أثار خبر وفاة الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني موجة من الحزن العميق في أوساط الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، الذين رأوا فيه أكثر من موسيقي استثنائي. زياد، الذي ارتبطت موسيقاه وكلماته بتاريخ من المقاومة والسخرية والهوية، كان حاضراً دائمًا في وجدان الفلسطينيين، وخصوصًا من نشطوا في الثقافة والفكر والعمل الوطني.
صوت الوعي والتمرد
الناشطة هديل جلاجل ودّعت زياد بكلمات محمّلة بالامتنان: "اليوم زاد حزننا حزنا، لن ننسى يومًا يا زياد كل اللحظات والفترات اللي رافقتنا فيها بمقاطع وأغانٍ كانت تحاكي واقعنا بطريقة خاصة، حقيقية بسيطة لا تصنّع وابتذالٍ فيها. شكرًا زياد، الف رحمة ونور يا فنان ويا إنسان لن يتكرر!"
أما الفنان والناشط أشرف قرطام، فقد أشار إلى البُعد الثوري في مسيرة زياد الرحباني، وكتب: "وداعًا زياد الرحباني، رحل اليوم الصوت المختلف، العقل الذي علّمنا كيف تكون الموسيقى ثورة، والكلمة موقف، والسخرية سلاحًا للحقيقة. نحن جيلٌ رَبِيَ على زياد الموسيقي، زياد السياسي، وزياد الناقد الاجتماعي... غيابك ليس صدفة... كل ما توقّعته، كل ما حذّرتنا منه، نراه اليوم واقعًا... نخسر أكثر من موسيقار، نخسر جزءًا من وعينا، نخسر مدرسة كاملة في الفن والفكر."
الخيال والخيبة والحنين
المحامية شدى عامر استعادت عالمًا مشتركًا بنته خيالاتها مع صوت زياد: "مع زياد بنينا بمخيّلتنا عالم يشبهنا، مع زياد غنينا مع بعض ايام وسنين عن الحب، عن الظلم، عن العدل، عن الخيبة، تحت ألفيّ، مع عيّاش، مع رشيد وشكيب، وفتنا بفيلم أمريكي طويل ما عاد نطلع منه... مع زياد نودّع العالم الذي اعتقدنا انه قد يشبهنا! وداعًا رفيق."
أما الناشطة نجلاء عثامنة، فكتبت: "زياد صوت ولحن وفكر عظيم، وروح تمردت على القُبح. أحب بلاد أنهكتها الحروب والطائفية، 'بلا ولاشي'. العزاء لفيروز ولنا جميعا."
مشهد الوداع الأخير
الأكاديمي بروفسور أشرف بريك عبّر عن صدمته من الفقد بكلمات عفوية ومؤثرة: "والله مبريح آخر شي سمعته قبل ما انام صوتك... معقول يا زياد هيك بتتركنا وبتفل؟ 'بدنا نجرب ما نعصب اليوم'."
الصحافي زياد حلبي قدّم رثاءً شعريًا حزينًا، تماهى فيه صوت زياد مع ذاكرة بيروت وجرح الناس: "برحيل زياد الرحباني، يسقط وترٌ من عود بيروت، ويسكت عقلٌ كان يُلحّن الغضب، ويحوّل وجع الناس إلى موسيقى ساخرة لا تموت… مات الصوت الذي كان يشبهنا حين لا يشبهنا أحد. 'صارت الدنيي أضيق من زريعة بيت'، وغابت الضحكة اللي كانت 'تقطع فينا متل السكاكين'، مات اللي 'كان عايش فينا أكتر من حالو'، اللي 'مش كاين إلنا، بس نحنا كنا إلو'. سكت البيانو، و'سكّروا الشبابيك'، بس صوتك يا زياد… بعدو عم يركض 'منك لهونيك'...!"
أما الصحافي محمد خطيب فكتب باقتضاب يختزل شعورًا جامعًا:"كبيرة المزحة هاي."
فقد في زمن الفقد
د. منال شلبي ربطت رحيل زياد بالسياق الفلسطيني الراهن، وكتبت: "كأنه لم يكن ينقصنا سوى حزنٌ اخر وفقدٌ اخر وألمٌ اخر. أبّى هذا الجسد المُثقل بالأحزان والهموم الشخصية والوطنية الا أن يمضي في خضّم كارثة الشعب الفلسطيني والمعركة على وجوده، يا من ناصرتَ قضيتها دون خوف أو خنوع او تأتأة. شكراً زياد الرحباني على كل ما قدمته من ابداعٍ تجاوز بعمقِه وشجاعته حدود الفن وأكثر بكثير."
زياد لم يكن مجرد فنان مرّ في زمننا، بل مرآة صادقة لانكساراتنا، وصرخة عالية في وجه ابتذال القبح. فلسطينيو الداخل الذين حفظوا أغانيه، ورقصوا على مفارق سطوره، ودّعوه اليوم كما يُودَّع صديق قديم… لا يموت.
[email protected]
أضف تعليق