هنالك شيء واحد في هذه البلاد يحصل بوتيرة أسرع من جرائم القتل في المجتمع العربي، شيء واحد فقط، وهو القوانين واقتراحات القوانين العنصرية والتصريحات العنصرية، وزير القضاء ليفين يخرج ليقول أنه ومن الأسباب التي تدعو لضرورة تغيير تركيبة القضاة في المحكمة العليا، هو أن العرب يأتون للسكن في بلدات يهودية، واليهود يخرجون هربًا من هذه البلدات، ولا يوجد قضاة في العليا يدافعون عن هذا الأمر. ثم يأتي أعضاء من الائتلاف الحاكم ويقترحون قوانين ومخططات جديدة، منها توسيع "قانون لجان القبول" بما يشمل المزيد من بلدات داخل إسرائيل ومستوطنات في المناطق المحتلة، بحيث يسري على البلدات الجماهيرية التي يصل عدد السكان فيها إلى 1000 عائلة، بدلا من 400 عائلة بموجب القانون الحالي. وبموجب نفس الخطة، سيتم تخفيض أسعار الأراضي المخصصة للبلدات اليهودية في الجليل، في محاولة لاجتذاب المزيد من شباب وعائلات اليهود للسكن والبقاء فيها.
"نحن نتحدث عن قانون في غاية الخطورة وبسهولة سيتم تطبيقه، ووفق هذا القانون فإن الحديث عن ألف بلدة، تعتبر مستوطنات صغيرة، سيسمح بأن تسكن فيها ألف عائلة أو أكثر، ألف عائلة لألف بلد يعني مليون عائلة، يعني نحو 5 مليون إسرائيلي، سيسكنون في ألف بلدة، لا يسمح بأن يكون أي عربي واحد بينهم" يقول البروفيسور يوسف جبارين، المحاضر في كلية الهندسة المعمارية في التخنيون، ويضيف "هذا أمر لا يوجد له شبيه في أي مكان بالعالم، ونحن نتحدث عن مستوطنات في مجالس إقليمية مساحتها تشكل 83% من مساحة دولة إسرائيل، هذه الحكومة تقول أن هنالك لجان قبول اليوم في نحو 600 بلدة، في هذه البلدات الـ600 لا يسمح أن يسكن العرب، والهدف المركزي هو توسيع صلاحيات للجان قبول في بلدات اكبر، تخيلوا لو أن قانونًا مماثلًا صدر في المانيا، يمنع سكن اليهود في ألف بلدة؟ هذا بالإضافة للمخطط الحكومي لإقامة 22 بلدة يهودية في النقب، على أراضي عربية لأهل النقب، متنازع عليها حتى الآن. هذا ناهيك عن مخطط آخر في مجدل شمس والذي بموجبه تم مصادرة 400 دونم وقف درزي في جبل الشيخ للتحريش، بمعنى أن هذه المشاريع في كل المناطق في البلاد، هل تفهمون عن أي مخطط ديمغرافي يتحدثون؟ حتى في نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا لم تكن هنالك قوانين كذلك، لم يصدر أي قانون بموجبه يمنع سكن السود في الف بلدة، ونحن هنا في بلادنا التي ولدنا فيها، نصل إلى أنه أنه يسمح لنا بالسكن في غيتوهات عربية بائسة مليئة بالعنف وبلا خدمات أو في مدن كبيرة فقط. هذا أكبر خطر وجودي علينا، أننا وأولادنا وأحفادنا، لا نستطيع أن نسكن حيثما نريد، ونمنع من السكن في معظم المناطق في البلاد".
رائحة أبرتهايد
لكن السؤال، هل ستنجح هذه المخططات؟ تحاول إسرائيل تهويد الجليل منذ قيامها، ولا تنجح كما تريد، رغم كثرة المشاريع ورغم حجم الاستثمار، ومن أبرز المشاريع، كانت مدينة نتسيرت عيليت، أو نوف هجليل بمسماها الحديث، والتي رغم أن الهدف من إقامتها كان إقامة مدينة يهودية في وسط تجمع البلدات العربية، الناصرة والقرى المجاورة بها، إلا أن هذه المدينة تجد نفسها اليوم بعد 67 عامًا على تأسيسها، مدينة مختلطة، ثلث سكانها من العرب "حتى ضمن كود وزارة الداخلية، أصبحت نوف هجليل اليوم مدينة مختلطة، والعرب هم ثلث ساكنيها، رغم أنه ووفق السجلات الرسمية، فإن نسبة العرب هي 29%، لكن كما تعلمون هنالك العشرات من العائلات التي تسكن في نوف هجليل وما زالت مسجلة في بلدتها الأصلية" وفي ما يقوله د. رائد غطاس، عضو بلدية نوف هجليل من القائمة المشتركة، وهو عضو في الائتلاف ويترأس عدة لجان، ويضيف معقبًا على تصريحات وزير القضاء يريف ليفين: "وزير القضاء بدل أن يكون المدافع عن الديمقراطية، يطلق مثل هذه التصريحات العنصرية والتي تفوح منها رائحة الأبرتهايد، ويصبو من خلالها لمؤسسة هذه الروح العنصرية قانونيًا وتعيين قضاة في العليا يؤيدون هذا الفكر" أضاف د. غطاس "من قال أن نتحدث عن هجرة العرب إلى البلدات اليهودية؟ غالبًا هذه عودة، فنوف هجليل مثلًا أقيمت على أراض عربية مصادرة، والسكان العرب سكنوا فيها غالبًا بسبب تضييقات الدولة وعدم السماح لقراهم وبلداتهم بالتوسع، وهذا هو الحال مع معظم البلدات "اليهودية" التي يتوافد عليها العرب للعيش فيها بالسنوات الأخيرة، فرغم عدم وجود خدمات كافية في البلدات العربية، معظم الناس يفضلون البقاء في بلداتهم، لكن السلطات الإسرائيلية لا تسمح بتوسع هذه البلدات ".
ويعتقد غطاس أنه في نوف هجليل بالذات، هنالك 4 أنواع من السكان العرب، وقد قام بنشر مقال حول الموضوع قبل 12 عامًا، إذ يقول: "يمكن تقسيم العرب في نوف هجليل إلى 4 مجموعات، الأولى هي السكان الأصليين الموجودين في حي كراميم، حيث كان هذا الحي قائمًا قبل إقامة المدينة وكان تابعًا للناصرة والرينة، الثانية والتي تشكل الأغلبية العظمى هي شريحة السكان الذين قدموا إلى نوف هجليل بسبب التضييقات في الناصرة أو في قراهم المجاورة، حيث لم يستطيعوا البناء هناك او لم يعطهم البنك قروض الإسكان الكافية في بلداتهم فتوجهوا لشراء منازل وشقق في نوف هجليل. والمجموعة الثالثة وهي التي بحثت عن مدينة عصرية ومتطورة، وهذه مجموعة غالبًا في مستوى اجتماعي اقتصادي عال، أما المجموعة الرابعة فهي شريحة من الضعفاء، غالبًا من النساء، أمهات معيلات وحيدات، تركن قراهن وعائلاتهن بسبب التدخلات الاجتماعية، وقررن السكن في نوف هجليل".
مدينة مختلطة، حقًا؟
ثلث المدينة من العرب، هذه نسبة عالية جدًا، تضاهي نسبة العرب في عكا، وأكبر نسبتهم حيفا وفي اللد وفي الرملة، ولكن هل يشعر العرب بأن نوف هجليل فعلًا مدينة مختلطة؟ هل غيرت هذه النسبة من الطابع اليهودي لنوف هجليل؟ تجيب سُلافة سليمان بلال "نعيش في نوف هجليل منذ نحو 20 عامًا، ولا يزال الشعور كما هو، أننا نعيش في بلدة يهودية، لا يوجد أي شيء يشعرنا أن المدينة مختلطة، أن للعرب مكانًا فيها، لا مركز جماهيري (باستثناء الذي في حي الكراميم) ولا فعاليات تستحق الذكر في المراكز الجماهيرية، ولا مدارس، ولا احتفال بمناسباتنا على مستوى المدينة، الاحتفالات تكون محدودة وفي منطقة عربية، باستثناء ان العرب يصوتون في الانتخابات، وأنهم يعيشون ويتواجدون جسديًا في أحياء المدينة، لا شيء آخر يدل على أنها مدينة مختلطة".
"لم أسمع مثلًا عن صداقات وعلاقات بين جيران عرب ويهود، رغم أن هنالك عائلات عديدة تعيش في ذات المباني، غالبًا يكتفي الطرفان بتبادل التحية في الصباح، وهذه أيضًا حسب المزاج، حتى في أحداث أيار 2021، صحيح أن نوف هجليل لم تشهد أحداث عنف لكن هذا بسبب أن العرب واليهود هنا قرروا بأن تترك كل جهة غضبها في داخلها وتدير وجهها عن الأخرى، ولأن معظم سكان نوف هجليل اليهود وخصوصًا مثلًا حي هار يونا، هم من الروس أو من الكبار في السن والمستضعفين. وليس لأنهم يعيشون في ودّ ومحبة، لكن باعتقادي أن الواقع سيفرض التغيير، نسبة العرب ترتفع عامًا تلو الآخر، وبناء مدرسة سيكون أمرًا لا بد منه، وهذا ألزم الجهات المختصة بتفعيل برامج مؤخرًا مثل برنامج "بستان"، ولكن هذا أيضًا لا يعزز من العلاقات بين اليهود والعرب، نحن نشعر حتى أن اليهود المقتدرين يرحلون للعيش في بلدات مجاورة مثل تسيبوري، ويبقى الفقراء والضعفاء في نوف هجليل".
في نوف هجليل، ينشط في الأعوام الأخيرة، مشروع يدعى "بستان" وهو واحد من مشاريع قليلة جدًا تهدف إلى تعزيز الحياة المشتركة بين العرب واليهود، خلاله يتم تنظيم فعاليات ونشاطات في مجالات مختلفة، ويشارك به العشرات من السكان العرب واليهود معظمهم من البالغين، أحلام دانيال من الناشطات في هذا المشروع، تنظر إليه بإيجابية كبيرة لكن رغم ذلك تقوم أنها لا تشعر بوجود حياة مشتركة حقيقية في المدينة، أو أن الحديث يدور فعلًا عن مدينة مختلطة: "أنا من سكان هذه المدينة من الأساس، من سكان حي كراميم، ولم اختلط من قبل مع اليهود من سكان المدينة كثيرًا، ولكن عندما انتقلت إلى حي آخر، وبدأت بالتواصل أكثر مع المواطنين اليهود، ثم بدأت في النشاط بمشروع البستان وأنشط في مركز גישור وأحيانًا نقوم بحل إشكاليات بين عرب ويهود، ولكن هذا لا يعني أنني أشعر بالتعايش، أسكن في بناية بمعظمها من اليهود ولا أشعر أن هنالك علاقة جيران بيننا، مجرد تبادل تحية، أشعر بوجود التعايش فقط خلال نشاطات مشروع "بستان"، هذا لأن الأشخاص الذين يشاركون فيه يكون لديهم الميول نحو التعايش، رغم تحفظاتنا أحيانًا على بعض الأمور لكن استماع كل طرف للآخر، أمر جيد وايجابي باعتقادي، و"البستان" هو مشروع لسكّان نوف هجليل ويهدف لإقامة حياة مشتركة في المدينة ينظم فعاليات ونشاطات في مختلف المجالات طوال أيام السنة.
تغييرات ايجابية
د.غطاس يؤكد أيضًا أن الحياة في نوف هجليل ليست فعليًا حياة مشتركة لكنه يرى بأن التغييرات الإيجابية التي حصلت بالسنوات الأخيرة تستحق الذكر: "لا استطيع أن أقول أن العرب اليهود في هذه المدينة يعيشون معًا، كل فئة تعيش لوحدها، حتى في مجال الخدمات، في المراكز الجماهيرية مثلًا، هنالك مركز جماهيري واحد للعرب في حي كراميم، وباقي المراكز كلها لليهود، ومؤخرًا بدأت البلدية بتنظيم بعض البرامج العربية فيها، وبدأت بإدخال الكتب العربية إلى المكتبات العامة، ونجحنا بإدخال اللغة العربية على موكيد الخدمات مثلًا. هنالك تقدم، أعيش في هذه المدينة منذ عام 1986، وأقول أن التقدم الذي طرأ لا يمكن تجاهله، لم نعد نرى لافتات لأشخاص لا يريدون بيع بيوتهم للعرب مثلًا، والمدينة لم تشهد أحداث عنف في أيار 2021 كالتي حصلت في كل المدن المختلطة، لكننا بعيدون جدًا عن واقع الحياة المشتركة الذي نصبو إليه".
سلافة سليمان بلال انتقدت القائمة العربية في نوف هجليل وقالت أنها قبلت الدخول للائتلاف رغم رفض رئيس البلدية رونين بلوت إقامة مدرسة عربية، وأن بلوت لا يرى العرب ولا يفكر بهم، هو يطور المدينة فحسب، والعرب بالنسبة له هم خزان من الأصوات".
انجازات
القائمة العربية في نوف هجليل، موجودة داخل الائتلاف، وهي بالمناسبة تدعى القائمة المشتركة وشكلت نموذجًا ناجحًا تعملت منه الأحزاب العربية على المستوى القطري بسبب تشكيلتها المكونة من مواطنين عرب من مختلف التيارات السياسية، يقول د. غطاس حول عمل القائمة: "بلا شك حققنا كقائمة عربية إنجازات معينة وفرضنا واقعًا جديدًا لا يمكن فيه تجاهل الأقلية العربية في المدينة، نترأس عدد من اللجان، ود. شكري عواودة هو نائب رئيس البلدية (نائب بدون أجر)، ولكن رغم ذلك، ما زلنا غير راضين عن الوضع الحالي لأننا نبحث عن مساواة كاملة، والمساواة غير موجودة، يكفي أنه لا توجد مدرسة للأطفال العرب، سنسعى في الانتخابات القريبة أن نضع هذا الأمور ضمن شروطنا الأساسية، والهدف هو افتتاح مدرسة عربية للصف الأول في بداية العام الدراسي 2024\2025، ليس لدينا وعود مكتوبة بذلك لكن يوجد تفاهمات معينة".
وفي الوقت الذي تنتقد فيه المواطنة من نوف هجليل، القائمة العربية لعدم إصرارها على إقامة المدرسة منذ سنوات، يعتقد البروفيسور جبارين أن القيادات العربية على المستوى القطري تتحمل جزء من مسؤولية ما وصل إليه المجتمع العربي اليوم من ركود أمام هذه القوانين والممارسات العنصرية "القيادات العربية على الاطلاق فشلت في توحيد المجتمع العربي ليقف في وجه هذه المخططات العنصرية، في آخر مرة وقف المجتمع كان ضد مخطط برافر، اليوم ليس لدينا أي مسار منظم ضد هذه القوانين العنصرية التي تُقترح وتصدر كل يوم".
د. غطاس أنهى كلامه بأن الأمور تتغير وفق ما يفرضه الواقع، كما حصل في نوف هجليل، وغطاس في الأساس من سكان الرامة، بجانب كرميئيل، يعتقد أن كرميئيل تتجه لأن تكون نوف هجليل ثانية " كرمييئل تتحول شيئا فشيئًا إلى مدينة مختلطة، وغالبًا أساس توجه العرب للسكن فيها ذاتها أسباب توجه العرب للسكن في نوف هجليل، وكرميئيل بالذات تعتمد اقتصاديًا على العرب بشكل كبير، وهذا دفع نحو تراجع العنصرية بعض الشيء".
[email protected]
أضف تعليق