صحيح أن حالة النساء في المجتمع العربي في تحسُّن، لكن وتيرة هذا التحسُّن بطيئة، بل بطيبئة جدًا. بعد شهر المرأة بقليل، خرجنا لنختبر الوضع في الميدان، وحاولنا أن نفحص ما إذا كان بالإمكان تغييره، وكيف يمكننا القيام بذلك.
المعطيات التي نُشِرت قبل بضعة أشهر تبيِّن صورة مؤسفة. %45 فقط من النساء العربيات يشاركن في سوق العمل، ووفقًا لجهات مهنية، هذا المعطى أقل في الواقع أيضًا. العوائق البنيوية هي بلا شكّ عامل يؤثر جدًا على خروج المرأة العربية إلى العمل. البعد المادي والثقافي عن مناطق العمل، نقص الأطر المخصصة لسن الطفولة المبكرة، المواصلات العامة غير المتاحة دائمًا - كل هذه العوامل تشكّل تحديًا كبيرًا أمام المرأة المعنية بالخروج إلى العمل.
لكن هناك عوائق أخرى تمنع النساء من الانخراط في سوق العمل والتقدّم فيه. العائق الجندري يؤثر كثيرًا على قرارات النساء، لا سيّما النساء المتدينات. الخوف من أن مكان العمل لا يتقبّل التوازن الذي تحتاج إليه المرأة من أجل التوفيق بين حياتها الشخصية كأم وحياتها المهنية كموظفة. بالإضافة، بعض النساء يفتقرن إلة المهارات التي تساعدهن على النجاح والتقدم، بالأخص الثقة بالنفس والإيمان بقدراتهن.
برنامج "المرأة الرياديّة" - برنامج مشترك بين وزارة العمل وجمعية "بعتسمي"
وفي هذا السياق، يدخل إلى الصور برنامج "المرأة الرياديّة" - برنامج مشترك بين وزارة العمل وجمعية "بعتسمي". يعمل البرنامج منذ عام 1996، وشاركت فيه لغاية الآن آلاف النساء، معظمهن من المجتمع العربي. "النساء اللواتي يشاركن في برنامج "المرأة الريادية" من المجتمع العربي، يصلن إلينا مع كل التحديات والعوائق التي يعاني منها المجتمع، إلى جانب المعايير والقيَم التي نشأنا في داخلها"، تقول نيروز شاهين، مركّزة بيت جن في برنامج "المرأة الريادية". "مهمتنا الأساسية هي توفير كلّ الأدوات لهن من أجل الاندماج والتقدّم في عالم العمل، ومن أجل التغلّب على العوائق والحواجز الثقافيّة والاجتماعيّة".
"جزء كبير من المشاركات في برنامجنا يملكن مستوًى دراسيًا أساسيًا فقط، ولا يعملن أو يعملن في ظروف بطالة جزئية"، تقول ياسين أديب-ملحم، مديرة لواء في برنامج "المرأة الريادية". "يحصلن المشاركات على مرافقة شخصية وجماعية طويلة الأمد، وعلى مرافقة فردية أيضًا. البرنامج يزوّدهن بالأدوات والمهارات المطلوبة لإحداث التغيير المطلوب من أجل الاندماج بنجاح في عالم العمل والتقدّم فيه".
منذ إقامته، أصبح برنامج "المرأة الرياديّة" مطلوبًا بكثرة، بالأخص من قِبل النساء العربيات. الكثير من النساء يصلن إلى البرنامج وهن مقتنعات بأنّهن يرِدن إحداث التغيير، لكنهن غير متأكدات من نوع التغيير الذي يرِدنَه. البرنامج ساعدهن على فهم الاتجاهات والمسارات التي يمكن أن يسلكن بها، وكيف بإمكانهن إبراز قدراتهن ومهاراتهن. أميرة عطيلي هي أفضل مثال على ذلك.
عندما وصلت أمير إلى برنامج "المرأة الرياديّة"، كانت تعلم أنها معنية بالانخراط في سوق العمل
عندما وصلت أمير إلى برنامج "المرأة الرياديّة"، كانت تعلم أنها معنية بالانخراط في سوق العمل بشكل دائم، وبالطريق الأنسب لنمط حياتها المتديّن. لم تعرف في أي مجال من الأفضل لها أن تندمج، لم تكن واثقة كيف تطوّر نفسها، ولم تعرف كيف ستنجح كامرأة متدينة في التوفيق بين الأسرة والعمل. كالعديد من النساء في المجتمع العربي، شعرَت أنه بمقدروها أن تساهم بشكل أفضل في اقتصاد المنزل، وبالأخص أن تعمل في مجال يعزّز من إمكاناتها وقدراتها. انضمّت إلى برنامج "المرأة الرياديّة" من جمعية "بعتسمي" وكانت تعمل بوظائف مؤقتة ومتغيّرة لكسب الرزق. خلال السيرورة التي خاضتها في البرنامج، حصلت على وظيفة ثابتة بنسبة %50، وفي نفس الوقت قررت أن تبدأ خطواتها في فتح مصلحة مستقلة.
"كانت أميرة ملتزمة جدًا بالسيرورة، شاركت في كل لقاءات الورشات وفي المرافقة الفردية. التغيير الذي مرّت به كان سريعًا جدًا"، تقول نيروز شاهين ، مركّزة بيت جن. "في أعقاب اللقاءات، اتخذت قرارًا بالاستمرار في وظيفتها الحالية، لكنها بدأت في نفس الوقت بإجراءات فتح مصلحة مستقلة في مجال المستحضرات الصحية والطبيعية، وكان شعارها "من يملك الصحة، يملك كل شيء".
"تقدّمت أميرة خطوة تلو الأخرى. فحصت مقترحات سعر عديدة، وقامت ببناء شبكة اجتماعية. وتضيف نيروز شاهين أنّها كانت تحضر كل أسبوع لقاءات برنامج "المرأة الرياديّة" مع مرحلة إضافية في المصلحة". "وفي المرحلة الأخيرة من فتح المصلحة، كانت أميرة ما زالت مترددة وقلقة من المستقبل، لكن الموجِّهة والمشاركات في البرنامج قدّموا لها المساعدة في ترتيب الأمور وتخطيطها بالشكل الأفضل".
اليوم، أميرة هي صاحبة مصلحة ناجحة اسمها "مانغوستين".
اليوم، أميرة هي صاحبة مصلحة ناجحة اسمها "مانغوستين". بدأت العمل كمشتغل معفي، وفي غضون سنة، تطورت من الناحية المهنية وأصبحت مشتغلًا مرخصًا. مؤخرًا، قدّمت رعاية لمناسبة ضخمة بمناسبة يوم المرأة، إذ شارك فيها أكثر من 600 مدعو، كما وشاركت في أسبوع كامل من المناسبات التي أقيمت في المركز الجماهيري بمناسبة يوم المرأة وعيد الأم.
"التغيير الحقيقي يحدث عند تغيير المفاهيم جذريًا"، تقول أميرة عطيلي بنفسها. "النجاحات الصغيرة لا بدّ أن تقود إلى نجاحات أكبر في نهاية المطاف. بفضل برنامج "المرأة الرياديّة"، حوّلت حلمي إلى واقع، وفي نهاية الأمر أحدثت التغيير الذي أريده بنفسي".
"بالنسبة لنا، أميرة هي قصة نجاح"، تقول ياسين أديب-ملحم، مديرة لواء في برنامج "المرأة الريادية". "اكتسبت هنا المهارات، طبّقتها على أرض الواقع وانطلقت نحو النجاح. قوة المجموعة ساعدتها كثيرًا، وفي نهاية الأمر أصبحت قادرة على استخدام المعرفة والمعلومات التي اكتسبتها، وقامت ببناء مصلحتها بأفضل صورة ممكنة".
في هذه الأيام، ما زالت أميرة تُطلِع الجميع على موضوع التنغذية السليمة. تقول عن نفسها إنّها تملك اليوم محفزات عالية، تؤمن بنفسها وبقدراتها، ومرّت بتغيير جوهري على ضوء البرنامج.
[email protected]
أضف تعليق