خلال السنوات الماضية، صارت مسيرة العودة، التي تنظم في كل عام بأراضي قرية مهجرة من القرى التي تهجرت عام 1948، حدثًا مركزيًا للعرب الفلسطينيين في البلاد، وربما الحدث الأهم والوحيد الذي يجمع كل الفئات والقوى السياسية، وبعده بشكل أقل مسيرة "يوم الأرض".
ورغم أن الذكرى الرسمية للنكبة في كل عام تتزامن مع تاريخ 15.5، إلا أن مسيرة العودة تنظم في اليوم الذي تحتفل فيه دولة إسرائيل باستقلالها، تحت عنوان "استقلالهم نكبتنا" ويتزامن هذا العام مع اليوم الثلاثاء 14.5، ولكنه يتزامن مع ظروف أخرى مختلفة عن كل عام، يتزامن مع "نكبة ثانية" تحصل في غزة، وبينما كان عدد الفلسطينيين الذين طردوا من بيوتهم في 1948 نحو 750 ألف فلسطيني، فإن عدد الذين تهجروا من بيوتهم في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر تجاوز الـ1.3 مليون فلسطينيًا.
تختلف عما سبقها
"بلا شك، فإن مسيرة العودة هذه، تختلف عن المسيرات الـ26 التي كانت من قبلها، فرغم أن بعضها كانت خلال ظروف صعبة على شعبنا الفلسطيني، لكن هذه المسيرة بالذات، التي نحيي فيها ذكرى النكبة، تأتي تزامنًا مع نكبة أخرى تعصف بشعبنا الفلسطيني، وبينما ننظم المسيرة للتأكيد على تمكسنا بحق العودة الذي سنته الأمم المتحدة، هنالك مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون الآن ويلات التهجير من جديد، وبعضهم حتى من أبناء وأحفاد الذين تهجروا من بلداتهم في النكبة عام 1948، وبعضهم حتى ممن لجأوا مرتين، من 1948 ومن ثم في 1967، مسلسل تهجير مستمر منذ النكبة"، تقول الإعلامية مقبولة نصار، وهي عضو في جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين ومن لجنة منظمي مسيرة العودة، وتضيف: " الحديث عن النكبة بهذه الظروف هو تحد حقيقي، ولكننا لا نتنازل بالحفاظ على نشاطنا المستمر منذ سنوات، والذي ارتفعت قيمته بالسنوات الأخيرة كحدث جامع وشامل لكل الفئات، ويتخلل جوانب فنية وثقافية، حدث يتحدث لكل أبناء المجتمع العربي، للأطفال وللنساء، للجميع. بلا استثناء، ويأتي هذا العام بظروف مختلفة كليًا، وبمشاعر أصعب بكثير".
بالإضافة لما يحصل في غزة، فإن هذه المسيرة تأتي في ظل حكومة يمينية متطرفة، تقلص الميزانيات للمجتمع العربي، ووزير الأمن الداخلي فيها، يتجاهل عمدًا القضية التي تشغل المجتمع العربي أكثر من غيرها، العنف والجريمة المنظمة، ويكثف من عمليات الهدم، وآخرها هدم 47 منزلًا لعائلة أبو عصا في النقب الأسبوع الماضي، وعلى اثر هذا كله دعت لجنة المتابعة لمشاركة واسعة في المسيرة " إن مسيرة العودة، التي تبادر لها لجنة المهجرين، ستنطلق يوم الثلاثاء 14 أيار الجاري، الساعة الواحدة والنصف ظهرا، قرب شفاعمرو، إلى موقع قريتي هوشة والكساير، المدمرتين المهجرّتين، يجب أن تحظى بمشاركة شعبية واسعة، لأنها ستكون اختبارا للموقف الشعبي الوطني، خاصة في ظل التصعيد الحربي الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني، لتوسيع رقعة حرب الإبادة، وبالذات على قطاع غزة، وأيضا في الضفة الغربية المحتلة، وتوسيع رقعة الحرب الى مدينة ومنطقة رفح جنوب قطاع غزة، الملاذ الأخير لمئات آلاف النازحين من شمال ووسط قطاع غزة.
الهدم في النقب
وقد وصفت المتابعة الهدم في النقب وكل ما يحصل انه "يندرج في إطار الحرب الإسرائيلية على شعبنا الفلسطيني في جميع أماكن تواجده في الوطن. إن جماهيرنا العربية الفلسطينية، تواجه استفحالا في الحرب عليها في مجالات متعددة: تعميق التمييز العنصري، وتكثيف الاضطهاد والملاحقات السياسية وتقويض حرية التعبير، وتكثيف جرائم هدم البيوت العربية، خاصة في منطقة النقب، وآخرها تدمير 47 بيتا لعائلة أبو عصا، وزيادة سياسة غض الطرف عن عصابات الاجرام، وهذا ينعكس في الذروة الجديدة في عدد ضحايا دائرة الجريمة والعنف في المجتمع العربي من قتلى وجرحى، فكل هذا مرتبط بسياسة واحدة، تهدف لمواصلة وتكثيف ضرب وجودنا في وطننا".
وكما في كل فعالية أو نشاط ينظم منذ السابع من أكتوبر، تحاول الشرطة وضع العقبات والصعوبات، رغم أنها لم تمنعها "الشرطة وجهات أخرى مثل سلطة الإطفاء والإسعاف وغيرها، وضعوا مطالب عديدة، أمور تتعلق بالهندسة والتنظيم، وأمور أخرى مثل طلبات عدم اطلاق شعارات تحريضية – حسب وصفهم" يقول موسى صغير، عضو جمعية حقوق المهجرين، وهو من سكان شفاعمرو وابن قرية هوشة التي تنظم المسيرة على أراضيها هذا العالم: "في العام الماضي شارع 15 ألفًا، وفي هذا العام نتوقع مشاركة كبيرة أيضًا، مشاركة تشمل فئات عديدة، طلاب جامعيين، وأحزاب وجمعيات ومؤسسات بالإضافة إلى الأفراد".
حتى قبل مسيرة يوم الأرض التي كانت في نهاية شهر آذار، نظمت مظاهرتين كبيرتين في كفر كنا ومجد الكروم، بدا الشعور أن حاجز الخوف قد أزيل، خصوصًا وأنه قبلها كانت الشرطة تمنع كل مظاهرة أو حراك سياسي يدعو لإنهاء الحرب، وقامت بمنع لجنة المتابعة من التظاهر في الناصرة وأوقفت قيادة اللجنة، مما صنع حالة من الخوف بالمجتمع العربي، والتي تأثرت أيضًا بموجة الاعتقالات والملاحقات السياسية التي كانت منذ السابع من أكتوبر، يقول صغير: "كان هنالك بعض التخوف في الأشهر الماضية بين الناس، ربما ما زال البعض يتخوف قليلًا، لكن بالمجمل لا نشعر أن هنالك شعور بالخوف بين الناس يمنعهم من المشاركة، خصوصًا وأننا بجانب الشعارات التقليدية لمسيرة العودة، سيكون مطلبنا الأساسي هو انهاء الحرب. ومهم أن المسيرة تنظم في منطقة بعيدة عن المناطق السكنية، مما يقلل من احتمالات توتر الأمور".
اعادة مشاهد النكبة
"المشاهد من غزة، الأطفال الذين يجدون انفسهم فجأة بلا بيوت، وبلا أهل، مشاهد التهجير الجماعي، كلها تذكرني بطفولتي، فقد قتلوا أبي وهو في طريقه لشراء بعض المؤن، عندما كنت في رحم أمي بأشهر حملها المتقدمة، وهجرنا من قريتنا معلول إلى الناصرة، تفرقت عائلتي وعاش كل منا في مكان، حتى أنا أبعدتني الظروف عن أمي لفترة رغم كوني رضيعة وقتها، ومنعونا من معرفة مكان قبر أبي والوصول إليه لأكثر من 70 عامًا، والآن نرى الأمر يتكرر في غزة، كل تفاصيل ما يحدث في غزة تقول أنها نكبة ثانية" تروي سلوى قبطي، وهي مهجرة من قرية معلول وعاملة اجتماعية سابقة وعضو في إدارة جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، وتضيف: "منذ سنوات أقول أني والنكبة توأمان، ورافقتني طوال حياتي، والآن المشاهد في غزة تحرقني، تذكرني بمأساتي، أرى نفسي وأنا طفلة في عيون كل طفلة أراها في غزة، وهذا لا يمثلني لوحدي، بل نراه في التفاعل للمسيرة، الذي باعتقادي أكبر من كل المرات السابقة، فالألم الذي يشعر به الناس من مشاهد الحرب في غزة، يدفعهم للمشاركة في المسيرة لإطلاق صرخة واضحة تدعو لإيقاف الحرب فورًا".
"بعد النكبة، هنالك من قال أنهم دخلوا إلى هذه البلاد ولم يجدوا أحدا، ولذلك نصر على تنظيم مسيرة العودة، لنذكر الأجيال المتعاقبة ولنقول للعالم بأننا لا ننسى النكبة ولا مئات القرى التي هُجرت، والآن، ربما بعد سنوات، قد يقولوا أنهم دخلوا إلى شمال غزة وكانت فارغة" تضيف سلوى قبطي: "بالذات في هذه الظروف، مسيرة العودة تكسب زخمًا أكبر، أهميتها تصبح أكبر، وعدم انجاحها هي أمر معيب بحقنا، نريد أن نرفع رسائل السلام ووقف الحرب، ونريد أن نرفع شعار المسيرة بأن استقلالهم نكبتنا، لا علاقة لنا بفرح اليهود واحتفالهم باستقلالهم، لكن يجب أن يعرفوا أننا حزانى، أن يتذكر أن جاره حزين لأن ذكرى الاستقلال هي ذكرى تهجير ونكبة شعب آخر".
حول الجهات التي تتعاون في تنظيم السيرة، تقول مقبولة نصار: "الجمعية تعمل تحت إطار لجنة المتابعة التي تضم كل الأحزاب والقوى السياسية، كما أن هنالك تعاون مع لجنة رؤساء السلطات المحلية العرب".
مشاركة يهودية
في كل عام، في مسيرة العودة، يشارك عدد من الناشطين اليهود، وفي هذا العام يتوقع ان يحصل هذا الأمر أيضًا، يقول موسى صغير "بالإضافة إلى جماعات مثل ناطوري كارتا، يشارك عدد من الناشطين اليهود، ممن يؤمنون بالغبن التاريخي بهدم 531 قرية فلسطينية".
وفي كل مسيرة، بجانب المشاركة اليهودية، تكون هنالك كلمة في المهرجان الختامي لناشط يهودي، وهذا العام سيتحدث الكاتب والمؤرخ آدام راز، الذي أصدر مؤخرًا كتابًا تحت عنوان "الطريق إلى السابع من أكتوبر".
تقول مقبولة نصار: "هذا العام في الجانب الثقافي للمسيرة، ستكون هنالك فقرتين فنيتين للفنانين تامر نفار وعلاء عزام" وتضيف حول تمويل المسيرة :"منذ سنوات نسعى بأن يكون تمويل المسيرة ذاتيًا، بمعنى أن مجتمعنا هو الذي يمولها، عبر تجنيد الأموال الجماهيري، فهذه جمعية أصحاب حق، وتمثل فئات عديدة من شعبنا يعتبرون قضية القرى المهجرة قضية حياتية بالنسبة لهم، ونحن مستمرون بدعواتنا لأبناء مجتمعنا بأن يتبرعوا للمساهمة في تنظيم ناجح للمسيرة".
وتنطلق المسيرة ظهر الثلاثاء، الساعة 13:00 قرب مدخل شفاعمرو الشرقي، وقد جاء في بيان الجمعية حول المسيرة: "76 عامًا مضتْ على نكبةِ شعبِنا عامَ 1948، 76 عامًا مضتْ على تهجيرِنا من قرانا وبيوتِنا. 76 عامًا مضتْ على تمسّكِنا بحقّ عودتِنا والتصاقِنا بهويّتِنا وبأرضِنا وبشعبِنا. تعبيرًا عن هذا الحقّ التاريخيّ والشرعيّ لشعبِنا الفلسطينيّ بالعودةِ والحريةِ والاستقلالِ، ننطلقُ هذا العامَ في مسيرةِ العودةِ السنويةِ صوبَ قرى قضاءِ حيفا، وقرى هوشةِ والكسايرِ".
ولم يخلُ بيان الجمعية من ربطها بالحرب على غزة :" لا شكّ أنّ مأساتِنا الفلسطينيةَ هذا العامَ تكتبُ فصلًا داميًا جديدًا، اليومَ ونحنُ نستعيدُ جرحَ النكبةِ الأليمِ الذي يعيشُ في كلّ فلسطينيّ، هذا الجرحُ والمأساةُ التي آلتْ إلى تدميرِ أكثرَ من 530 قريةٍ وتهجير من 11 مدينةً وتشريدِ مئاتِ الآلافِ من أبناءِ شعبِنا وتحويلِهم إلى لاجئينَ خارجَ الوطنِ وداخلهِ. اليومَ وبعدَ 76 عامًا، يواجهُ أبناءُ شعبِنا في غزةِ نكبةً أخرى، نكبةً لا تزالُ تحصدُ وتقتلُ وتشردُ إلى اللحظةِ، نكبةً لم تدركْ الإنسانيةُ بعدُ حجمَها وأبعادَها. اليوم ونحن لا نزال نتجرع حسرة اللجوء على بعد مرمى حجر من قرانا ومدننا المنكوبة، تخلق هذه الحربِ اللعينةِ والوحشيةِ التي يشنّها الاحتلالُ على أهلِنا وإخوتِنا في غزةَ، حقّ عودةٍ من نوعٍ جديدٍ، اللاجئونَ في غزةَ منذُ العامِ 1948 والعامِ 1967 باتوا يطالبونَ بحقّ العودةِ إلى شمالِ غزةَ عامَ 2024. إنّ سوداويةَ الموقفِ، والشعورَ بانعدامِ الأملِ والعجزِ أمامَ المأساةِ المستمرةِ في غزةَ، يزيدنا إصرارًا لإنجاحِ هذه المسيرةِ المتواصلة منذُ أكثرَ من 27 عامًا، من خلالِها نؤكّدُ على استمراريتِنا وتمسّكِنا بنضالِنا العادلِ والسلمي للحصولِ على حقوقِنا والعودةِ إلى قرانا وأراضينا التي هجرنا منها عنوةً، ووفقًا لقرارِ الأممِ المتحدةِ رقمِ 194، ومن خلالِها نؤكّدُ رفضَنا لكافةِ الممارساتِ القمعيةِ والعنصريةِ ومحاولاتِ الإخراسِ والتقييدِ التي مورستْ ولا تزالُ تمارسُ بحقّنا".
وقد اختتمت الجمعية بيانها في دعوة مفصلة: "أبناء شعبنا، وجميع هيئاته الاجتماعية والسياسية والجماهيرية مدعوة للمشاركة الفعالة في مسيرة العودة، والتي تشمل زيارة قرانا المهجرة صباح يوم 14.5.2024 ومن ثم الوصول للمسيرة المركزية على أراضي هوشة والكساير، الساعة الواحدة 13:00 – التجمع عند مدخل شفاعمرو الشرقي (بجانب منتزه البير). إنّ الحيادَ عن الحقّ يضيعُه، ونحنُ لا نحيدُ، بل نواصلُ الرسالةَ، وننقلُها لأجيالِنا القادمةِ، نملأُ الأرضَ ونعيدُ لقرانا الحياةَ، ونجدّدُ العهدَ أن لا عودةَ عن حقّ العودةِ".
[email protected]
أضف تعليق