عندما وطأت قدماي هذه البقعة المقدسة (ستي القبة)، المُجاورة لمكان سكني بشكل خاص هذا الاسبوع في ساعات ألغروب حيث أخذت اشعة الشمس الشاحبة تُخفي خيوط الظلمة، وتتسلل نحو المغيب برفقٍ، تُسلط بقايا اشعاعها الهزيل نحو النصب التذكاري، من قطعة صخرة صلبة ضخمة تارةً، وعلى بقايا القبور المبعثرة على قمم الصخور، والقبة القديمة المقدسة، تمتزج مع قناديل خافتة الضوء والمقاعد الخاصة التي شُيّدت بصورة رائعة تليق بتراث، وقدسية المكان تارة أخرى. حيث تواجد الكشاف الشفا عمري ليجري ألترتيبات، ويضع اللمسات الأخيرة للاحتفال في اليوم التالي.
لا أُخفي، اني شعرت بخشوع وخضوع، وموقف مؤثر قد يصعب وصفه لما لهذا المكان أهمية وقيمة دينية، تاريخية، حضارية وثقافية.
السبت الماضي، صادف ذكرى استشهاد 41 بطلاً، حُفرت اسماءهم على تلك الصخرة ألصلبة، كانوا قد سقطوا في معركة العزة والكرامة، معركة هوشة والكساير في نيسان 1984. حيث تم تكريمهم باحتفال على مستوى رفيع، يليق بموقفهم وتضحياتهم النابعة عن تربية وطنية صادقة،وسلوك ان دلّ على شيء فإنما يدل على أصالة، عزة ، وحُسن اخلاق الطائفة المعروفية ذات التاريخ ألعريق والمواقف المشرفة التي وقفت، وتقف حصنًا حصينًا ضد الظلم والظلماء، الغُزاة والطُغاة، مساندة ألحق وتحقيق ألعدل، وذلك بحضور جمهورٍ غفير من المدعوين من كافة ألطوائف، ومن مختلف القرى الدرزية ، يتقدمه رجال دين، قُضاة، رجال سياسة، مثقفون وممثلو المؤسسات الرسمية والشعبية. رغم رداءة وقساوة حالة الطقس، والغيوم المتلبدة، والرياح الشديدة، والامطار الغزيرة، الا ان وبقدرة الله سبحانه وتعالى، وعلى ما يبدو كرامة للقيِّمين على هذا المشروع، وللمشايخ الأجلاء. وحال الابتداء بالمراسيم اشرقت ألشمس وانقشعت ألغيوم، وهدأت الرياح لتسنى الاستمرار بالاحتفال بأجواء هادئة، صافية.
وقد اثنى كافة الخطباء على دور الشيخ يوسف ابو عبيد وكيل الوقف، ورئيس بيت الطائفة في شفا عمرو على دوره الايجابي في تنفيذ المشاريع، وصيانة املاك الوقف، والعمل ليل نهار لما فيه خدمة ورفعة المصلحة العامة بشكل عام، وتنفيذ هذا المشروع على اكمل وجه بشكل خاص. وقد ترأس عرافة الاحتفال رئيس الكشاف الشفا عمري السيد لبيب ابو حمود، الذي استهل الاحتفال بدعوة الحاضرين الوقوف دقيقة صمت، وبعد كلمته الافتتاحية دعى الشيخ يوسف ابو عبيد لدعوة عدد من المشايخ، في مقدمتهم الشيخ موفق طريف ورئيس البلدية لإزاحة الستارة عن النصب التذكاري.
ومما جاء في كلمة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف بعد ان قرأ الفاتحة قال :
"طائفتنا عُرفت عبر التاريخ، بأصالة عروقها ونقاءِ أنسابِها، وحكمة شيوخها وسداد رأيهم، فوقفت بوجهِ الظُلمِ والظالم دون هوادةِ، بإقدامٍ وبغير حساب، وقد شهد ويشهد لها التاريخُ مواقف ابطالنا ضد الغازي لبلاد الشام ابراهيم باشا والاعتداء الفرنسي على جبلنا الأشم في سوريا ، وأمام طُغيان أديب الشيشكلي، حين حاصر الجبل، وصمود دروز لبنان بوجهِ العثمانيين وغيرهمفي كل حقبةٍ زمنيةٍ من الحقبِ الغابرة، وفي كل مكان وُجدنا به على هذه الارض كانت لنا قياداتٌ حكيمةٌ، رزينةٌ، مترويةٌ، متفهمة،تُقيم الامور وتتدارسها لتقود الطائفة الى بر الأمان" .
من كلمة رئيس البلدية ناهض خازم :
"نقف اليوم وقفة اكبار واجلال للشهداء، من ابناء هذه المدينة، ومن جبل العرب في لبنان، ولجميع الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن ارض مدينتنا الغالي.
نشارك لنقول للشيخ يوسف ابو عبيد ( ابو احمد)، وجميع المبادرين والمشاركين في اقامة هذا النصب التذكاري:
سلِمتْ أيديكم على هذه الخطوة الانسانية والوطنية التي تؤكد أن اهل هذه المدينة لا ينسون تاريخها، بل يسطرونه للأجيال القادمة، وما إقامة هذا المَعلَم سوى اقرار بجميل من شارك في الدفاع عن تراب شفا عمرو، وكرامتها، وتأكيد على دور أبناء الطائفة المعروفية في معركة الدفاع عن الارض والعرض".
من كلمة عضو الكنيست حمد عمّار :
" شاءت الأقدارُ ان يغادر هؤلاء الشباب مسقط رأسهم، ليأتوا الى هذه البلاد، وليلقوا حتفهم هنا في أرض الهوشة. لقد تركوا خلفهم أهلاً وعوائل وأقرباء، ومازالوا حتى يومنا هذا في عِدادِ المفقودين. لذا فإن هذه الخطوة المباركة اليوم، هي بمثابة إغلاقٍ لدائرة حياة كل منهم، وكونهم من أبناء جلدتنا ، ومن منطلق فريضة الاخوان، فهي تُعتبر حفاظًا منا على حُرمتهم في مماتهم".
وتحدّث باسم أهل الشُهداء الشيخ جهاد ابو حمدان ، بكلمة معبرة، أكد ان هذه الخطوة المباركة هادفة الى غلق حلقة غامضة، حيث تم ايجاد عنوان للشهداء والمحافظة على كرامتهم.
وكان مسك الختام كلمة الشيخ يوسف ابو عبيد :
" إن هذا النصب التذكاري، يحمل في طياته معانيًا انسانية سامية ، وقيمًا ربية اصيلة، كحماية الدين، العرض والارض. إننا بهذا إذ نُثمن تضحياتهم ونقدر لهم مواقفهم الشجاعة، ودورهم البطولي في تقديم العون والنصة لمن يحتاج اليها. انه سلوك اصيلٌ، نابع عن تربية وطنية وخُلقٍ رفيعٍ، تقتضيه الاخوة الصادقة، وتدفع اليه المروءة ومكارم الأخلاق. انها صفات أبناء الجبل الذين نعتز ونفتخر بهم وببطولاتهم التي تُعتبر رمزًا للشجاعة والإقدام. وعلى رأسهم عطوفةُ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الُبرى ( عام 1925) ".
زاوية رماح، تبعث بألف همسة شكر وعرفان لكل من ساهم، وعمل على ترميم وبناء هذه البقعة المقدسة، ونجاح الاحتفال وتعتز وتفتخر لهذا الانجاز، وتؤكد ان ذاكرتنا ستظل حيّة ونابضة لذكراهم العطرة ومواقفهم البطولية المُشرفة.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
حصلت معركة هوشة والكساير عام 1948 وليس عام 1984.