المرأة لديها قدرة تمكنها من اتقان العديد من الأدوار، وتجتمع بها العديد من الصّفات والمزايا، دورها الأعظم هو تربية الأجيال، فهذا الدور والعمل الكبير له أهمية كبيرة في بناء ونهضة المجتمع، فقد قال الشاعر حافظ إبراهيم: "الأم مدرسـة إذا أعددتها أعددت شـعبًا طيب الأعراق".
ازدهر عمل المرأة في سوق العمل خلال السّنوات الأخيرة، وبحسب البيانات التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، كان معدل المشاركة للنساء العربيات في سوق العمل بالبلاد اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25 و54 عاما حوالي 10% حتى مطلع التسعينيات، ثم ارتفع قليلا ليصل إلى 21% عام 2001، بعد ذلك ارتفعت إلى 37% في العامين 2018-2019، وفي العام 2021 الى 40.5%، وفي العام 2022 الى 43.4%. بالإضافة الى ذلك اصبح دورها كبيرا في المجتمع، بعد أن تقلدت مناصب إدارية في السياسة، الطب، الهندسة الأقتصاد ومجالات كثيرة اخرى…
بالرغم من هذا الازدهار، إلا أن المرأة العاملة خاصة اذا كانت أم، تواجه قدرا كبيرا من الضّغوط، قد يجعل فرصتها في تحقيق التّوازن بين العمل والحياة الشخصية تحديا تحيطه الصّعوبات والمعاناة، علما أنه من المهم جدا أن يكون هذا التوازن لأن ذلك يعد جزءا أساسيا من رعاية المرأة لنفسها وسلامتها النفسية والجسدية، ولتحقيق ذلك عليها التوفيق بين مسؤوليات يوم العمل والحياة الخاصة .
منصب مرموق
أميرة حاصلة على درجات كبيرة من العلم ، تولت منصب اداري مرموق، فهي تريد اثبات نفسها في هذا المنصب لذلك تحتاج الى جهد ووقت كبير كما أن لديها مسؤوليات أخرى في بيتها، ففي بعض الأيام تعمل حتى المساء و تعود مرهقة جدا ولا تستطيع حتى أن تكلّم و تحدث طفلها من شدّة الارهاق، فتخلد الى النوم حتى صباح اليوم التّالي للبدء بيوم عمل جديد مليء بالضغط النفسي و الجسدي، وتقول أنها تنظّم وقتها لكن بالرّغم من ذلك لا يوجد وقت لنفسها فمثلا هي تحب الرياضه كثيرًا لكن وسط هذه الضّغوط لا تستطيع فعل ما تحب حتى في عطلة نهاية الأسبوع فهنالك أعمال أخرى تنتظرها قامت بتأجيلها، تقول بأنها تنتظر ذلك اليوم لتتفرغ لنفسها و تكون مستقلة و تعمل لساعات معدودة.
دلال تعمل في سلك التعليم ، تقول أنها تعيش حالة من القلق و التّوتر عند مساء كل يوم، لأنها تعلم ما ينتظرها في الصّباح من مهام و العمل الصعب والمرهق الذي ستواجهه مع الطلاب، الأهل و المدير، تقول أيضا أنها لا تستطيع استقبال الأقارب والاصدقاء في بيتها لأنها تعود متعبة جدًا من عملها، حيث أنها بمجرد دخولها الى البيت تذهب الى الكنبة وترتاح عليها لمدة ساعتين، ليرتاح جسدها المنهك، ويفرغ عقلها من كل الضّجيج.
بالنسبة لها العمل هو كابوس وكم تتمنى أن ينتهي هذا الكابوس، تقول بأنها تعمل بسبب التزامات مادية جمّة، كما أنها نعاني من بعض الأمراض ، تضيف أيضًا انها كثيرًا ما تكتب وتحضر مواد تعليمية في المساء، وتشعر أن وظيفتها تأخذ حيزًا كبيرًا من حياتها وهذا الاهتمام جديرٌ أن يكون لنفسها وعائلتها.
ارهاق
هالة معلمة قاربت سن التقاعد تقول أن جسمها لا يحتمل هذا الارهاق و التعب، الوظيفة تأخذ كل طاقتها، و بمجرد دخولها الى البيت لا تتواصل مع أي شخص لساعات المساء، تقول بأننا نعيش من اجل الوظيفة ونسينا أهم شيء، ألا وهو العائلة، تضيف أنها لم تستطع أن تكون بجانب والدتها التي توفاها الله وقت مرضها لأنها لا تستطيع التغيب عن عملها، لأن ذلك يغضب مديرها.، تضيف أيضا أنها لا تحب العمل في مهنتها فهي لم تعد تستطيع ، وما يواسيها أنها اقتربت من سن التّقاعد، وتقول ايضا بأنها كثيرًا ما تؤجل زيارة الطبيب من اجل عدم الغياب عن العمل.
سعاد تعمل و تسكن في بلدة بعيدة عن أقاربها مما سبب صعوبة كبيرة و متاعب و مسؤوليات جمّة، فلديها خمسة أولاد بأعمار متباعدة، وطبعًا التربية ليست بالشيء الهيّن وعملها خارج البيت يتطلب الكثير من الطاقات، والكثير من الجهد فهي تنهض من نومها في الخامسة صباحًا وتنام في العاشرة ليلًا، وطيلة هذا الوقت تكون في عمل دائم ولا تجد الوقت لنفسها، كما أن زوجها يساعدها ويقوم بواجباته اتجاه البيت والأولاد، إلا أنه يعمل ايضًا بوظيفة تتطلب تواجده في معظم الأحيان خارج البيت.
رانية صيدلانية في عملها لديها طفلين تقول بأنها لا ترى أطفالها بعد عودتهم من المدرسة ، فهي غالبا ما تعود من عملها الى البيت بعد العاشرة ليلًا وكثيرًا ما يحدث ذلك، كما أنها ترغب في مجالسة أطفالها الذين هم دون السابعة والحديث معهم ذلك بسبب طبيعة عملها المسائي، وما أن تأتي عطلة نهاية الأسبوع تكون مرهقة جدًا، تريد أن ترتاح لكنها للأسف لا تستطيع بسبب أعمال المنزل، وأطفالها ومتطلباتهم واجبها تعويضهم على ما فاتهم خلال الأسبوع.
صعوبات ونجاح
هؤلاء النساء بالرغم من الصعوبات، والتحديات حققن نجاحًا في حياتهن المهنية، لديهن قدرة في تنظيم الوقت، والإلمام بالتحديثات في موضوع تربية الأبناء، لديهن التزامات مادية، لا يستطعن تغيير واقعهنّ، هنّ ينتظرن ذلك اليوم الذي يعشن فيه دون ضغوط نفسية و جسدية، يرتشفن قهوة الصّباح في هدوء ليبدأ يومهن حسب رغبة كل واحدة منهنّ.
الأم العاملة بين حياتهاّ العملية والمهنية تصرف كما هائلا من الطاقات، وللمحافظة على التوازن بين حياتها الخاصة ووظيفتها، أحيانًا تنسى نفسها و العناية بصحتها، لذلك يا سيدتي تذكري دائمًا أن سر النجاح و السّعادة هو مراعاة النفس، وأن لنفسك عليك حقا، فالانسان يحتاج الى قلب سليم وروح مطمئنة، وعلينا أن نسعى لما يجلب للنفس السكينة والطمأنينة والسعادة ويجب علينا أن لا نستهين من قيمة مشاعرنا، وأن نعزز من قوتنا الداخلية ووعينا الروحي، وأن نتذكّر بأن السعادة هي قرار، وأن لا نرضى بحياة ليست فيها حياة...
[email protected]
أضف تعليق