على الرغم من صغر مساحتها، تحفل الاراضي الفلسطينية بالاف الاصناف من الزهور البرية التي تتزين بها عند ارتدائها حلة الربيع.
يمكننا إحصاء أعداد غير بسيطة من الأزهار البرية ذات الموئل الشرق أوسطي(منطقة البحر المتوسط)، ففي فلسطين ثلاثة آلاف صنف من الأزهار البرية، والعديد من الأصناف الأخرى التي لم يتم اكتشافها حتى الآن، أزهر معظمها خلال هذه الأيام.
والفلاحون في الضفة الغربية يعملون في الحقول وفي مهن أخرى، بل إن بعضهم 'يعبد الأرض عبادة'، لكنهم لا يكترثون كثيرا لزهور شقائق النعمان التي نمت في معظم أنحاء الضفة الغربية. هي زهرة بالنسبة لهم ليس أكثر، ولا يهمهم ما تقوله الأسطورة التي تروي بأن هذه الأزهار نبتت في موقع سيلان دماء شقيق النعمان بن المنذر.
ويقول كتاب صدر حديثا حول التنوع الحيوي عن جمعية الحياة البرية، إن نباتات فلسطين العضوية الطبيعية تتمثل بـ 128 عائلة نباتيه، بينها 14 من السرخسيات و124 من النباتات الزهرية.
تزهر معظم النباتات في الأراضي الفلسطينية خلال فترة الربيع الذي بدأ مبكرا هذا العام، إلا أن تأثير درجة الحرارة كما يشير الكتاب الذي أعده الباحث في التنوع الحيوي عماد الأطرش، يبدو واضحا على موعد تفتح الأزهار، التي تتفتح في منطقة الغور قبل المناطق الأخرى بشهر.
تبقى زهور فلسطين متفتحة طوال العام، فبحسب الكتاب تزهر 9% منها خلال شهر كانون الثاتي، بينما تزهر 21% خلال شباط.
لكن ماذا عن الأزهار الأخرى الأكثر جمالا وفتنة في أرض فلسطين التاريخية؟
تقترن أسماء بعضها بأسماء الدول، فمنها "بلح الصحراء المصري" ( الزقوم)، ومنها "الحلولو المصري" وهي زهرة تنبت إلى جانب الحمحم وتجذب الحشرات بشسكل كبير، ذلك أنها تنتج رحيقا حلوا عسلي المذاق. وكانت هذه الأزهار تجذب فيما مضى الأطفال الذين أحبوا ارتشاف رحيقها اللذيذ.
وثمة صنف غريب بين كل هذه الأصناف، هو "الهالوك"، وهو نبتة لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي (الفوتو سنتيزا). انه نبته متطفلة، زهرة تخرج من الأرض لا أوراق لها، تحمل خمسة ملايين بذرة وترميها لتبقى في التربة لمدة 20 عاما، كما قال الأطرش.
في جبال وسهول شمال الضفة الغربية لم يكن بالإمكان مشاهدة هذه الزهرة في مثل هذا الوقت المبكر من السنة. لكن، أمكننا مشاهدة نبتة جاءت من الأرجنتين قبل ثلاثة آلاف عام، كما تقول الروايات، إنها نبتة الخطمية (عين البقرة)، التي قد ترتفع إلى ثلاثة أمتار، والتي تتميز بألوانها المتعددة.
بالإضافة لكل هذه الأزهار، تنبت في هذه الأيام زهرة أخرى هي زهرة "العفريت" التي تتبع العائلة الزنبقية وتحتل كل موقع جبلي تقريبا. تنضم إليها في سهول رابا أوراق نبته "تفاح المجن" التي يعود ذكرها إلى العهود التاريخية القديمة، ولها ارتباطات بتاريخ الديانات في المنطقة، لكنها لا تزهر إلا في آذار. وعلى عكس الفكرة التي كانت سائدة حول أن هذه النبتة تسبب الجنون لمن يأكل ثمرها، تبدو أوراقها رقيقة وجميلة.
أما على السفوح الشرقية لجبال شمال الضفة الغربية فتظهر أعداد كبيرة من الزهور التي تفتحت، ويظهر جزء منها وقد فقد أوراق أزهاره بسبب النمو المبكر واعتدال درجات الحرارة.
يورد الكتاب الجديد العديد من الأمثلة حول أزهار فلسطين، إلا انه يبتعد عن ذكر ارتباطاتها بالثقافة السائدة. غير أن أكثر تلك النباتات شهرة وارتباطا بأذهان الفلسطينيين، هي "تفاح البحر الميت" وهو شجيرة تنمو في منطقة برية القدس، لها صفات سامة ويمكنها أن تسبب العمى .ترتفع شجيرة تفاح البحر الميت عن سطح الأرض إلى نحو مترين اثنين.
في الضفة الغربية، عندما تبدأ الخضرة بالتلاشي تدريجيا مع انخفاض ارتفاع الأرض عن سطح البحر والانتقال من نظام مناخي إلى آخر، تظهر الزهور أكثر صلابة وقوة من غيرها الجبلية.
في جبال رابا المفعمة بالألوان الكثيرة، أمكننا مشاهدة بعض الأزهار وقد سقطت أوراقها مخلفة رؤوس مدببة مكسوة بوبر نباتي هش، لكن قرب أريحا يمكن تفحص أزهار من صنف البصيلات، أزهارها قاسية وألوانها فاتحة.
الأزهار في فلسطين فاتنة. لكنها أيضا ليست بعيدة عن السياسية إطلاقا مثلها مثل معظم مكونات الحياة الفلسطينية، لذلك فان الأطرش يقول إن الإسرائيليين حاولوا مرارا تسجيل بعض الأزهار الفلسطينية باسم إسرائيلي مثلما فعلوا بزهرة شقائق النعمان.
فجولة في الأراضي الفلسطينية ذات المساحة الجغرافية الضئيلة في أول ثلاثة شهور من السنة تكشف عن طبيعة، يفوق تميز التنوع الحيوي فيها أكثر قارات العالم تنوعا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]