هل يمكن أن تستبدل النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي مستقبلاً الفحوصات الجراحية مثل بزل السلى (سحب عينة من السائل الأمنيوسي) في تحديد الطفرات الجينية لدى الجنين؟ يبدو أن هذا هو الأمل الذي يعوّل عليه فريق بحثي من جامعة تل أبيب، بعد تطويرهم تقنية جديدة تجمع بين فحص دم بسيط للأم ونموذج ذكاء اصطناعي للكشف عن الأمراض الجينية لدى الجنين.
حتى الآن، تم اختبار التقنية على عدد من النساء الحوامل اللواتي تلقين العلاج في مستشفى بيلينسون، وأظهرت النتائج أن التقنية دقيقة للغاية في تشخيص الطفرات الجينية.
كيف يعمل النموذج الجديد؟
يقود البحث كل من البروفيسور نوعام شومرون، والدكتور توم رابينوفيتش، ويونتان شوومنتال من كلية العلوم الطبية والصحية بجامعة تل أبيب، بالتعاون مع البروفيسورة لينا باسل-شلومون والدكتورة راؤوت تومشوف-ماتر من مستشفى بيلينسون. ونُشرت نتائج البحث في مجلة Briefings in Bioinformatics التابعة لجامعة أوكسفورد.
حتى الآن، تُستخدم فحوصات بزل السلى كإجراء أساسي لتشخيص التشوهات الجينية لدى الجنين، حيث يتم سحب عينة من السائل الأمنيوسي لتحليلها. ورغم أن هذه الطريقة دقيقة للغاية، إلا أنها تنطوي على مخاطر الإجهاض بنسبة 0.5% (حالة لكل 200 امرأة تخضع للفحص)، كما أنها تتم فقط بين الأسبوعين 15 و20 من الحمل.
في المقابل، تسمح التقنية الجديدة بإجراء التشخيص بين الأسبوعين 10 و12 من الحمل، مما يعني إمكانية الكشف المبكر عن الأمراض الجينية بطريقة أسرع وأكثر أمانًا.
اختراق علمي جديد باستخدام الذكاء الاصطناعي
في عام 2019، طور الباحثون طريقة ثورية للتشخيص قبل الولادة عبر تحليل دم الأم بدلًا من الإجراءات الجراحية التقليدية، لكن هذه الطريقة كانت تعتمد على نموذج إحصائي تقليدي يتطلب إدخال بيانات يدوية لمقارنة الفروقات بين DNA الأم والجنين.
أما اليوم، ومع التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي، طور الباحثون نموذجًا جديدًا يعتمد على الرؤية الحاسوبية لمعالجة المعلومات الجينية بدقة أعلى. ويؤكد البروفيسور شومرون أن النموذج يدرس الحمض النووي DNA للأم والجنين عبر مليارات الحروف الجينية، وهو أمر يستحيل على البشر القيام به يدويًا.
ولتحسين دقة التشخيص، تم تدريب النموذج على بيانات وراثية لمئات العائلات، حيث تم إدخال عينات من DNA الأب والأم والحمض النووي الجنيني المستخلص من دم الأم، ما جعله أكثر قدرة على التعرف على الطفرات الجينية بشكل أدق وأسرع.
نتائج مشجعة وتمهيد لعصر جديد في الطب الوراثي
أثبت النموذج الجديد تفوقه على الأساليب التقليدية، حيث تمكن من اكتشاف الطفرات الجينية بدقة أعلى وفي مراحل مبكرة من الحمل. كما أنه يتميز بقدرته على التكيف مع تقنيات تحليل الجينات المختلفة دون الحاجة إلى تعديلات معقدة، مما يجعله أكثر كفاءة وأقل تكلفة من الطرق الحالية.
يأمل الباحثون أن تصبح هذه التقنية في المستقبل جزءًا من الفحوصات الروتينية للحمل، مما قد يقلل من الحاجة للفحوصات الجراحية ويحسن فرص الكشف المبكر عن الأمراض الجينية.
متى ستُتاح هذه التقنية بشكل واسع؟
رغم أن التقنية لا تزال في مراحلها البحثية، يتوقع العلماء أنها ستحدث ثورة في الطب الوراثي خلال السنوات القليلة القادمة. ويختم البروفيسور شومرون حديثه قائلًا:
"نأمل أن يتم تطوير اختبار سريري يمكن لكل امرأة حامل الوصول إليه، مما سيساعد في تجنب الفحوصات الجراحية الخطرة ويقلل من ولادة أطفال مصابين بأمراض جينية خطيرة".
[email protected]
أضف تعليق