أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا أنّ احدى قواعده العسكرية، والتي تقع في الجولان المحتل، تعرّضت لسرقة كمية كبيرة من الأسلحة التابعة للجيش مشيرًا أنّ الحديث عن 73 الف رصاصة و 70 قنبلة يدوية.

ونشر الجيش بيانًا عسكريًا يفيد بأنه تمت السرقة من قاعدة عسكرية تُسمّى "الصنوبر" من قبل مجهولين، وأنّ فرقا من جهاز الأمن العام "الشاباك" وبالتعاون مع الشرطة تشارك في عمليات التحقيق والبحث عن المجهولين.

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت قواعد عسكرية التابعة لجيش الاحتلال العشرات من سرقات الأسلحة والذخيرة، لاسيما تلك الموجودة في الجنوب ولم تتم متابعة التحقيقات أو اتهام أحدًا بهذه الملفات، الأمر الذي يثير التسؤلات حول مصادر السلاح في مجتمعنا العربيّ.

تشير العديد من الأبحاث في "ائتلاف نساء ضد السلاح" و "سلاح على طاولة المطبخ" إلى أن 90% من السلاح في المجتمع الفلسطينيّ بالداخل منبعه الجيش الإسرائيلي، وهي ذات السرقات التي ذكرناها بداية الخبر، والتي لا يتم التحقيق فيها بشكل جديّ والتوصل إلى السلاح الذي يصل إلى ايادٍ عابثة، مما يحوّل المنظومة العسكرية إلى متواطئة في الجريمة المنتشرة في مجتمعنا العربيّ.

يرتكز التعامل في إسرائيل مع العربيّ على الفرضية التي ترى بالفلسطينيّ العربيّ خطرًا أمنيًّا يجب تشديد السلطة والسيطرة عليه، من جهة أخرى تتجاهل المؤسسة وتُهمل انتشار الجريمة والسلاح في مجتمعنا بل وأيضًا يمكننا القول أنها متعاونة وأن هذا الاهمال متعمّد ومخطّط له، الأمر الذي أكده عدد من الخبراء والباحثين لموقع "بكرا"، والذين يوضحون في السياق: تُهمل الدولة المجتمع الفلسطينيّ العربيّ وتتعامل معه كساحة خلفية للدولة وسياسات. وفق المنظومة السلطوية فأن هنالك ما يسمى بالـ (التجاهل الشرطوي) في غالبية المجالات الحياتية التي تهم المواطن العربي، مقابل (الإفراط الشرطوي) في كل ما يتعلق في التنظيم والنشاط السياسيّ الجماعيّ، ففي ملفات الجريمة والعنف لا نرى أي اعتقالات فيما تفرط الشرطة بقبضتها في الإعتقالات عن الحديث عن ممارسة شباب المجتمع العربي لحقهم في التظاهرة.

عودة إلى ملف سرقة الأسلحة، بتاريخ 23 كانون الثاني 2018، عُيّنت جلسة "للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست"، حيث جاءت جلستها بعد أنّ سُجل في عام واحد فقط ما لا يقل عن 50 سرقة من قاعدة واحدة!. في حينه، حضر الجلسة مجموعة من ضباط الاحتياط، وبعضهم أكّد أن للجيش علاقة مباشرة وغير مباشرة بالتعاون لسرقة هذه الأسلحة وانتشار الجريمة وحتى عبّر بعضهم عن انعدام الثقة في الجيش الإسرائيلي وطريقته في التعامل مع الظاهرة، ليس خوفًا على أرواح العرب ولكن خوفًا من أن تتجه هذه الأسلحة وبحسب قولهم إلى منظمات إرهابية تهدد أمن الدولة.

نلخص بأن الناتج عن هذه السياسات السلطوية والمتعمّدة واقع أليم يشكّل به عالم الاجرام ملاذًا لفئات مختلفة بحيث يتحوّل لمنظومة اجتماعية واقتصادية بديلة للشباب الذي يلجأ لهذه المنظومات بهدف البحث عن طريقة للكسب السريع أو لتمويل مشاريع نظرًا لسوء الخدمات المصرفية والمالية في المجتمع العربي أو تهديدًا من أحد الأطراف الاجرامية سعيًا للحماية نظرًا لغياب توفير الأمن من قبل الشرطة.

متعمد

حول هذا الموضوع، تحدثنا في موقع "بكرا" إلى الناشطة فداء شحادة، والتي تركز عمل "ائتلاف نساء ضد السلاح"، حيث قالت: هذا السلاح موجه للمجتمع العربي ويعزز العنف والجريمة في مجتمعنا، وهناك أكثر من سبب لاعتقادي هذا، فالمعسكرات التابعة للجيش كبيرة ومتاحة، وما يقلقني أكثر أن في كل مرة تحدث سرقات متشابهة لا توجد متابعة للملفات أو التمشيط والتحقيق المناسب، وإذا لم يتم الحدّ من كميات السلاح الموجودة بين الناس فقد نفقد أنفسنا كمجتمع وقد تتغلب منظومة الجريمة على منظومة الأخلاق.

وأسهبت :"بحسب اعتقادي أن الدولة كلها شريكة في ذلك وليست فقط متقاعسة وهناك تعاون مع منظمات الإجرامية وبين مسؤولين من مختلف أجهزة الدولة من سياسيين ودبلوماسيين، السرقة التي حدثت يوم السبت إذ تمت سرقة كمية أسلحة يحتاجون لإخراجها ونقلها أكثر من 3 ساعات، وحسب ادعاء الجيش ايضا انه بنفس المكان، كان أجهزةٌ مهمةٌ جدا للطيران الحربي لم تُسرق، أي أن السارق يدرك تمامًا ما جاء من أجله، ولا أعتقد أبدًا أن هذا العمل فرديّ او جندي صغير يشترك مع بائع أسلحة، لو كان كذلك لحدثت السرقات بوتيرة أقل من هذه وملاحقة ومعاقبة الجندي، ولكن بالواقع يتجاهلون هذا الأمر ولا تتم متابعة الموضوع بتاتا، مثالًا على ذلك، أعلنوا قبل شهر خبر عن ثلاثة جنود عرب ألقي القبض عليهم يسرقون السلاح ولكن الموضوع ليس كذلك، حيث نعرف جميعنا كيف توجّه هذه الأمور لاتهام العرب كمجتمع ليس له حلّ، ولا أعتقد حتى أنهم كانوا فقط ثلاثة جنود اؤكد أن ذلك في عمق الاحتلال وأن كتيبة بأكملها لها علاقة بذلك بأوامر من السلطات".

وأضافت:"يوجد لدينا أكثر من حالة قتل بسلاح نوع M16، وهذا سلاح جيش وليس من السهولة شرائه من خارج هذه الدوائر، ومع ذلك لا نستطيع أن نعطي معطيات واضحة بالنّسب الدقيقة بسبب عدم التحقيق في الملفات وإلقائها على الرف، ففي عام 2016 نُشرت جلسة رسمية يؤكد فيها إردان وزير الأمن الداخلي السابق أن في جنوب البلاد 90% من السلاح الذي يتواجد بأيدي عصابات الإجرام تابع للجيش، وفي المركز والشمال 70% من السلاح مصدره الجيش، ونتوقع أن هناك 400 ألف قطعة سلاح غير مرخص في المجتمع العربي، لكن هذه الأرقام مرة أخرى غير مؤكدة، ومع ذلك اؤكد أن الأزمة تتلخص بأن السبب الرئيسي للعنف هو الجيش والدولة بعمقها".

علينا العمل سوية لمحاربة الظاهرة

بدورها، قالت المحامية ميساء ارشيد من ائتلاف "سلاح على طاولة المطبخ" في السياق :"كان هناك بحث مصغر لكل موضوع السرقات من معسكرات الجيش في سلاح على طاولة المطبخ وكان هناك معطى من ضابط الجيش أردان أن 90 % من الأسلحة مصدرها من الجيش، فأردنا فحص كم هذه المقولة صحيحة وقررنا تجميع كل المقالات التي انتشرت منذ ثلاث سنوات حتى الآن أو من اللجان التي تطرقت لموضوع السرقات وقرارات محاكم التي كانت للمشتبهين في سرقة الأسلحة وتشمل المدنية والعسكرية فوصلنا بالاستنتاجات أن أغلب السرقات تحصل في منطقة الجنوب والنقب التي يكون فيها تعاون مع جسم عسكري مثل جندي أو ضابط مع مدنيين من خارج الجهاز ويمكن أن يكونوا من تجار الأسلحة أو من منظمات إجرامية".

وأردفت: "يوجد هناك الكثير من الاهمال المتعمد من قبل الجيش، فاذا كان يعتبر الجيش نفسه مهني وجسم رسمي ولديه أعداء ويعتبرهم "إرهاب"، بطبيعة الحال عليه تحمّل مسؤولية هذا السلاح الذي يقع تحت سيطرته، أعتقد أن هذا إهمال متعمّد وحتى مقصود، لا أعتقد أن هناك رقابة بتاتًا ولا تنفيذ للقانون".

وتابعت: "يرانا الجيش كجزء من حسابات معينة، فمن ناحية داخلية وظيفة الجيش أن يحمي خارج الدولة والحدود أما وظيفة الشرطة هي الأمن الداخلي، مما يؤدي إلى تراشق اتهمات والقاء مسؤوليات كل طرف على طرفٍ آخر، ويبقى السؤال من مسؤوليته تقصّي مصادر السلاح المسروقة؟! أو حتى جمع معطيات دقيقة عن الظاهرة؟!".

واختتمت: "تحسين المجتمع العربيّ أو محاربة الجريمة، موضوع ليس في صلب اهتمامهم، او ليس حارقًا بالنسبة اليهم، ما تبقى الآن، ما هذا التجاهل والتمييز المتعمد أنّ نتكاتف ونعمل سوية، كافة الأطر والمؤسسات، من أجل تعزيز الوعي المجتمعي لمخاطر الموضوع ومواجهته بكافة السبل المتاحة".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]