يتساءل كثيرون: كيف تحافظ مؤسسة قديمة يمتد عمرها قرونا -مثل العائلة الملكية البريطانية- على سمعتها وعلاقتها الطيبة بالشعب على مر العصور؟
ويجيب خبراء بأن الأمر يعود إلى توسيع قضايا واهتمامات أفراد العائلة وانخراطهم في العمل المجتمعي، بالإضافة إلى دورهم الحكيم في إنشاء دولة حديثة تديرها ملكية دستورية.
ولكن قبل أكثر من 60 عاما، أجرت العائلة المالكة بعض التعديلات على طريقة مخاطبة العامة، وظهور الملكة العلني والرسمي أمام العالم، بسبب انتقادات وجهها شخص ينسب له الفضل اليوم في استمرار نجاح العائلة الملكية البريطانية، وجعلها ضمن أكثر المؤسسات شعبية في عصرنا الحديث.
نجاة العائلة المالكة
اللورد ألترينشام، الذي عُرف لاحقا باسم جون غريغ بعدما تنازل عن لقبه عام 1963، كتب في أغسطس/آب 1957 مقالا لاذعا، كان الأول من نوعه في ذلك الوقت، حيث انتقد فيه العائلة المالكة البريطانية في صحيفة "ناشيونال آند إنغليش ريفيو" الثقافية التي كان يشرف على تحريرها.
كان اللورد ألترينشام رجلا مثقفا درس في كلية "إيتون" المرموقة وجامعة أكسفورد، وكان يعتقد أن مقاله المذكور يحمل طبيعة "بنّاءة"، لكنه تسبب في انقسام الجمهور بين مستنكر ومؤيد.
ومن بين الأفكار التي تناولها في مقاله، قال ألترينشام إن أسلوب "الملكة إليزابيث وطريقة حديثها للعامة في خطاباتها الرسمية تسبب ألما في الرقبة"، حسب تعبيره، وقال إنها غير قادرة على التفكير من دون تلقين من أحد المستشارين، وأضاف أنها كانت تتمتع بشخصية "فتاة المدرسة المتعصّبة".
وللتخفيف من الضربات التي وجهها في تقريره الصادم، الذي صدر في وقت لم تكن تمتلك فيه الصحافة أو وسائل الإعلام البريطانية القدرة على الحديث بهذا الشكل عن أفراد العائلة الملكية ورأس مؤسستها، أضاف أنه "ليست لديه نية سوى خدمة الملكية وتقويتها وتمكينها من البقاء والاستمرار"، ملخّصا أفكاره في قوله "إنها مؤسسة ثمينة جدا بحيث لا يمكن إهمالها. وأنا أعدّ القبول الذليل لأخطاء المؤسسة شكلا من أشكال الإهمال".
وحين سُئل -بعد سنوات- عن المقال في فيلم وثائقي على القناة الرابعة البريطانية، قال إنه "كان صادما في الخمسينيات، إذ لم يكن يمكن حينها قول كلمة واحدة ضد العائلة المالكة، ناهيك عن الملكة". وأضاف أنه كان مؤمنا قويا بالملكية الدستورية، لذا فإنه عدّ انتقاداته "مُخلصة".
موجة عارمة من السخط والصدمة
عقب نشر مقاله، أجرى ألترينشام مقابلة تلفزيونية على قناة "آي تي في" (ITV)، أوضح فيها أفكاره حول العائلة المالكة، ولم يندم أو يعتذر عن انتقاداته، بل تمسّك بها.
وقال اللورد في المقابلة متحدثا عن الملكة "أشعر بأنه لا يُسمح لها بالظهور على حقيقتها. هي نوع من المخلوقات الاصطناعية التي تتحدث فقط، لكنها ليست الملكة بشخصيتها الحقيقية. إذا سُمح لها بالتحدث عن نفسها فعلا فسيكون التأثير رائعا".
المقابلة المدوية -بعد تقريره الصادم- دفعت عددا من الجماهير إلى التجمع أمام الأستوديو الذي كانت تُجرى فيه المقابلة، وأثناء خروجه من البناية صفعه أحد أعضاء اتحاد "الموالين لعصبة الإمبراطورية".
ورغم أنه كان ذا خلفية سياسية محافظة، وادعى أنه كان يحمل مصالح الملكية في قلبه، فإن كلام اللورد ألترينشام أثار الكثير من الانتقادات؛ فهاجمه رئيس أساقفة كانتربري جيفري فيشر، وكذلك فعلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، ووُصف بأنه مخرّب وجمهوري، واستُبعد من الظهور على شاشة "بي بي سي"، كما طالب دوق إنجليزي بشنقه "على فعلته".
تأثير الانتقادات يصل إلى قلب القصر الملكي
وصل تأثير الانتقادات إلى داخل القصر، حيث أدرك البعض أن هناك حقيقة بارزة في ما قاله ألترينشام. وفي غضون يومين من الضجة، تم الاتصال بالمثقف الصريح عبر صديق مشترك لترتيب لقاء خاص بينه وبين مارتن تشارتريس السكرتير الخاص المساعد للملكة.
وبعد 30 عاما، وخلال اجتماع سياسي علني في كلية "إيتون" الراقية، قال تشارتريس لألترينشام "لقد قدمت خدمة رائعة للنظام الملكي، ويسعدني أن أقول ذلك علنا أمام الجميع".
وكان ذلك لأن العلاقات العامة للملكة وضعت في الاعتبار ما قاله ألترينشام عن الملكة، والطريقة التي يجب أن تخاطب بها رعاياها. وتم في النهاية تنفيذ اثنتين من توصيات اللورد ألترينشام لتحسين النظام الملكي؛ إحداها تثبيت الملكة لرسالتها السنوية بمناسبة عيد الميلاد على شاشة التلفزيون حيث تخاطب الجماهير مباشرة، وهو التقليد التي اتبعته حتى آخر عام من حياتها.
كما تم إلغاء حفلات تقديم السيدات للمجتمع الراقي، أو ما كان يُعرف باسم (Debutante Parties). وكانت تلك الحفلات الرسمية التي يعود تاريخها إلى القرن 18 تقريبا، وتتم بحضور الملك والأمراء والشخصيات الأبرز، وتهدف في الأصل إلى أن تكون وسيلة يمكن من خلالها تقديم الشابات المؤهلات للزواج لشركاء حياة محتملين من المجتمع الراقي.(الجزيرة)
[email protected]
أضف تعليق