قبيل رأس السنة العبرية وأعياد تيشري، تنشر جمعية 'عير عميم' تقريراً جديداً يقدم صورة محدثة عن الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف قبيل الأعياد اليهودية. تعتمد هذه المعلومات على بيانات جمعتها "عير عميم" في عام 2024، وتعرض سلسلة من الأحداث والخطوات التي تقف وراءها حكومة إسرائيل، والتي تخرق، بصورة ممنهجة، الوضع القائم.
المعلومات التي تم جمعتها الجمعية تقود إلى استنتاج مفاده أن عام 2024 هو عام قياسي من حيث حجم وخطورة انتهاكات إسرائيل للوضع القائم في الحرم القدسي الشريف. وتشير الجمعية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تختبئ وراء السياسة التي يقودها الوزير بن غفير من خلال الشرطة، وأنها، بخلاف التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء، تعمل على شرعنة خرق الوضع القائم. ففي كل عام، تستغل الحركات التي تسعى لإقامة الهيكل فترة الأعياد إلى القيام باستفزازات وزعزعة الوضع القائم. وفي هذه المرة، وبتشجيع ودعم من الحكومة لخرق الوضع القائم، ستزداد ضغوطها على الأرض بالتأكيد خلال فترة الأعياد. فإذا ما استمرت الحكومة في دعمها ولم تعد إلى فرض احترام الوضع القائم، فقد يحدث تصعيد خطير.
تقييدات ضد المسلمين
مع انتهاء شهر رمضان (نيسان / أبريل 2024)، فرضت إسرائيل قيوداً صارمة على دخول المسلمين إلى الحرم الشريف، وبذلك عادت إلى القيود التي فرضتها بشكل غير مسبوق بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر. وفقاً لهذه القيود، يواجه الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً صعوبة في الدخول إلى الحرم، وغالباً ما تمنعهم الشرطة من الدخول، بما في ذلك خلال أوقات الصلاة للمسلمين. تكون القيود الأكثر صرامة خلال ساعات زيارة اليهود للحرم الشريف، مما يعني أنه كجزء من صلاة اليهود في الحرم الشريف، يُمنع دخول المسلمين، وهو ما يشبه تقسيم أوقات الدخول بين اليهود والمسلمين. وهذا يعدّ انتهاكاً صارخاً للوضع القائم.
زيارات اليهود
وفقاً لتقارير حركات الهيكل، طرأ ارتفاع بنسبة 10 إلى 20 بالمائة على عدد اليهود الذين يزورون الحرم الشريف، بحيث أنه منذ بداية العام العبري، زار أكثر من 50,000 يهودي الحرم الشريف، وهو عدد يفوق الرقم القياسي السنوي البالغ 50,000.
تؤكد جمعية "عير عميم" أن الأرقام التي تقدمها حركات الهيكل تتعلق بالزيارات وليس بالزوار، حيث إن هناك أشخاصاً يزورون الحرم الشريف عدة مرات خلال العام. هذا يعني أنه رغم زيادة عدد الزيارات مقارنة بالعام الماضي، فإن عدد اليهود الذين زاروا الحرم الشريف فعلياً هو أقل من 50,000. وتوضح الجمعية أن نسبة اليهود الذين يشاركون في الزيارات إلى الحرم الشريف تُعتبر هامشية ضمن الجمهور اليهودي: حيث يكاد لا يوجد علمانيون، ولا يهود من التيار الحريدي، وحتى قلة من التيار الديني القومي. بذلك، تسعى الجمعية إلى دحض محاولات حكومة إسرائيل تبرير هذه الخطوات بحجة أن هناك "ضغطاً شعبياً من الأسفل"
وفقاً لجمعية "عير عميم"، لا ينبغي التساوق مع ادعاءات الحكومة بأن الأمر يتعلق بـ"ضغط شعبي من الأسفل". فالحرم الشريف لا يزال مكاناً لا يرغب غالبية الجمهور اليهودي في الصلاة فيه؛ إذ إن تآكل الوضع القائم هو بالكامل من صنع الحكومة لخدمة مجموعة متطرفة تشكل جزءاً صغيراً حتى بين صفوف التيار الديني الصهيوني. ويبرز إعلان وزارة التراث في العام الماضي عن نيتها تمويل زيارات اليهود إلى الحرم الشريف حقيقة أن عدداً قليلاً من اليهود يزورون الحرم، حيث تحتاج حركات الهيكل، التي تقف وراء جولات اليهود في الحرم، إلى أموال حكومية لتمويل نشاطاتها. بهذا، يمثل الميزانية الجديدة خطوة استباقية من الحكومة لخلق تحدٍ جديد ضد الوضع القائم، مع توجيه الرأي العام الإسرائيلي لخدمة هذا الهدف.
صلوات اليهود في الحرم القدسي
وفقاً للتقرير، فإن الحكومة الإسرائيلية تقوم منذ عدة سنوات بتوجيه الشرطة للسماح لليهود بالصلاة في الحرم الشريف. لقد كانت الصلوات اليهودية، حتى الآن، تُقام بهدوء وفي أماكن جانبية من الحرم. ولكن منذ التاسع من آب هذا العام، تم تجاوز هذه الحدود بالكامل. حيث تُقام الآن صلوات علنية بصوت عالٍ وفي أماكن مركزية في الحرم الشريف. وهذا يعدّ انتهاكاً صارخاً وجسيماً للوضع القائم. إن نتنياهو، حينما ينشر بياناً يدعي فيه أن الوضع القائم محفوظ، فإن الواقع على الأرض مختلف تماماً.
بضعة مقاطع فيديو على سبيل المثال: https://www.youtube.com/shorts/IdzJF9q75bE
https://www.youtube.com/shorts/QfISigxVdqg
https://www.youtube.com/shorts/UoKJhTD6ldg
نشاطات الحكومة
تفيد تصريحات متكررة صادرة عن بن غفير وأعضاء حزبه بأن اليهود مسموح لهم بالصلاة في الحرم الشريف - ففي 24 تموز / يوليو، أعلن بن غفير من على منصة الكنيست: "أنا المستوى السياسي، يسمح بصلاة اليهود في الحرم الشريف". وفي 13 آب / أغسطس، صرح قائلاً: "سياستنا هي السماح بالصلاة". تؤثر تصريحات الوزير المسؤول عن الشرطة بشكل مضاعف بالطبع. فهي لا توجه فقط ضباط الشرطة حول كيفية التصرف إذا أرادوا الحصول على ترقية، بل تشجع أيضًا نشطاء الحركات على القدوم وانتهاك الوضع القائم. يظهر ذلك بوضوح في الحرم، حيث تتوسع الصلوات الجماعية وبصوت عالٍ في أماكن مركزية في الحرم أسبوعاً بعد أسبوع، حيث يسمح ضباط الشرطة بذلك. في الوقت ذاته، تزداد حالات منع دخول المسلمين إلى الحرم من قبل الشرطة بشكل ملحوظ.
القرار القاضي بتخصيص ميزانية حكومية لتمويل زيارات اليهود للحرم الشريف – ففي 26 آب / أغسطس، أُعلن أن وزير التراث عميحاي إلياهو (من حزب "عوتسما يهوديت") أصدر توجيهاته القاضية بتخصيص ميزانية قدرها مليوني شيكل لدعم زيارات اليهود إلى الحرم الشريف. ووفقاً للتقارير، تم اتخاذ هذا القرار بموافقة ديوان رئيس الوزراء دون أن يُسمح لمجلس الأمن القومي بالتعليق عليه. تُعتبر زيادة عدد الزوار اليهود للحرم جزءاً أساسياً من استراتيجية حركات الهيكل لإلغاء الوضع القائم تماماً في الحرم الشريف. ورغم أن عدد الزوار اليهود قد زاد مقارنةً بالماضي، إلا أن عدد هؤلاء لا يزال ضئيلاً ضمن المجتمع اليهودي، حيث يزور حوالي 40,000 يهودي الحرم سنوياً، ومعظمهم من التيار الديني الصهيوني، في حين يواصل الجمهور العلماني والحريدي تجنب زيارة المكان. في السنوات الأخيرة، تمارس حركات الهيكل ضغوطاً لجعل زيارة الحرم الشريف إلزامية لطلاب المدارس. وقد يكون تخصيص هذه الميزانية خطوة أولى في هذا الاتجاه.
الإجراءات الإدارية التي تعمل الشرطة بموجبها في الحرم الشريف: قوننة خرق الوضع القائم
في شهر أيلول / سبتمبر، توجهت جمعية "عير عميم" إلى شرطة إسرائيل بطلب للاطلاع على الإجراءات الإدارية المتعلقة بالدخول إلى الحرم الشريف. وفي 22 آب / أغسطس، تلقت الجمعية رد الشرطة، الذي جاء فيه أن "الشرطة تعمل في الحرم الشريف وفقاً لسياسة المستويات السياسية، ووفقاً لتوجيهات القيادة، وأن هذه المسألة تُحدث في سياق حوار يومي بين القادة، وفقاً للسياسة المذكورة."
وقد أُرفقت برد الشرطة صيغة إجراء بعنوان "تقييد الوصول إلى الحرم الشريف"، كما ورد أيضاً أنه "بخلاف ذلك، لا توجد إجراءات مكتوبة تنظم قواعد الزيارة في الحرم الشريف (التي، كما ذُكر، تستند إلى سياسة المعمول بها لدى دوائر صنع القرار السياسي)".
يعود تاريخ الإجراء المرفق المذكور إلى عام 2014. وتتناقض المادة 1(ب) الواردة فيه بشكل صارخ مع الوضع القائم والتصريحات المتكررة الصادرة عن رئيس الوزراء نتنياهو: "حرية العبادة، وحرية التعبير، وحرية التنقل تستدعي إتاحة فرصة زيارة الحرم الشريف والصلاة فيه لأتباع جميع الأديان، بقدر الإمكان."
بمعنى آخر، فإن الإجراء المعمول به والذي تستند إليه الحكومة، لا يحتوي على أي تمييز واضح يستند إلى الوضع القائم بين دخول المصلين المسلمين وبين حقوق زيارة اليهود من دون أداء صلاة.
هذا يعني أن الإجراء المعمول به يخرق إعلانات الوضع القائم. كما يترك هذا الإجراء صلاحيات أوسع مما يجب في يد الشرطة التي تعمل اليوم تحت صلاحيات الوزير بن غفير. إن سياسات بن غفير التي تسعى إلى كسر التوازن الهش المتمثل في الوضع القائم في الحرم الشريف، قد باتت واضحة على الأرض، في تغير سلوك الشرطة فيما يتعلق بالمكان.
توصيات "عير عميم" من أجل الحفاظ على الوضع القائم.
1. على الحكومة أن تصدر تعليمات لصياغة إجراء جديد يحدد صلاحيات الشرطة في الحرم الشريف، بما يلزمها بضمان الحفاظ على الوضع القائم.
2. يجب على إسرائيل أن تسمح بدخول المسلمين إلى الحرم بحرية ودون قيود. وإذا واجهت الشرطة صعوبة في إدارة الوضع عندما يكون المسلمون واليهود موجودين في الوقت نفسه في الحرم، فلا يمكنها استخدام ذلك كذريعة لإبعاد المسلمين عن الحرم. يجب أن تكون الأولوية لدخول المصلين المسلمين على دخول الزوار غير المسلمين.
3. يجب على إسرائيل منع أي صلاة أو شعائر دينية يهودية في الحرم.
4. إذا كانت الشرطة تجد صعوبة في منع انتهاكات الوضع القائم، عليها تقليص حجم المجموعات اليهودية في الحرم حتى تتمكن من تطبيق القواعد بشكل أفضل.
5. يجب منع الوزراء من التصريح ضد الوضع القائم أو زيارة الحرم. كما يجب إلغاء جميع القرارات المتعلقة بنقل الأموال إلى حركات الهيكل.
أفيف تتارسكي، باحث في جمعية "عير عميم"
في الوقت الذي يتيح فيه نتنياهو لبن غفير تعيين من ينفذون أوامره في مناصب عليا في الشرطة، يقوم بن غفير باستغلال هذه الفرصة لإحداث تغيير خطير في الحرم القدسي الشريف. وفي تعارض مع الادعاءات الكاذبة المتعلقة بالحاجة إلى إتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية وضمان "المساواة لجميع الأديان"، فإن حظر دخول المسلمين إلى الحرم يعد جزءا لا يتجزأ من المصادقة على السماح لليهود بأداء الصلوات في الحرم. في أعياد تيشري التي تقترب، فإن حركات الهيكل ومؤيديها في الحكومة قد يواصلون دفع الوضع إلى التدهور في الحرم.
حتى بعد سنوات طويلة من النشاط ، فإن قلة قليلة من الجمهور اليهودي تزور الحرم. والغالبية العظمى من الزوار تأتي من التيار الأكثر تطرفا في الصهيونية الدينية، في حين أن الجمهور العلماني والحريدي يتلافون زيارة المكان. إن الحكومة تقوم بالترويج لمصالح فئة صغيرة ومتطرفة في الوقت الذي تمس فيه بصورة جسيمة بملايين السكان المسلمين، وتضر أيضا بالعلاقات مع الدول العربية وعلى رأسها الأردن، وذلك رغم الخطر الكامن في تقويض الوضع القائم في الحرم الشريف، الذي من شأنه أن يؤدي إلى التصاعد والتحول إلى جبهة إضافية من العنف في الوقت الذي تواجه فيه الدولة أصلا أزمة أمنية غير مسبوقة. بهذا المفهوم، فإن سلم الأولويات المشوه للحكومة فيما يتعلق بإدارة الحرب في غزة والشمال يتم التعبير عنه أيضا في سلوكها في الحرم الشريف.
[email protected]
أضف تعليق