عند تكوين صداقات، عادة ما نبحث عن أشخاص من نفس أعمارنا، على افتراض أنهم سيشاركوننا رؤيتنا للعالم وتجاربنا الحياتية، غير أن البعض قد يفضل تكوين صداقات مع أشخاص من فئة عمرية مختلفة، بحثا عن خبرات أكبر ودراية أوسع بالحياة وتفاصيلها.
ويلاحظ المستشار في الطب النفسي الدكتور أشرف الصالحي، في حديثه إلى الجزيرة نت، أن الأشخاص يرغبون، عادة، في التعلم ممن هم أكبر منهم عمرا والاستفادة من خبراتهم. ويعزو الأمر إلى أن الانتماء إلى مجموعة من الكبار أكثر فائدة، لأنها تعزّز ثقة الشخص بنفسه، خصوصا إذ كانت هذه المجموعة من الفئة العمرية ذاتها. فإذا صادق طالبٌ في الصف السادس طالبا آخر في الصف العاشر، فإنه يتباهى أمام أقرانه بأنه من الفئة التي تعرف أكثر، ولديها ميزات وخبرات مختلفة عن زملائه.
مصادقة الأصغر سنا
في المقابل، فإن "مصادقة من هم أصغر سنا سلوكٌ نجده عند من يعاني القلق النفسي الاجتماعي، إذ يرضى الشخص بالصداقة مهما كان العمر، لأنه أفضل من البقاء لوحده"، بحسب الصالحي، مشيرا إلى أن هذا السلوك نجده أيضا عند الفئة التي تعاني قلة الثقة بالنفس، "إذ يفضل هؤلاء مصادقة من هم أصغر عمرا ليتحكموا فيهم ويسيطروا عليهم، أو حتى تتساوى الثقة بالنفس بينهم".
ويعتقد بأن أفضل أنواع الصداقات هي تلك التي يكون فيها تكافؤ بالعمر العقلي، ولهم الاهتمامات والخبرات ذاتها. لكن ذلك لا يعني أن الصداقات الأخرى دائما خاطئة، إذ ثمة عوامل أخرى مهمة للصداقة، مثل الصدق والإخلاص وتقبّل الاختلاف.
صداقات بفارق عمري
يقول المستشار في الاجتماع الأسري مفيد سرحان "تتكوّن الصداقات، غالبا، من خلال المدارس والجامعات والعمل. وهي تجمع أشخاصا في أعمار متقاربة، إن لم تكن في عمر واحد. فالإنسان يألف الذين يماثلونه ويتقاربون معه في الأخلاق والسلوك والأفكار".
ويشير سرحان، في حديثه إلى الجزيرة نت، إلى أن بعض الناس يصادق من يكبره أو يصغره سنا، لكن مثل هذه الصداقات لا تشكل النسبة الأكبر في عالم الصداقة. ويرى أن نجاح تلك العلاقة بحاجة إلى توافر درجة عالية من النضج والتوافق في الاهتمامات والأفكار والإخلاص المتبادل، وأن تكون العلاقة متجردة من المصلحة المادية والنفاق واستغلال الآخر.
ويلفت إلى أن هناك نماذج ناجحة لأشخاص جمعت بينهم الصداقة، على الرغم من الفارق العمري بينهم، إذ جمع بينهم توافق قيمي وأخلاقي، وكما يقال "صديق المرء شريكه في عقله".
صداقات تثري الحياة
يقول سرحان إن "البعض يرى أن تكوين صداقات من أجيال مختلفة يثري الحياة، فالكبير لديه خبرات متعددة وتجربة ثرية، وهو غالبا ما يتميز بقدر من الحكمة ويجعل الإنسان أكثر واقعية. أما مصاحبة الأشخاص الأصغر سنا، فتمنح الإنسان نشاطا وتجعله يطّلع على معارف جديدة وتحفزه على العمل".
ويوضح سرحان أن اختلاف الأعمار يجعل الشخص يعيش ماضيه ومستقبله، والصغير يأخذ من الكبير التاريخ والتجربة، فيما يرى الكبير في الصغار الزمن الذي عاشه صغيرا، "فالانفتاح على وجهات النظر المختلفة والمرونة ورؤية الأمور من زوايا مختلفة مفيد للإنسان. وربما يحتاج بعض الكبار إلى صداقات مع من هم أصغر سنا، نظرا إلى محدودية علاقاتهم وحاجتهم إلى التواصل مع الآخرين".
التقارب العقلي مهم
ويدلي سرحان بأمثلة عن ذلك، قائلا "يمكن أن تكون صداقات الصغار مع الكبار كما بين المعلم وطلابه، وبين الشقيقين الكبير والصغير، وبين الأب وأبنائه والأم وبناتها. وكذلك الصداقة مع الأعمام والعمّات والأخوال والخالات. وهنالك، أيضا، من يجد متعة وفائدة في مصادقة جده. ومثل هذه الصداقات مأمونة الهدف والغاية غالبا".
أيا يكن، فإن التقارب العقلي مهم في كل الأحوال. غير أن فارق العمر بين الأصدقاء سلاح ذو حدين، فهو من جانب يتيح لكل صديق الاستفادة من ميزات الآخر، ومن جانب آخر يمكن أن يؤثر سلبا على سلوك أحدهما، وفق سرحان، معتبرا أن الفارق العمري بين الأصدقاء بحاجة إلى درجة عالية من الوعي وحسن التربية.
الصداقات والاندماج الاجتماعي
تقول الكاتبة كاثرين إليوت أوداري، أستاذة مساعدة في السياسة الاجتماعية في كلية ترينيتي في دبلن، إن الصداقة بين كبار السن والشباب يمكن أن تعزّز الاندماج الاجتماعي والانتماء، وهي أيضا ممتعة ومثيرة للاهتمام ومفيدة لكلا الطرفين.
وتشير أوداري، في تقرير نشره موقع "ذا كوفرسيشن" (The Conversation)، إلى أن هناك الكثير من الأسباب لتكوين صداقات من جيل مختلف، ومنها:
احتضان الاختلاف وتعلّم الصديقين من بعضهما بعضا: بينما من المحتمل أن تشارك الاهتمامات والقيم والآراء مع صديقك عبر الأجيال، يمكن أن تكون الاختلافات مثيرة للاهتمام ومفيدة أيضا. فقد يكون لدى كبار السن خبرة شخصية، لا سيما في تطوير المهارات و"المعرفة" في مكان العمل وخارجه.
مثل أي صداقة.. إنها ممتعة: المرح والضحك عنصر أساسي في هذه الصداقات، فامتلاك روح الدعابة ذاتها ومشاركة النكات تعزّز العلاقة بين الصديقين اللذين ينتميان إلى أجيال مختلفة وتزيدها متعة.
شبكات دعم جديدة: تعد الصداقة بين الأجيال المختلفة مصدر قوة وغنى، ولكن غالبا ما يتم تجاهل الدعم والرعاية والإدماج بطرق مختلفة عند الصداقات مع الأقران.(الجزيرة)
[email protected]
أضف تعليق