خطوة إضافية لرصيد الدراما التلفزيونية السعودية، يحققها مسلسل "جريمة قلب" عبر تلك الخلطة الذكية الثرية التى قدمها العمل، وهو يمزج اتجاهين في عمل سيُشكل خطوة متقدمة ونهج ستعمل عليه الدراما السعودية والخليجية للانطلاق في فضاءات متجددة.
الخلطة هنا نتاج تعاون سعودي - تركي تحت مظلة "صدف للإنتاج الفني"، سبقها تجربة إنتاج عمل سعودي تم إنتاجه وتصويره في إسطنبول، أتاح لـ"صدف" وفريقها برئاسة المنتج حسن عسيري، الاطلاع على تجارب وفتح آفاق تعاونيات جديدة.
تجربة "جريمة قلب" يمكن أن تُجرى أحداثه في أي مكان، وتمت معالجته باحترافية عالية لسعودته عبر كتابة لصيقة بالمجتمع السعودي، وإخراج احترافي، وحضور مجموعة من الكوادر التى يمثل بالنسبة لبعضها إعادة اكتشاف لقدرتها الفنية، منها الفنانة السعودية إلهام علي، التي تذهب إلى منطقة جديدة في مسيرتها، ستمنحها الفرصةلتقمص شخصيات ظلت بعيدة عنها لسنوات طويلة.
قصة متماسكة
المحور الدرامي يتحرك حول حكاية الصديقات الثلاث "ريتال"، و"سيدرا" و"أبرار" اللواتي ينطلقن في رحلة مشي أو تسلق بالجبال، وتشاء الظروف أن تتشاجر "ريتال" مع "أبرار" فوق قمة إحدى الصخور، فتسقط الأخيرة مضرجة بدمائها، وتحقق الشرطة في الأمر، وتدعي كلا من "ريتال" و"سيدرا" بسقوطها عن طريق الخطأ، ولكن التحقيقات حلقة بعد أخرى تكشف لنا الكثير من الحكايات والأسرار.
في لعبة ذكية وسيناريو محبك يمارس توجية الاتهام لهذه الجهة أو تلك، ويجعل المُشاهد يتورط في لعبة البحث، وكأنه جزءاً من الحدث بل هو كذلك، لأن الكتابة والتقمص والإشارات كانت تعصف بالمشاهد لتنقله من شخصية إلى أخرى فترة الاتهامات توجه للمحامي وأخرى لهذه الشخصية أو تلك، في تماسك وثراء وتحليل لجميع الشخصيات حتى الهامشي منها.
القصة كتبها فاروق الشعيبي، وتعاون على صياغة السيناريو الثنائي سما تانسي وسونا تانسي، في كتابة ذكية وشخوص محددة زادها تركيزاً على التحليل، والاقتراب من كل شخصية وسرد أغوارها ونبضها الإنساني وأهدافها وتطلعاتها.
ومنذ اللحظة الأولى تبدو الاتهامات مشرعة على جميع الأبواب والشخصيات التى تمثل شرائح اجتماعية متعددة تتحرك بإيقاعات متباينة، ولا شيء هامشي حتى الشخصيات البعيدة نراها تذهب إلى الضوء ولعبة الاتهام، وإن ظلت بعض الشخصيات هي المحور التى تُحرك الأحداث وتجعلنا نوجه أصابع الاتهام إليها، بانتظار الحقيقة التى نتركها للمُشاهد دائماً، "فنحن هنا لسنا رواة أو حكواتية بقدر ما نعمل على التحليل".
لعبة ذكية محبكة متماسكة، عمل عليها فريق عمل ومن قبلهم الجهة الإنتاجية التى آمنت جميع الظروف والخدمات الإنتاجية، مع التأكيد على أهمية الثقة الكبيرة والإيمان بقدرات نجوم العمل من الفنانيين السعوديين، وإن ظل العنصر النسائي هو الأكثر حضوراً وبصمة في إثراء هذا العمل وإنجازه.
بل نستطيع القول بأنه "جريمة قلب" يمثل خطوة هامة في ترسيخ حضور الفنانة السعودية، بهذا المستوى الرفيع من الأداء الذى يقترب من الاكتشاف لعدد من الأسماء.
شخصية نابضة وحيوية
خلف التجربة يقف المخرج هاكان أرسلان، الذى أدار الدفة بلا تكلف وبلا مبالغة عبر حلول بصرية سهلة، ومقدرة على إدارة فريق العمل والارتفاع بقدراتهم الإبداعية واستثمار التقنيات الفنية، والمؤثرات البصرية في عدد من المشاهد، مما منح التجربة عمق وبعد وقيمة.
ولا يمكن تجاوز مدير التصوير أومير يلماز، الذى قدم مشاهد بصرية عالية الجودة امتزجت بها الإضاءة وبالظلال وبالزوايا، وأيضا بحضور الشخصيات وتحليلها.
أمام الكاميرا كوكبة من الفنانين السعوديين، منهم إلهام علي، ولبنى عبد العزيز، ومحمد علي، وفاطمة الشريف، وغادة الملا، وسارة الجابر، وعزيز بحيص، ووائل غازي، وأسماء الفهد وغيرهم.
الفنانة إلهام علي، تذهب إلى منطقة إضافية في رصيدها، بل تتجاوز كل ما قدمته من قبل، والذى يكاد يقترب من شخصيتها حيث الهدوء والبساطة إلى شخصية لم تعشها من قبل ولا تقترب منها، شخصية متغيرة متفاعلة نابضة حيوية صاخبة بكل الأحاسيس من الشك إلى الغيرة، مروراً بالقلق والتوتر لتجعل الشخصية محور أساسي، في مواجهة أداء عال آخر من قبل الفنانة لبنى عبد العزيز، التى تنتقل من التقديم التلفزيوني إلى التمثيل، ويمثل هذا العمل وتلك الشخصية إناء من الذهب لإيصالهما إلى أكبر شريحة من المشاهدين في العالم العربي، عبر منصة "شاهد" وهي بلا أدنى شك المنصة الأكثر انتشاراً.
مسلسل "جريمة قلب" ليس مجرد مسلسل تقليدي يتم مشاهدته وتجاوزه، بل هو أبعد من كل ذلك، إذ يمثل نقلة في مسيرة الدراما السعودية التى تُحلق بعيداً في هذه المرحلة من تاريخها ومسيرتها، وهكذا الأمر على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل وبقية مفردات الحرفة الإبداعية التلفزيونية.
[email protected]
أضف تعليق