عقب السفير عبد الله محمد أبو شاويش سفير دولة فلسطين في نيجيريا لموقع بكرا على جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وقال انه " على مدار يومين 11 و 12 يناير/ كانون ثاني الحالي عقدت محكمة العدل الدولية جلستي استماع، الاولى؛ وفيها قدمت جنوب افريقيا مرافعتها أمام المحكمة والمرفقة بتقرير من 84 صفحة يوثق بالدلائل القاطعة وبالهوامش المستندة الى تقارير أممية موثوقة، نية ارتكاب اسرائيل الابادة الجماعية وارتكابها بالفعل, اعتبر جميع المراقبين ما قدمته جنوب افريقيا ملفاً موثقاً ومحكماً ومشغولاً بعناية."
وأضاف " في اليوم التالي قدمت اسرائيل حجتها القائمة على استدعاء موروث الضحية الأبدية مدعية أن ما تقوم به هو ردٌ على ما حدث في صباح السبت الأول من تشرين الأول الماضي وهناك أدلة فعلية وموثقة على ما حصل في ذلك الصباح لا يمكن نكرانها، وأحداث أخرى ادعتها إسرائيل مشكوك في حصولها كقطع رؤوس الأطفال وحرق المحتفلين واغتصاب النساء، واعتبرت أيضا ان كل ما تقوم به هو للدفاع عن نفسها وهذا مرفوض بحكم القانون الدولي لعدم التناسب في القوة المستخدمة من قبل اسرائيل مقارنة بالعذر الذي تتكئ عليه. كذلك طلبت إسرائيل من المحكمة رفض الطلب المحال اليها من جنوب افريقيا."
اتفاقية الإبادة الجماعية
واستعرض السفير الفلسطيني بعض الحقائق حول المحكمة الأممية واتفاقية منع الإبادة الجماعية والتي تم إقرارها من قبل الجمعية العامة بتاريخ 9 ديسمبر 1948 مؤكدا ان دولة الاحتلال الإسرائيلي ملزمة ببنود اتفاقية منع الإبادة بصفتها دولة موقعة عليها. تُعرِّف الاتفاقية الابادة الجماعية على أنها: "فعل يرتكب بنية تدمير، كلي أو جزئي لجماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
نقطة أخرى مهمة في هذا السياق يجب باستمرار التنويه لها وعدم إغفالها وهي أن المادة الثالثة - البند الرابع من الاتفاقية يؤكد على ان التواطؤ في ارتكاب الإبادة الجماعية عمل يجب المعاقبة عليه. هذه نقطة مهمة جداً بنفس أهمية اتهام اسرائيل في المحكمة.
وتابع ان العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ضالعة بشكل صريح وعلني، سواء بإمدادات الأسلحة والذخائر التي يقتل بها الفلسطينيون، او في تصريحات الناطقين الإعلاميين الرسمين، أو من خلال استخدامها لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن لعرقلة ومنع إصدار قرار بوقف الإبادة الجماعية الحاصلة. لافتا ان هذه النقطة تدفع بالدول "أعضاء نادي الاحتلال الإسرائيلي" الى التواصل بالتاكيد مع قضاة المحكمة بكل الوسائل لحثهم على عدم إدانة اسرائيل.
ضغوط على القضاة
واشار الى ان هناك احتمالية كبيرة جداً بأن هناك ضغوطاً هائلة تمارس على القضاة بهذا الخصوص. علينا أيضا ان لا نغفل أن رئيس المحكمة السيدة جون إي دونوغيو هي ابنة وزارة الخارجية الأميركية ونأمل ان تُعلي السيدة دونوغيو لغة العدالة على رغبات الإدارة الأمريكية الإسرائيلية.
وحول اذا كانت جلسات المحكمة من شأنها ان توقف الحرب على غزة قال السفير ابو شاويش ان المحكمة لن تخلص الى حكم قاطع ونهائي في المدى المنظور فيما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، فهذا يحتاج وقتاً طويلاً قد يستغرق سنوات بغرض جمع الأدلة وتقديم البينات وغيرها من إجراءات قانونية معقدة، ولكن ما دفعت به جنوب إفريقيا ايضاً أمام المحكمة هو اتخاذها - أي المحكمة - لإجراءات عاجلة Provisional measures وإصدار قرار بشكل عاجل يطلب من إسرائيل وقف الحرب، المذبحة، الابادة الجماعية.
واشار الى ان إسرائيل من جانبها وعلى لسان رئيس وزرائها اعلنت صراحة أنه مهما كان شكل القرار الصادر عن المحكمة فإنها لن توقف الحرب، وأنها ستستكملها حتى تحقيق أهدافها. إسرائيل تعلم أنه وفي حال إصدار المحكمة إجراءاً مستعجلاً بوقف الحرب، فلن تلتزم به وسيتم ترحيله إلى مجلس الأمن للنظر في إمكانية تطبيقه، وفي هذه الحالة فإن عصا الفيتو الأمريكية كفيلة بتعطيل مجلس الأمن؛ المشلول اصلا، عن الاضطلاع بالمهام المنوطة به وعلى رأسها حفظ السلم والأمن الدوليين.
وأكد انه حتى الآن لا تزال الإرادة الدولية الفاعلة أبعد ما تكون عن عمل ذلك، وعلينا أن نتذكر أن الإدارة الأمريكية ومنذ ثلاثة أشهر لم تستطع إجبار "أزعر" واحد فقط المسمى وزير المالية على تحويل أموال المقاصة الفلسطينية، والتي يفترض أنها خطوة لا تحتاج أكثر من تمرير قصاصة ورق للإسرائيليين: أعطوا الفلسطينيين أموالهم. وقال نحن على يقين انه بدون إرادة دولية حازمة وحاسمة، وأقصد هنا الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الراعي الرسمي للإبادة الجارية، بإطلاق صافرة النهاية للحرب فإننا بحاجة الى تدخل إلهي لإيقافها.
ام الجرائم
وقال تبقى أهمية الموضوع في التراكم القانوني لصالح الجانب الفلسطيني، فاذا أُدينت إسرائيل بارتكابها "ام الجرائم" حتى لو بعد سنوات، سيترتب على ذلك الكثير من التبعات القانونية والمحاكمات لا سيما للقيادات السياسية والعسكرية التي حرضت وارتكبت بالفعل الإبادة الجماعية، وكذلك المتواطئين وهم كُثر. فيما ستبقى إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال تزداد عزلة "قانونية على الأقل" هي وداعميها، وتزداد الهوة بين الملتزمين بقوة المنطق والقانون الدولي و"عصابات البلطجية" المستظلين بمنطق القوة. وهذا أيضاً سيضيف دليلاً قاطعاً وجدياً لدول الجنوب على أهمية أن تتبني نظاماً دولياً متعدد الأطراف والأقطاب غير هذا الذي نعيش فيه والذي جلب الخراب والدمار للملايين حول العالم.
وختم بالقول "مهما كان حكم المحكمة فَجَّر اسرائيل للمحكمة نفسها؛ كما الحرب على غزة نفسها، نقطة فيصلية أخرى في التاريخ الإنساني."
[email protected]
أضف تعليق