في ظل الأوضاع المتوترة التي تعيشها إسرائيل، يبدو أن تأثير الحرب الأخيرة تجاوز الجانب الأمني ليصل إلى سوق العمل، حيث أصبح تشغيل العرب في قطاع التكنولوجيا أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. شادي حداد، المدير العام لمؤسسة "كو إمباكت"، يرى أن هناك أزمة حقيقية تهدد مستقبل الشباب العربي في هذا القطاع، ليس فقط بسبب التوترات السياسية، ولكن أيضًا بسبب عقبات متجذرة في المجتمع الإسرائيلي.
فقط 2.4% من العرب في الهايتك!
ويقول حداد في السياق: أصحاب العمل الإسرائيليون باتوا أكثر ترددًا في توظيف العرب، مدفوعين بالشكوك التي تعززها الأجواء الأمنية والسياسية. هذا الوضع يضر الجميع، لكنه ينعكس بشكل خاص على الشباب العربي الطموح الذي يسعى للاندماج في التكنولوجيا المتقدمة، ويواجه جدارًا من العوائق التي تحرمه من تحقيق ذلك. ليس الأمر مجرد شعور بالتمييز، بل أرقام واضحة تثبت أن نسبة تشغيل العرب في هذا القطاع لا تزال منخفضة بشكل مقلق. على الرغم من أن 18% من طلاب علوم الحاسوب في الجامعات الإسرائيلية هم من المجتمع العربي، إلا أن 2.4% فقط منهم ينجحون في العثور على وظائف في المجال. هذه الفجوة تعكس مشكلة منهجية تتجاوز مجرد الحديث عن الكفاءة والمهارات.
ويضيف: من العوامل التي تعيق اندماج العرب في سوق التكنولوجيا هي الصورة النمطية التي يحملها بعض أصحاب العمل، والتي ترى في العربي عنصرًا غير مألوف في بيئة العمل الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، يعاني الكثير من الخريجين العرب من غياب العلاقات المهنية، وهو عنصر حاسم في هذا القطاع، حيث يتم التوظيف غالبًا عبر شبكات اجتماعية مغلقة على خريجي الوحدات التكنولوجية في الجيش. وحتى عندما يمتلك المرشح العربي المهارات المطلوبة، فإنه يواجه تحديات لوجستية، مثل محدودية وسائل النقل التي تربط البلدات العربية بالمراكز التكنولوجية الكبرى في تل أبيب وهرتسليا. كل هذه العوامل، إضافة إلى الفجوات في إجادة اللغة العبرية المهنية، تجعل الطريق إلى الاندماج أكثر تعقيدًا.
الحرب وتأثيرها
ويؤكد حداد: الحرب لم تكن سوى عامل إضافي ساهم في تعميق هذه الفجوة. حداد يشير إلى أن هناك خطابًا متصاعدًا في المجتمع الإسرائيلي، تغذيه التصريحات السياسية، يدفع نحو استبعاد العرب بشكل أكبر. الشركات الإسرائيلية، التي تتأثر بالمناخ السياسي، باتت أكثر تحفظًا في تشغيل العرب، مما يفاقم الوضع. هذا الواقع يضع الشباب العربي في موقف صعب، حيث يجد الكثيرون أنفسهم بلا فرص عمل رغم امتلاكهم للمهارات اللازمة، وهو ما قد يدفع بعضهم إلى مسارات بديلة، منها الهجرة أو حتى الوقوع في براثن البطالة المزمنة.
الحل؟!
لكن ما الحل؟ حداد يؤكد أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع. يجب على الحكومة أن تفرض سياسات تشغيل عادلة تضمن للعرب فرصة متكافئة في القطاع، تمامًا كما هو الحال في المؤسسات العامة، حيث تفرض القوانين تشغيل نسبة معينة من العرب. في الوقت نفسه، على الشركات أن تدرك أن تشغيل العرب ليس مجرد "تنازل"، بل هو استثمار استراتيجي يعزز الابتكار ويفتح أسواقًا جديدة، خصوصًا في العالم العربي.
مبادرات جيدة، لكن غير كافية
ويقول حداد: رغم كل الصعوبات، لا يزال هناك أمل. بعض الشركات الكبرى، مثل "أمدوكس"، "مايكروسوفت" و"HP"، بدأت تدرك قيمة تشغيل العرب وتعمل بالتعاون مع "كو إمباكت" على تنظيم معارض عمل وفعاليات تهدف إلى سد الفجوة بين الخريجين العرب وأصحاب العمل.
حداد يرى أن هذه المبادرات هي البداية، لكنها لا تكفي وحدها. التغيير الحقيقي يحتاج إلى إرادة سياسية، وإلى وعي مجتمعي بأن دمج العرب في قطاع التكنولوجيا ليس مجرد قضية حقوقية، بل ضرورة اقتصادية تصب في مصلحة إسرائيل ككل.
ويختتم: إذا استمر الوضع الحالي، فإننا نخاطر بخسارة جيل كامل من المبرمجين والمهندسين العرب الذين كان يمكن أن يكونوا جزءًا من مستقبل التكنولوجيا في إسرائيل. لكن إذا تغيرت العقليات وفتحت الأبواب أمامهم، فإن الفوائد ستكون للجميع. السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس ما إذا كان تشغيل العرب ضروريًا، بل لماذا تأخرت إسرائيل في تحقيق ذلك حتى الآن.
[email protected]
أضف تعليق