من الطبيعي أن يتأثر البشر بالمُجريات الحاصلة من حولهم، خصوصا عند الحديث عن أحداث تلامس الإنسانية، والقتل وانتهاك الحُرية، وسفك دماء الأبرياء وخاصة الأطفال منهم. وعلى ضوء الأحداث الأخيرة الجارية في سوريا، وخاصة بعد مجزرة "الحولة" التي راح ضحيتها أكثر من 100 مواطن سوري معظمهم من الأطفال، الذين سُرعان من انتشرت صورهم على مواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك دون رقابة، يبدو من المؤكد أن يكون أطفالنا قد شاهدوها، ورأوا أطفالاً في عُمرهم، سُرقت منهم الحياة، تساقطوا على الأرض، مثلما تتساقط أوراق الخريف على الثُرى.

السؤال المطروح هُنا؛

كيف تؤثر صور هذه المجازر ومشاهد العنف على الأطفال؟ وكيف يجب التعامل مع الأطفال وتوجيههم، مع العلم أنها ليست منتشرة على شاشات التلفزيون فقط، بل على مواقع الانترنت والفيسبوك؟

وفي سيّاق هذه الأسئلة المطروحة، توجه موقع بُـكرا، لـ أ. د. خولة أبو بكر، المحاضرة في موضوع علم السلوكيات،التي أجابت قائلةً: "من أسس التربية السليمة أن يحضّر الأهل أولادهم لتفهم الحياة بهدف التأقلم وبهدف التعامل مع بيئاتهم لصالح أنفسهم ولصالح الآخرين، كل بحسب سنة وتطوره الذهني والعاطفي.

ومن هنا،  يكون على الأهل شرح مفهوم الحرب والنزاعات المسلحة بأسلوب ينقل المعلومات للأبناء ولكن لا يترك لديهم شعور الفزع أو غياب شعور الأمن والأمان في حياتهم. من واجب الأهل أن يرشدوا الأبناء لما على الأبناء فعله في حالة الطوارئ بهدف حماية أنفسهم (خاصة في المناطق المهددة بالكوارث الطبيعية أو الكوارث من صنع الإنسان) وأن يتدربوا معهم على ردود الفعل السليمة كفعالية أسرية. في نفس الوقت، على الأهل أن يؤكدوا لأولادهم أنهم سوف يفعلون ما باستطاعتهم حتى يمنعوا عنهم أي ضرر أو يخففوا وطأته عنهم. أي، يجب أن لا يتنصل الأهل من دورهم الأبوي المبني على العناية والرعاية والحماية وتوفير شعور الأمان والاطمئنان للأبناء.

بعض المشاهد التي ينكشف عليها الفرد، سواء مباشرة بواسطة وجوده داخل الحدث، أو بواسطة نقل صورة متلفزة أو عبر شبكات المعلومات على أنواعها، تؤذي عواطف ونفسية من يراها وتسبب لهم صدمة عاطفية، خاصة الناس الذي لم يتدربوا ضمن تخصصاتهم المهنية، مثل رجال الإسعاف أو الأطباء، على مواجهة مثل هذا المشاهد.

وتعتبر الصدمة المباشرة (وجوده في الحدث الصادم) وغير المباشرة (نقل معلومات عن الحدث الصادم) سببا لخدش النفسية مثلها مثل الصدمة المباشرة. ولذا ينزع المسؤولون الذين يعملون وفق آداب مهنية متشددة إلى إجراء رقابة متشددة حول نقل المعلومات وأحيانا إلى منع نشر مشاهد مؤلمة تؤذي الصحة النفسية والعاطفية للجمهور.

إذا انكشف طفل على مشاهد قتل أطفال، سوف يتأثر جدا بسبب تعاطفه الشديد معهم كونهم أطفالا مثله، كما أن التشويهات التي حصلت على أجسادهم سوف تعرّضه لمخاوف أن يتألم هو بنفسه إذا حصلت معه هذه التجربة، ثم أنه يتأثر من ردود الفعل العاطفية المتشنجة التي يسمعها من الكبار حوله حول نفس المشهد والتي تتضمن الخوف والصراخ والتهديد بالانتقام وأشكال أخرى من التعبير عن الخوف والغضب".

د. أبو بكر: من المهم تشجيع الأطفال على الحديث عن المشهد كلما احتاجوا لذلك وعدم إسكاتهم

وتابعت: "من خلال ردود الأفعال هذه، يتعلم الأطفال أن ما يشاهدونه هو (كارثة) أو (مصيبة) أو (يدعو للغضب والنقمة) وما أشبه. هكذا يبني بنفسه ردود فعله العاطفية والتي تناسب ردود فعل بيئته لنفس المشهد.عندما يتعرض الأطفال لمثل هذه التجارب، على الأهل طمأنتهم والتأكيد لهم أنها كانت (حادثة مؤسفة غير عادية وأنها لا تتكرر يوميا)".

من المهم تشجيع الأطفال على الحديث عن المشهد كلما احتاجوا لذلك وعدم إسكاتهم، حيث يظن الأهل أن الامتناع عن التطرق للموضوع يجعل الأطفال ينسون الحدث ويمحونه من ذاكرتهم. بإمكان الأهل قراءة قصص بها حوادث معينة، وتشجيع الأطفال على الرسم وتمثيل مخاوفهم. في نفس الوقت، يجب تكثيف التعبير عن حب الأهل للطفل الخائف والتأكيد على وجودهم بقربه. أما إذا استمرت هذه الحالة لأكثر من أسبوعين فيجب التشاور مع المختصين".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]