بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة العنصرية (21 مارس)، ينشر مركز مناهضة العنصرية، الذي أسسه المركز الإصلاحي للدين والدولة، تقريره السنوي الذي يرصد التوجهات المتعلقة بالتمييز والعنف العنصري خلال السنوات السبع الأخيرة، ويكشف عن تصاعد ملحوظ في عدد التوجهات الواردة إلى المركز خلال عام 2024. الأرقام التي يتضمنها التقرير تشير إلى استمرار المنحنى التصاعدي الذي بدأ في السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد التوجهات في هذا العام 433 توجهًا، مقارنة بـ 378 توجهًا في عام 2023. هذا الارتفاع لا يعكس فقط زيادة في عدد الحالات الموثقة، بل يشير إلى ديناميكيات مزدوجة: من جهة، تصاعد في حجم الممارسات التمييزية في مختلف المجالات، ومن جهة أخرى، ازدياد ملحوظ في وعي الأفراد بحقوقهم واستعدادهم لاتخاذ إجراءات قانونية.
بين الكورونا والحرب
خلال الفترة الممتدة من 2017 وحتى 2024، شهدت التوجهات إلى المركز تباينات مرتبطة بالسياق الأمني، السياسي والاجتماعي. في سنوات جائحة كورونا، على سبيل المثال، انخفض عدد التوجهات بصورة ملحوظة، إلا أن الأعوام التالية، وخاصة مع اندلاع الحرب في 2022 واستمرار تداعياتها في 2023، شهدت عودة الارتفاع في أعداد الشكاوى، ما يعكس الأثر المباشر للأزمات السياسية والأمنية على الممارسات العنصرية، سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات.
المعطيات التي يعرضها التقرير تكشف عن طابع معقد ومتعدد المستويات للتمييز الممارس، حيث تتراوح الشكاوى بين اعتداءات جسدية ولفظية، تمييز في أماكن العمل، رفض تقديم خدمات لمواطنين عرب، وممارسات تنطوي على تصنيف عرقي (بروفايلينغ) تمارسه جهات رسمية أو خاصة. إلى جانب التوجهات المباشرة التي يتلقاها المركز، يكشف التقرير أيضًا عن حالات تمييز يكتشفها المركز بشكل استباقي دون تقديم شكاوى رسمية، عبر المتابعة والتقصي الميداني، ضمن ما يُعرف بـ"التوجهات المباشرة للمركز".
الخلفية القومية للمتوجهين
التركيبة الديموغرافية للمتوجهين إلى المركز توفر مؤشرًا إضافيًا على استمرارية التمييز المنهجي ضد فئات معينة من المجتمع. تشير البيانات إلى أن 69% من مقدمي الشكاوى هم من المواطنين العرب، بينما بلغت نسبة الشكاوى المقدمة من يهود 10%، وسجلت 1.3% من التوجهات من قبل أفراد من مجتمع العبرانيين، فيما لم يتم توثيق الخلفية القومية في 19.7% من الحالات. أما من حيث الوضع القانوني، فإن الغالبية العظمى من المتوجهين يحملون الجنسية الإسرائيلية بنسبة بلغت 38.2%، في حين شكّل سكان القدس الشرقية 22.8%، وسجلت نسبة 0.8% فقط من بين المتوجهين من طالبي اللجوء، بينما بقيت 38.2% من الحالات دون توثيق لوضعهم القانوني.
إنجازات ونشاطات تشريعية
التقرير لا يقتصر فقط على الإنجازات التي حققها المركز خلال العام الماضي، بل يستعرض أيضًا سلسلة من النجاحات القانونية التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة. من بين هذه القضايا، برزت قضية مواطنة من كفر قاسم رفض أحد الكراجات تقديم خدمة لها بسبب مكان سكنها، حيث صدر حكم لصالحها ألزم الشركة بدفع تعويض بقيمة 10,000 شيكل وإجراء تعديلات على سياساتها التشغيلية. قضية أخرى تمثلت في رفض شركة تأجير سيارات تقديم خدمة لامرأة عربية بحجة أن الشركة لا تؤجر سيارات إلا لليهود، ما أدى إلى صدور قرار يلزمها بدفع تعويض مالي قدره 20,000 شيكل، إضافة إلى تعهدها بتعديل سياساتها. كما برزت قضية متعلقة بالخدمات العامة، حيث تم رفع دعوى ضد خدمة "جيت تاكسي مهدرين"، التي تبين أنها ميزت بين السائقين العرب واليهود تحت غطاء اعتبارات دينية، ما أدى إلى إلغاء الخدمة وتعويض السائقين العرب المتضررين.
إلى جانب القضايا القانونية، يسجل التقرير مشاركة المركز الفعالة في جهود تشريعية تهدف إلى تغيير سياسات عنصرية والتصدي لمشاريع قوانين تمييزية. فقد عمل المركز خلال العام الأخير ضمن لجان في الكنيست، مقدمًا مداخلات مهنية تهدف إلى تعديل أو إيقاف تشريعات من شأنها تكريس التمييز المؤسسي، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات لإصلاحات قانونية تضمن حماية أوسع للفئات المستهدفة.
كما نجح المركز في مواجهة التحريض العنصري عبر تقديم شكاوى رسمية ضد شخصيات عامة ومؤسسات إعلامية تورطت في نشر خطاب كراهية. على سبيل المثال، أدى تقديم شكاوى ضد أحد المذيعين في "راديو القدس" بسبب تصريحاته العنصرية إلى إنهاء عمله وإيقاف برنامجه نهائيًا. كما ألزم حكم قضائي طبيبة في إحدى صناديق المرضى بدفع تعويض مالي بقيمة 18,000 شيكل بعد استخدامها ألفاظًا عنصرية ضد مريض من أصول أفريقية، إضافة إلى التزام المؤسسة التي تعمل بها بتبني سياسات أكثر صرامة لضمان تقديم خدمات متساوية لجميع المرضى.
عدم الصمت
في ظل هذه المعطيات، يؤكد مركز مناهضة العنصرية أنّ هذا الارتفاع في عدد التوجهات لا يعكس فقط تصاعد الممارسات العنصرية، وإنما يعبر أيضًا عن تزايد وعي الأفراد بحقوقهم، واستعدادهم لاستخدام الأدوات القانونية والإعلامية لمواجهة التمييز. كما يشير التقرير إلى الحاجة إلى مزيد من العمل المؤسسي والتشريعي لمواجهة مظاهر العنصرية، وتطوير آليات تضمن حماية قانونية أكثر فعالية للمتضررين.
بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنصرية، يجدد المركز دعوته إلى جميع الفئات المتضررة من الممارسات التمييزية بالتوجه إلى الجهات القانونية والإعلامية وعدم السكوت عن الانتهاكات، مشددًا على أنّ مواجهة العنصرية ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي معركة جماعية تتطلب تكاتف الجهود من المؤسسات الحقوقية، المجتمع المدني، والجهات الرسمية.
[email protected]
أضف تعليق