جولة مفاوضات شاقة خاضها وفد حركة حماس في العاصمة المصرية القاهرة، من دون أن يكتب لها النجاح بالوصول إلى اتفاق تهدئة يوقف إطلاق النار في غزة ويعطي الضوء الأخضر لعملية تبادل الأسرى، وذلك رغم موافقة "حماس" على ورقة الوسطاء التي أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، رفضها، مقررا بدء العملية العسكرية في رفح على عكس اتجاه الجهود الدولية. "العربي الجديد" حاور زاهر جبارين (55 عاماً)، القائم بأعمال رئيس حركة حماس في الضفة الغربية وعضو وفد التفاوض حول الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، الذي أكد أن "حماس" لا تزال تمتلك أوراق ضغط فعالة، مشدداً على أن المقاومة قادرة على خوض حرب استنزاف للعدو.
*هل كان الرد على الورقة المطروحة للتفاوض في اللحظات الأخيرة وطريقة إخراجه مقصوداً، أم أن التوقيت كان نتيجة لتواصل عمليات التشاور بشأنها مع المقاومة في الداخل وباقي الفصائل؟
ــ الرد منسجم مع رغبة الحركة في إنجاح المفاوضات. فالحركة تجاوبت مع جهود الوسطاء، وهناك جو عام في المنطقة والعالم راغب في إنهاء الحرب، ومن هنا بدأت عملية التفاوض التي على أساسها تتم الصفقة وفق مراحل لإمكانية تنفيذها وبناء مسار تفاوضي يمكن اختبار نوايا الأطراف فيه، لكن العدو الإسرائيلي كشف عن نواياه مبكراً بأنه لا يريد وقف الحرب ويقوم بتحدي العالم.
*هل تعتقدون أن هناك تبايناً داخل الإدارة الأميركية بشأن المفاوضات أو اتفاق وقف إطلاق النار، بمعنى أن هناك فريقين داخل إدارة الرئيس جو بايدن، أحدهما يدعم التوصل إلى الاتفاق بصورته الحالية والآخر يدعم تل أبيب في رؤيتها؟
ــ الإدارة الأميركية تنطلق من مصالحها في المنطقة، وهي تحاول بناء مسار سياسي يخدم مشهد بقاء السيطرة الأميركية على الصراع ومنع تطوره إلى أبعاد إقليمية. وهذه الرؤية الأميركية لا تتقاطع مع رغبة بنيامين نتنياهو في البقاء في الحكم، ولذلك نتنياهو يعطل المسار الأميركي لأنه لا يخدم مصالحه، ومن هنا يظهر التباين.
*ما هو تقييمكم لحجم أوراق الضغط التي لا تزال في جعبتكم، سواء على المستوى العسكري الميداني أو السياسي؟
زاهر جبارين: التطبيع لن يجلب الأمن للمنطقة والعالم لن يستقر من دون حصول شعبنا على حقوقه
ــ في الميدان، المقاومة قادرة على إدارة حرب استنزاف، فنحن فوق أرضنا وسندافع عنها مهما كلف الثمن. الإصرار على حقوق شعبنا وتحرير أرضه أهم ورقة ضغط، والتي يُجمع عليها أحرار العالم، فكل العالم اليوم يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني وحمايته. وبالنسبة لورقة الأسرى، نعيد التأكيد على أن ما نحتاجه من الأسرى هو عدد محدود من أجل صفقة التبادل، وقد أكدت المقاومة أن إجراءاتها المشددة هي الإبقاء على 30 جندياً وضابطاً أحياء. ما تبقى من الأسرى مصيرهم بيد نتنياهو الذي يتركهم للموت جوعاً أو مرضاً أو نتيجة العمليات العسكرية. وعنصرية المجتمع الإسرائيلي وحبه للانتقام، اللذين يستند إليهما حالياً نتنياهو لتبرير جرائمه لن يحمياه لاحقاً، لأن الحقائق ستتكشف في مقتل أسرى كان بإمكان نتنياهو إنقاذهم، لكنه قرر قتلهم من أجل بقائه في منصبه، وعندها ستتواصل مفاهيم كيانه بالتساقط مثل أحجار "الدومينو".
*هناك اتهامات أو لوم يطاول حزب الله منذ اندلاع العدوان بأنه تخلى عن المقاومة في غزة أو على الأقل لم يكن حجم مشاركته على المستوى المأمول. كيف تعلق على هذا؟
ــ حزب الله يقوم بمجهود حربي هو الأكبر في تاريخ الحزب، وعلى مدى زمني ممتد لأشهر منذ حرب يوليو/تموز 2006. فما يقوم به الإخوة في حزب الله يتم بالتنسيق مع قيادة المقاومة في غزة. العدو عاجز أمام المقاومة في الجبهة الشمالية، ولذلك الإعلام العبري يتعمد عدم الحديث عنها، حتى يتجنب الأسئلة الحرجة عن الجبهة الشمالية. الإخوة في حزب الله ما زالوا يصرون على موقفهم بأن العمليات على الجبهة الشمالية لن تتوقف قبل وقف إطلاق النار على جبهة غزة، وهذا ربط مصيري تستحق عليه المقاومة اللبنانية بكافة تشكيلاتها كل التحية والتقدير.
* هل تعتقدون أن هناك تنسيقاً بين تل أبيب والقاهرة بشأن دخول إسرائيل إلى معبر رفح، أو على الأقل هناك إخطار كي لا يتعارض مع اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها الأمنية الخاصة بالمنطقة (د) ومحور فيلادلفيا؟
ــ العدو يتعمد التضليل بأنه سيلتزم بأي اتفاقيات، وسبق أن أعلن أن عملية رفح ستكون محدودة، ثم عاد مجلس الحرب ليعلن توسيع العملية، والإخوة في مصر لا يمكن أن يقبلوا بالتنسيق مع الاحتلال، خاصة أن العملية ستكون لها تداعيات قد تصل إلى الأمن القومي المصري وعلاقة مصر بقطاع غزة.
* تردد أن هناك محاولات لاستبدال الشرطة التابعة لحركة حماس المسؤولة عن إدارة معبر رفح بجسم آخر، إما أن يكون فلسطينياً بخلاف "حماس" أو فصائل المقاومة، أو أن يكون شركة أمن أميركية. فهل طلبت منكم عبر وسطاء أية إجراءات في هذا الشأن؟
ــ من المبكر الحديث عن النتائج التي يطمح إليها الاحتلال. لن نقبل بأي جسم مرتبط بأفكار الاحتلال الإسرائيلي التي تكرس إعادة احتلال غزة وسيطرة العدو عليه، وسنتعامل معه مثل الاحتلال.
* الحديث دائماً عن وحدة التراب الفلسطيني بين الضفة الغربية والقدس وغزة، حتى لو شكلياً، فهل من الممكن أن تقبلوا بدخول الحكومة الفلسطينية الحالية إلى غزة وتوليها مهام إدارة القطاع، ولو بشكل مؤقت إلى حين إجراء الانتخابات؟
ــ هناك صيغ سياسية يمكن أن نوحد على أساسها الفعل السياسي الفلسطيني بعيداً عن المحاصصة. الاتفاق على الملفات السياسية الكبرى، وأهمها قيام الدولة وتحرير أرضنا وطرد المحتل منها وإعمار غزة، والشكل الإداري الذي يجب أن يدير الضفة وغزة يجب أن يراعي واقع العمل الحكومي في غزة وأن يكون العنوان الذي سيتم من خلاله، هو الإعمار وبلسمة جراح شعبنا.
* ما هي شروطكم للقبول بوجود السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع في الفترة التي ستعقب وقف العدوان على غزة؟
ــ الجسم السياسي الفلسطيني إما ان يكون عبر الاختيار من أبناء شعبنا أو عبر التوافق السياسي. نحن بحاجة لتوافق سياسي من أجل إنجاز الأهداف الوطنية، وتجب مغادرة فكرة المحاصصة السياسية، فنحن في ظرف لا يسمح بالحديث عن حياة سياسية طبيعية. كما أنه تجب إعادة ترتيب أولويات الأجسام السياسية الفلسطينية ليكون طرد الاحتلال وإقامة الدولة هما الأولوية الأولى في العمل السياسي الفلسطيني.
* لا تزال اسرائيل تروج أن المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، الممتدة لـ14 كيلومتراً، هي الممر الرئيسي الذي يمر من خلاله السلاح إلى "حماس" والمقاومة. فما ردكم على هذا؟
ــ لم يستطع العدو أن يظهر أي نوع سلاح استثنائي عبر من خارج فلسطين أثناء الحرب، فغالبية السلاح الذي استُخدم هو صناعة محلية. كما أن السلاح الذي ادعى العدو أنه صودر هو صناعة محلية في غالبيته، ونوعية السلاح ومسمياته تؤكد ذلك، لذلك السيطرة على محور فيلادلفيا هدفه سياسي بالدرجة الأولى.
* هل يوجه لكم المسؤولون في مصر أي انتقادات في الغرف المغلقة بشأن ما يتردد من وقت لآخر حول استخدام سيناء في تهريب السلاح للقطاع؟
ــ لا يمكن أن يوجه أي طرف عربي النقد لشعبنا وهو يحاول أن يحمي نفسه وحقوقه. كما أن الحقائق التي بين يدي الجميع تشير إلى أن السلاح الذي يصل إلى غزة عبر التهريب هو ذات السلاح الذي يصل منذ عشرات السنوات والخاضع لمنطق تجاري، ومستواه مرتبط بالأسلحة الفردية. إن القذيفة الأشهر التي تخوض بها كتائب القسام الحرب هي الياسين 105، وهي صناعة محلية والعالم شاهد ذلك.
* قلتم في وقت سابق إن الغالبية العظمى من سلاح "حماس" في الضفة الغربية يأتي من معسكرات الجيش الإسرائيلي. فمن أين يأتي سلاح المقاومة في غزة؟
ــ ما قلناه عن سلاح المقاومة في الضفة أن أحد مصادره الرئيسية هو السلاح الذي يبيعه الجنود بعد سرقته من معسكرات الجيش الإسرائيلي ويصل إلى يد المقاومة، وغالبية سلاح المقاومة في الضفة هو من نوع "أم 16". في غزة الجميع شاهد الصناعة المحلية للصواريخ المضادة للدبابات أو بنادق القنص.
* أعلنت قطر أخيراً أنها بصدد تقييم ومراجعة دورها وسيطاً، والبعض فسر ذلك بعدم رضا عن تعاطي الاحتلال وكذلك أنتم في المقاومة أو حركة حماس مع جهود الوساطة؟
ــ الإخوة في قطر هم أصحاب الحق في الحديث عن دوافعهم لتفسير هذا الإعلان. لكن نحن رأينا حجم الهجوم الذي تقوم به حكومة نتنياهو على الدور القطري في محاولة لتصدير أزمتها إلى الخارج، وفي كل مرة يجرى الحديث عن مفاوضات جدية، أو النية لعقد لقاءات حكومية من أجل مناقشة الصفقة، يهدد التيار الديني القومي بإسقاط الحكومة، ويبدأ نتنياهو بالبحث عن طرق لتصدير أزمته إلى الخارج. لذلك الإخوة القطريون رأوا أن الطرف الإسرائيلي غير جاد في الوساطة، وأنه لا داعي لتحمل تداعيات مراهقات نتنياهو السياسية التي أصبحت واضحة للجميع.
* هل تعتقد أن التحركات الأميركية والإسرائيلية ستنجح في إبعادكم عن مشهد إدارة غزة عقب انتهاء الحرب، خاصة في ظل تمسك تل أبيب بإنهاء سيطرتكم على القطاع؟
ــ شعبنا الفلسطيني صاحب الحق في اختيار من يقوده، ونحن قبلنا ونقبل بصندوق الاقتراع ليحدد دورنا وثقلنا السياسي، وفي المرحلة الحالية، لن نترك الساحة الفلسطينية وحقوق شعبنا للأجندة الأميركية الإسرائيلية التي تسعى لتصفية حقوق شعبنا.
* تضمنت الورقة التي وافقتم عليها بنداً متعلقاً برفع الحصار الكامل عن القطاع. هل هذا يتضمن تحقيق المطلب الذي كان أكثر إلحاحاً طوال سنوات الحصار بشأن المطار والميناء؟
ــ مفهوم فك الحصار هو أن يشمل حرية التنقل والاستيراد والتصدير، وحرية الحركة والتنقل لا تكون إلا عبر مطار وحرية الاستيراد والتصدير لا تكون إلا عبر ميناء، وعليه، فإن عملية كسر الحصار ستشمل هذين المرفقين.
* كيف تقيمون الخسائر والمكاسب بعد دخول العدوان على غزة شهره الثامن؟
ــ لا شك أن هناك ألماً وخسائر بشرية لشعبنا نتيجة الحرب البربرية وحرب الإبادة التي يقوم بها العدو الصهيوني، فغزة اليوم تعاني من تدمير قطاعات خدماتية كاملة، مثل القطاع الصحي، وتدمير جزء كبير من المساكن. لكن في المقابل نحن مؤمنون بأن قضية شعبنا الفلسطيني، والوقوف في وجه اليمين الصهيوني الذي يسعى لحسم الصراع، والعدوان الذي قامت به حكومة العدو على الأسرى والمسرى (المسجد الأقصى) لا يمكن وقفه إلا بالمقاومة. ونحن نقول إن دوافع الحرب بدأت من داخل السجون، وتعمد العدو قتل الأسرى وحرمانهم من حقوقهم.
* ما هو تقييمكم لشكل الصراع خلال الفترة المقبلة، في أعقاب نتائج طوفان الأقصى على المستويين الإقليمي والدولي؟
ــ العالم لن يستقر من دون أن يحصل شعبنا على حقوقه. هناك صحوة عالمية أعادت تعريف كيان العدو بأنه كيان مجرم نازي، كما أن شعوب العالم تنتظر لحظة حساب وعقاب كيان العدو وقادته بوصفهم مجرمي حرب.
* إلى أي مدى قد يؤثر التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل على شكل الصراع بين المقاومة والاحتلال، وكذلك على وضع القدس؟
ــ التطبيع لن يجلب الأمن إلى المنطقة ولن يغير في أولوية المنطقة والعالم. حل القضية الفلسطينية وإعطاء شعبنا حقوقه الكاملة هما القادران فقط على تحقيق الأمن في المنطقة، من دون ذلك، ستظل دوافع المواجهة حاضرة، حتى وإن كمنت فترة من الزمن.
سيرة زاهر جبارين
وُلد زاهر جبارين في العام 1968 في قرية سلفيت في الضفة الغربية، ودرس الشريعة الإسلامية في جامعة النجاح في نابلس. كان جبارين من أوائل المنضمين إلى حركة حماس عند تأسيسها في العام 1987، كما كان أحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، ويعرف في أوساطها بأنه هو من قام بتجنيد المهندس يحيى عياش الذي أصبح عقب استشهاده (في العام 1996) أحد أيقونات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بعدما قام بتوظيف علمه في إدخال العبوات الناسفة في العمل المقاوم.
في العام 1993، اعتقل "الشاباك" زاهر جبارين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، بالإضافة إلى 35 سنة أخرى، بادعاء تورطه في سلسلة من الهجمات التي قُتل فيها إسرائيليون، وأنه كان عضواً في المجموعة التي اختطفت وقتلت ضابط شرطة إسرائيلياً في 1993. يعد جبارين أحد أكثر قيادات "حماس" الحاليين دراية بالمجتمع الإسرائيلي، بعدما حرص على تعلم اللغة العبرية خلال الفترة التي قضاها في السجون الإسرائيلية، وقيامه بترجمة عدد من الكتب من العبرية إلى العربية، وذلك قبل أن يُطلق سراحه ضمن الصفقة التي أطلق بموجبها سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في العام 2011، وكان وقتها برفقة زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار.
تدرّج زاهر جبارين في المواقع القيادية في "حماس" عقب إطلاق سراحه، حتى انتُخب في 2021 نائباً لرئيس المكتب السياسي للحركة في الضفة الغربية، وذلك إضافة إلى توليه مسؤولية ملف الأسرى بالحركة. عقب اغتيال جيش الاحتلال رئيس المكتب السياسي للحركة في الضفة الغربية صالح العاروري في الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي خلال وجوده في الضاحية الجنوبية في بيروت، خلفه زاهر جبارين في موقعه. ويعد جبارين عضواً رئيسياً في وفد التفاوض خلال جولات المفاوضات طيلة الأشهر السبعة الماضية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة.
المصدر: العربي الجديد
[email protected]
أضف تعليق