السؤال:
هل يؤدي الإخلال بشرط ردّ المظالم إلى أهلها – مع القدرة على ذلك – إلى عدم قبول التوبة مطلقًا، حتى فيما بين العبد وربه؟ أم أن حق الله تعالى يسقط بتحقق شروط التوبة المعروفة، بينما يبقى حق المظلوم قائمًا؟
وإذا قيل بعدم قبول التوبة كليًا، فكيف يُفهم كلام ابن القيم رحمه الله في مسألة توبة القاتل عمدًا، حيث لم يشترط لسقوط حق الله أن يسلّم القاتل نفسه للقصاص أو يطلب العفو من أولياء المقتول، بل قرر سقوط حق الله بالتوبة، وبيّن أن حق أولياء الدم يسقط إما بالقصاص أو بالعفو؟
فهل يُعد ردّ المظالم شرطًا لكمال التوبة أم لصحتها؟ مع بيان موضع التعارض – إن وجد.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
التوبة من المعصية واجبة على الفور، كما أن ردّ الحقوق إلى أصحابها واجب كذلك دون تأخير. وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن ردّ المظالم شرط لصحة التوبة، لا لمجرد كمالها، وقد سبق بيان ذلك مفصلًا في مواضع أخرى.
أما ما يتعلق بكلام الإمام ابن القيم رحمه الله، فهو وارد في مسألة مخصوصة، وهي توبة القاتل عمدًا. وجمهور العلماء يرون أن توبته مقبولة إذا استوفت شروطها. فإذا سلّم القاتل نفسه طوعًا لأولياء المقتول نادمًا وتائبًا، فإن حق الله تعالى يسقط بالتوبة، ويبقى حق أولياء الدم، وهم مخيّرون بين القصاص أو العفو أو الصلح. أما حق المقتول نفسه، فإن الله سبحانه وتعالى يتكفّل بتعويضه يوم القيامة.
وقد جاء في كتاب الإنصاف للمرداوي أن توبة القاتل مقبولة على الصحيح من مذهب الحنابلة، وهو قول عامة الأصحاب، مع وجود رواية أخرى بعدم قبول توبته. وعلى القول بقبول التوبة، اختلفوا: هل يطالب المقتول القاتل بحقّه في الآخرة إذا أُقيم عليه القصاص أو عُفي عنه؟ وفي ذلك قولان.
وأوضح ابن القيم رحمه الله هذه المسألة بقوله إن جريمة القتل تتعلق بثلاثة حقوق:
حق الله تعالى
حق المقتول
حق وليّ الدم
فإذا تاب القاتل توبة صادقة، وسلّم نفسه مختارًا لأولياء الدم، سقط حق الله بالتوبة، وسقط حق الأولياء بالقصاص أو العفو أو الصلح، ويبقى حق المقتول، ويتولى الله تعالى تعويضه يوم القيامة، وبذلك لا يضيع حق المظلوم، ولا تُبطل توبة التائب.
وذكر بعض أهل العلم أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل في الدنيا، أرضى خصمه في الآخرة، جمعًا بين العدل والفضل.
والله أعلم.
[email protected]
أضف تعليق