشَفاً وسوء كيلة !.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]