الاعتقاد السائد في مجتمعنا العربي، وربما في العالم العربي أجمع، عن الجراحة التجميلية، هو أن هذه الجراحة ما هي إلا جراحة تعنى بتكبير الصدور، نفخ الشفاه، شفط الدهون، شد البطن، وما شابه من العمليات التي تهدف لتحسين المظهر فحسب...

الدكتورة رانيا الخطيب (28 عاما) من حيفا، التي تدرس للسنة الثالثة تخصص الجراحة التجميلية في مستشفى "رمبام "في حيفا، قررت خوض هذا المجال، وهي عمليا أول طبيبة جرّاحة تجميلية عربية في المجتمع الفلسطني في البلاد وعامة، وربما في العالم العربي أجمع حتى...

تقول إنها اختارت هذا المجال ليس من أجل الربح المالي، ولا من أجل تكبير صدور البنات ونفخ شفاههن.... اختارت هذا المجال من أجل إنقاذ حياة البشر، ورفع مستوى الوعي لهذا المجال في مجتمعنا العربي، الذي يفتقر للحد الأدنى للمعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.

هذا المجال يشمل الكثير من العمليات التي قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن أفكار الناس. فمنها عمليات إعادة بناء الثدي بعد استئصاله بسبب سرطان الثدي، أو علاج الحروق على اختلاف أنواعها ودرجات صعوبتها، أو معالجة حالات من الخلل المولود لدى الأطفال حديثي الولادة (من الممكن أن يكون ذلك بسبب زواج الأقارب، وهو أمر متعارف عليه في مجتمعنا)...

مراسلنا أجرى هذا اللقاء المثير مع هذه الشابة المبدعة، التي قررت خوض مجال اعتبر حتى الآن حكراً على الرجال من الأطباء (في البلاد هنالك عشرة أطباء جراحة تجميلية عرب فقط!!! وجميعهم من الرجال)...

تخصص ليس سهل ...

تقول د. رانية عن دراستها وتخصصها في الجراحة التجميلية: “ليس من السهل أن تتخصص بهذا المجال، فهو يتطلب معدل علامات عال جدا. حاليا، أصبحت في السنة الثالثة من التخصص، علما أن تخصص الجراحة التجميلية يستغرق ست سنوات، منها تسعة أشهر من الجراحة العامة، وثلاثة أشهر جراحة كف اليد، والبقية دراسة بقية تخصصات الجراحة التجميلية بشكل عام”.

أما عن قرارها التخصص بهذا المجال المميز، الذي يعتبر تخصصا رجاليا، بالإضافة للتفكير السائد في مجتمعنا بأن الشابة إذا ما درست الطب، فلا بد أن تختص بالطب النسائي (جنيكولوجيا) أو طب الأطفال أو الولادة... فتقول: “حتى اللحظة التي وصلت فيها لفترة التدريب (ستاج)، بعد ست سنوات من دراسة الطب، لم أكن قد خضت في هذا المجال إطلاقا. عندما اقترب موعد فترة التدريب، كان علي أن أختار موضوع التخصص، فكان مجال الجراحة التجميلية ومجال طب العيون هما المجالان اللذان لم أختبرهما بعد. هنا قررت أن أجربهما قبل اختيار التخصص، علما بأني كنت قد انجذبت للعديد من المجالات في الطب من قبل. ولكن عندما اختبرت موضوع الجراحة التجميلية انجذبت إليه كثيرا، وقررت أن يكون هذا مجال تخصصي".

اذا ما هي الجراحة التجميلية؟

تقول د. رانية: “قسم الجراحة التجميلية في رمبام هو الأكبر والأبرز في الشمال، لدينا في القسم 16 سريرا للمرضى, ويعتبر القسم من أفضل الأقسام في البلاد أجمع. لدينا وحدة للحروق، وهي أكبر وحدة في الشمال، وتصلنا أكثر من 15% من حالات الحروق في الشمال للعلاج، هذا عدا عن حالات الحروق التي تنقل إلى القسم من قسم العناية المكثفة. لدينا كذلك وحدة لإعادة بناء الثدي، وهي عملياً الوحدة التي تعالج النساء اللاتي تم استئصال الثدي لهن إثر الإصابة بالسرطان. ورغم أن الوسط العربي ليس واعيا كفاية لهذا المجال، إلا أنه من الواضح أن نسبة الوعي في الوسط العربي آخذة بالارتفاع".

وتؤكد رانية أن القسم يعالج أيضا حالات عديدة من سرطان الجلد التي تتطلب جراحة تجميلية، والحالات التي تتطلب جراحة دقيقة (ميكرو جراحة)، أو حتى بعض الحالات من الشفاه المجروحة، التي تتطلب ربما لقطب الأوعية الدموية والأنسجة، هذا عدا عن حالات الخلل المولود، على سبيل المثال عندما يولد طفل وأصابع يده مرتبطة ببعضها البعض، وغيرها الكثير....

وتؤكد دكتور رانية الخطيب أنها اختارت هذا المجال بشكل أساسي، بسبب الجراحة التجميلية الطبية، كالتي تهتم بها في مستشفى رمبام، وليس كجراحة تجميلية تجارية للربح، مثل حالات تكبير الثدي أو شفط الدهون وشد البطن، وعمليات تجميل الأنف، وغيرها من الجراحات التجميلية التي تعتبر جمالية ومكلفة جدا....

وتؤكد د. رانية: “هذا المجال واسع جدا، وفيه الكثير من الجوانب غير الاعتيادية، ولا توجد هناك طريقة عمل واحدة صحيحة، فليس هناك مخطط لأسلوب الجراحة، بينما هناك مجال كبير للإبداع وللعمل بحرية بهدف تصحيح الخلل".

الجراحة التجميلية والآراء المسبقة

وتقول في رد على سؤال حول الأفكار المسبقة حول الجراحة التجميلية، إن هذه الأفكار السائدة هي مغلوطة بالكامل. وتضيف أن ليس هنالك وعي كاف في المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد لكون الجراحة التجميلية أوسع بكثير مما تشير إليه تلك الأفكار. وتؤكد: “في البداية كنت ضد فكرة دراسة الجراحة التجميلية، فكان اعتقادي أن الموضوع سطحي وحسب، وأنه كما قلت مجرد عمليات أنف او تكبير الصدر وهكذا، لم أكن أعتقد أن الموضوع يشمل أيضا إنقاذ حياة البشر بأي شكل من الأشكال، ولكن اتضح لي العكس، حيث أن الموضوع له أبعاد أكبر بكثير. لذلك، يهمني أن أرفع الوعي لهذا المجال... بشكل خاص قضية الخلل المولود لدى الأطفال، وبشكل خاص في المجتمعات المنغلقة التي يكثر فيها زواج الأقارب، مثل مجتمعنا مثلا.

تخيل أن الكثير من النساء لا تعرفن أن بالإمكان إعادة بناء الثدي، وأن هذا الأمر يساعد على زيادة ثقتها بنفسها، ويساعدها على العودة لتعيش كامرأة بالفعل. يجب أن نرفع الوعي، وأن نتغلب على جانب عدم الارتياح عندما نتحدث بين امرأة وامرأة، خصوصا في مجتمعنا العربي. وأعتقد أن كوني أول طبيبة جراحة تجميلية عربية في البلاد قد يساهم في شرعنة هذه القضية، ويساهم في رفع الوعي في أوساط مجتمعنا العربي في البلاد".

وتقول د. رانية الخطيب في ردها على سؤال حول إمكانية أن تتفتح عيادة خاصة لطب التجميل "التقليدي"، المتخصص بالعمليات ذات الطابع المظهري وليس العلاجي البحث، علما بأن هذه العيادات تعتبر صناعة تقدر بملايين الشواقل سنويا، وذات دخل مرتفع جدا: “هذا جزء من الموضوع، ورغم أني لم أكن أفكر بهذا الموضوع في البداية، إلا أن هذا الأمر هو الجزء الثاني من المهنة. هناك الكثير من الحالات غير العلاجية الموجودة اليوم والتي تستصرخ إجراء جراحة تجميلية".

هل تفكرين في تغيير الأخرين؟!...

وترد على السؤال التالي: عندما تمشين بالشارع، هل تنتقدين هذه الفتاة او تلك، وتقولين هذه يجب أن نجري عملية جراحية للأنف، أو تلك للأذنين، أو ما شابه؟؟؟ فتقول: “نعم، في بعض الأحيان أقوم بذلك، وهنالك من الجانب الآخر فتيات بمجرد أن تراهن تقول: "سبحان الله إنهن كاملات من ناحية المنظر، ولكن هناك حالات تحتاج فعلا لإجراء عملية جراحية... لا توجد أي مشكلة أن نكون مجتمعا أجمل، لا توجد أي مشكلة في أن نكون أجمل، وان نحسن مظهرنا وشكلنا. وأعتقد أنه أمر مشروع، وكمجتمع متحضر هناك مكان لأن نحسن منظرنا، خصوصا إذا كان الأمر يزيد من ثقتنا بنفسنا ويحسّن شعورنا بجسدنا ونفسنا. ولكن لكل شيء حدود بالطبع ويجب ألا يزيد الأمر عن حدّه وألا يتحول لهوس وجنون"!!!
وتضيف في رد على سؤال حول معارضة الجراحات التجميلية في مجتمعنا العربي من منطلقات مبدئية وأيديولوجية: “الشكل الخارجي وبدون أي شك، (ولا يمكننا تجاهل هذا الأمر حتى في مجتمعنا)، له دور كبير بشعور الإنسان بالارتياح مع نفسه. العمليات التجميلية اليوم، لا تعالج المظهر الخارجي وحسب، أو نظرة المجتمع وبقية الناس إلينا.. وإنما تعالج هذه العمليات، قبل كل شيء، الحالة النفسية للشخص الذي يجري هذه العملية أصلا. فمن شأنها أن ترفع ثقته بنفسه وان تمنحه شعورا أفضل.

الصحة النفسية اليوم لها مكان ولها دور هام. هناك الكثير من الصبايا التي ازدادت ثقتهن بنفسهن بعد إجراء عمليات تجميلية. فهي قد تعثر على عمل بشكل أسرع، وقد تنجح في عملها وفي دراستها، وحتى بالعلاقات مع الزوج، وقد تنجح ببناء أسرة بشكل أفضل، لأنها راضية عن نفسها ولأن ثقتها بنفسها كبيرة، ولأن نظرتها لنفسها تحسنت.

هذا الأمر، له أبعاد كثيرة، ليس الموضوع أن أظهر جميلة وأتباها بين البشر، ولكن الصحة النفسية هي الأهم. وكطبيبة جراحة تجميلية، أعي هذه الأمور، بينما تغيب عن بال العديد من الأشخاص".

كما تؤكد رانية أن هناك بعض التعقيدات التي قد تحدث خلال كل عملية جراحية، ولكنها تؤكدا أيضا أن الأمر لا يقتصر فقط على عمليات التجميل. فعند الحديث عن العمليات التجميلية التي لا حاجة لها وغير الضرورية، قد تزيد نسبة الخطر لحصول هذه التعقيدات خلال العملية الجراحية أو بعدها. وتؤكد أيضا أنه رغم كل ذلك فنسبة حدوث هذه التعقيدات في العمليات الجراحية التجميلية ضئيلة جدا.

كما تؤكد أنه عند إجراء عمليات تجميلية بحتة، أي لتحسين المنظر فقط، وغير نابعة من حاجة طبية أو إصابة ما، فيشدد الأطباء على اختيار الأشخاص الذين لا يعانون من أي أمراض سابقة ومن هم بحالة نفسية سليمة، وذلك لأنه، على حد قولها: “ليس هناك حاجة لأن تجلس بالبيت وأنت جميل وان تكون مريضا"!!!

الوعي....ضرورة وحاجة في مجتمعنا العربي

وتنهي الدكتورة رانيا الخطيب حديثها بكلمة أخيرة فتقول: "آمل أن يزيد الوعي لهذا المجال في الطب مع مرور الوقت، أنا سعيدة بكوني أول طبيبة جراحة تجميلية عربية في البلاد، ولكن لماذا كان يجب أن نصل إلى العام 2010 لتصبح لدينا أول طبيبة جراحة تجميلية عربية؟؟ أتمنى ألا يخاف طلاب الطب من الخوض في هذا المجال، رغم صعوبة القبول له. آمل أن يزيد عدد أطباء الجراحة التجميلية العرب. كما آمل أن تتحقق بالفعل الدوافع التي دفعتني لخوض هذا المجال من حيث رفع الوعي في المجتمع العربي وأن أنجح بمساعدة مجتمعنا العربي وأبنائه، وأن استغل هذه الشهادة بالفعل لصالح مجتمعنا. وأن أرفع رأس أهلي والمجتمع أجمع"...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]