وصف المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حل على واشنطن لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس، بأنه “يبدو كزعيم صغير في لحظة تاريخية”.
وقال: “عندما أفكر بخطاب نتنياهو يوم الأربعاء أمام جلسة مشتركة للكونغرس، أول شيء يحضر لذهني هو القول المأثور: تمر عقود من الزمان بدون أن يحدث فيها شيء، وتمر أسابيع تصنع فيها عقود، وهذا هو الأسبوع لإسرائيل وأمريكا والشرق الأوسط، عقدٌ على وشك الحدوث أو لا”.
وربما كانت مصادفة أن تتقاطع مجموعة من نقاط التحول العميقة للحرب والسلام هذا الأسبوع بطريقة لم يخترعها تولستوي. وفي أعقاب قرار الرئيس بايدن وضع مصلحة بلده فوق مصالحه الشخصية وتخلى عن السلطة، جاء نتنياهو الذي ظل بشكل دائم يقدم مصالحه الشخصية على مصالح بلده إلى واشنطن، ووصل وهو يواجه قرارين متشابكين يمكن أن يوفرا لبايدن إرثا ضخما في السياسة الخارجية، ويغيّرا إرث نتنياهو في نفس الوقت، أو لا.
ويقول فريدمان إن اللحظة تشي بأن كتّاب مسلسل “ذي ويست وينغ” على “بي بي سي” وكتّاب مسلسل “فوضى” على نتفلكس، تعاونوا ويتصارعون حول كتابة مسلسل يتحدث عن فجر جديد أم مأساة لأمريكا وإسرائيل والعالم العربي.
ويضيف الكاتب أن الجهود الأمريكية التي قادها وزير الخارجية أنطوني بلينكن ومسشار الأمن القومي، جيك سوليفان، ومدير “سي آي إيه” ويليام بيرنز، أدت إلى قرارين كبيرين على مكتب نتنياهو قد يوقفان الحرب في غزة ولبنان، ويعبّدان الطريق أمام تحالف أمريكي- إسرائيلي- عربي ضد إيران.
ويقول: “نحن نتحدث عن لحظة بالغة الأهمية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط منذ اتفاق كامب ديفيد في السبعينات من القرن الماضي”.
ويقتضي القرار الأول موافقة فورية من نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق نار مرحلي توصّل إليه المفاوضون الأمريكيون والقطريون والمصريون وحماس، يؤدي إلى مرحلة أولى تشمل وقف إطلاق النار في غزة لمدة ستة أسابيع، وإعادة 33 أسيرا إسرائيليا، أحياء أم أمواتا، بمن فيهم 11 امرأة، وإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وفي حزيران/ يونيو، عبّر نتنياهو عن دعم للمبادئ العامة للصفقة، إلا أنه ظل يتلاعب ويقدم ويؤخر، وينظر في أهميتها الأمنية على الرأي العام الإسرائيلي الذي لا يعرف عادة التفاصيل من أجل شراء الوقت، قبل أن يوافق عليها وينفر منه اليمين المتطرف في حكومته والذي وعده بتحقيق نصر كامل على حماس في غزة.
ويقول فريدمان إن نتنياهو يركز على ثلاثة موضوعات أمنية. الأول هو حركة المدنيين الفلسطينيين من جنوب غزة الذي نزحوا إليه إلى مدينة غزة في الشمال، حيث لدى معظمهم بيوت فيها.
ويريد نتنياهو نوعا من نظام التفتيش لمنع عودة مقاتلي حماس إلى الشمال. إلا أن الجيش لا يستطيع منع عودة مئات من مقاتلي حماس وسط حركة عشرات الآلاف من النازحين، مع أن المئات من المقاتلين لا يزالون هناك.
أما الموضوع الثاني، فهي السيطرة على حدود غزة مع مصر، حيث بنت حماس أنفاقا وطرقا هرّبت من خلال معظم أسلحتها. ويقول مصدر إن الجيش الإسرائيلي وجد ودمّر معظم الأنفاق، وأن إسرائيل ومصر يمكنهما التعاون لمنع مرور أي شخص فوق الأرض، مع إمكانية بناء حواجز دائمة مع مضي الوقت.
أما الموضوع الثالث والأخير، فهو معبر رفح من مصر إلى غزة، والذي تشترط إسرائيل عدم سيطرة حماس عليه مرة أخرى، وتشدد على آلية تفتيش وشراكة بين فلسطينيين من غير حماس وشركاء دوليين.
وكما أخبر المسؤولون الأمنيون الأمريكيون والإسرائيليون الكاتب، فإن أيا من الموضوعات هذه ليست مبررا لإفشال الصفقة إلا إذا أراد نتنياهو استخدام واحد منها للتنصل من الصفقة، مع أن قادة الجيش والاستخبارات يدعمونها.
ونقلت صحيفة “هآرتس” يوم الإثنين عن العقيد المتقاعد ليور لوتان، الخبير في تحرير الرهائن، ومستشار وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي تحدث للقناة 12 الإسرائيلية: “الوقت هو وقت المال، هذه فرصة استثنائية في المفاوضات، لكن الفرص تمضي لو لم يتم انتهازها. وتشمل شروط الصفقة على مخاطر يمكن للجيش التسامح معها. وكل قادة الأجهزة الأمنية يقولون هذا. وسيكون من الخطأ محاولة مواجهتهم بالنظريات، مثل الحصول على المزيد عبر الضغط العسكري”.
وأخبر مدير الموساد، الذي يتفاوض على تحرير الأسرى، نتنياهو وحكومته المتطرفة أن الأسيرات لدى حماس لم يعد لديهن وقت وانتظار إطار جديد لصفقة.
ويقول فريدمان إن حماس تريد وقف الحرب، حيث باتت شعبيتها تتراجع لأنها بدأت الحرب بدون خطة لليوم التالي وحماية المدنيين.
ويرى فريدمان، أن وقف إطلاق النار ستكون له منفعة كبيرة على النزاع في الشمال بين إسرائيل وحزب الله، حيث سيعبّد الطريق أمام عودة المدنيين على الجانبين إلى بلداتهم وقراهم. ويخشى المسؤولون الأمريكيون من توسع الحرب بين إسرائيل وحزب الله، والتي ستكون خطيرة في ظل استخدام الصواريخ الموجهة بدقة.
هذا عن القرار الأول المتعلق بالحرب، أما القرار الثاني على مكتب نتنياهو، فهو العمل الذي قامت به إدارة بايدن على مسار مواز، حيث أكملت كل التفاصيل المتعلقة باتفاقية دفاعية أمريكية- سعودية تفتح الباب أمام تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، هذا إن قبل نتنياهو المضي في التفاوض على دولة فلسطينية.
ولا يطالب السعوديون بمواعيد زمنية محددة للدولة الفلسطينية، لكنهم يريدون موافقة إسرائيلية لبدء مفاوضات موثوقة بنيّة حسنة لتحقيق هدف واضح وهو حل الدولتين وضمانات أمنية مشتركة.
ويعلق فريدمان أن المفاوضات هذه المترادفة مع وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ستكون انقلابا دبلوماسيا يعزل إيران وحماس ويفتح الباب أمام علاقات بين الدولة اليهودية ومهد الإسلام. وسيعطي هذا التطور الغطاء لإسرائيل كي تحصل على الدعم الفلسطيني والعربي لنشر قوات حفظ سلام دولية في غزة، كما ستقوي الجهود نحو بناء تحالف دفاعي إقليمي وبمشاركة عربية ضد إيران.
والأهم من كل هذا، هو فتح طريق طويل الأمد لدولة فلسطينية، في حالة توقف القتال بغزة. وستفهم كل الأطراف، وهذا هو الدرس المهم للحرب، أنه لا أحد منهم قادر على تحمل التكلفة خاصة عندما يحصل كل طرف على أسلحة دقيقة.
وكما قال ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن: “مع قرارين، نعم بشأن صفقة الرهائن مقابل وقف إطلاق النار الآن، ونعم بشأن شروط التطبيع السعودية التي من شأنها إنهاء النزاع السني”، حرب الدول العربية مع إسرائيل وتعزيز التحالف الإقليمي لعزل إيران، حيث سيحقق نتنياهو مكسبا لإسرائيل ولشريكه الرئيس بايدن.
ويقول فريدمان إن “اتفاقيات إبراهيم” ستخلفها “اتفاقيات جوزيف”، وإرث لكل من بايدن ونتنياهو. وستكون مأساة لو فوّت نتنياهو هذه الفرصة من أجل السياسة المحلية والمخاوف من شركائه في اليمين المتطرف.
وسنعرف قريبا إن كان نتنياهو سيؤكد صورته عن نفسه كقائد عظيم، أو سيكون كما قال الكاتب ليون ويزيلتير: “رجل صغير في زمن عظيم”.
فحتى هذا الوقت، رفض نتنياهو الخائف من دخول السجن بسبب اتهامات خيانة الثقة والرشوة والفساد، التفاوضَ مع الفلسطينيين بدون إذن من أعضاء حكومته المجانين، والذين يطالبون بنصر كامل وعدهم به على حماس.
ومع توقف الكنيست في 28 تموز حتى 27 تشرين الأول/ أكتوبر، فيمكن لنتنياهو أن يقبل الصفقة بدون خوف من الإطاحة بحكومته. ولهذا ينتظر الجميع، هل سيكون نتنياهوالرجل الصغير في وقت عظيم أم لديه مفاجأة؟
[email protected]
أضف تعليق