متنقلا بين الواحات المائية الغنية بأسماك السرحان النادرة والطيور الموسمية المهاجرة وجاموس الماء المستوطن والغابات الشجرية والعشبية الكثيفة يمضي حازم الحريشة يومه في محمية الأزرق الصحراوية في البادية الشرقية الأردنية.
 

ويتفقد الحريشة المحمية بشكل يومي كما يتفقد عائلته، يحفظ أركانها الأربعة الممتدة على مساحة 74 كيلومترا مربعا، يحفظ أسماء وأشكال الطيور المقيمة بالمحمية، وينتظر كل ربيع وخريف زوار المحمية من أسراب الطيور المهاجرة شمالا أو جنوبا، يقدم لها الطعام والمُقام في محميته خلال زيارتها.

وتتوسط محمية الأزرق المائية رمال البادية الشرقية الأردنية المحاذية للحدود مع السعودية، وهي عبارة عن مسطحات مائية تشكلت بفعل ينابيع المياه الجوفية العذبة، بما يعرف بمنطقة "قاع الأزرق"، وتغذيها مياه الأمطار عبر الأودية من المناطق المجاورة، بسبب انخفاضها عن مستوى تلك المناطق.



وأعلنت منظمة المواقع الخضراء العالمية خلال مؤتمرها الأخير في اليونان حصول محمية الأزرق المائية على جائزة مميزة باعتبارها واحدة من "أفضل 100 موقع مستدام في العالم"، وتمثل الجائزة اعترافا دوليا بدور الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في إدارة المحميات وتكريس دورها الإقليمي والدولي في حماية الطبيعة.

استدامة رغم شح المياه
تأسست المحمية عام 1978 بوجود واحات مياه منطقة الأزرق، إلّا أن تلك الواحات واجهت خطر الجفاف نتيجة استخدام مياهها للشرب والزراعة والسياحة والصناعة وغيرها وفقدان مصادر مائية لتغذية تلك الواحات، يقول مدير المحمية حازم الحريشة.

ويضيف الحريشة للجزيرة نت أن عام 1994 شهد توقيع اتفاقية بين الجمعية الملكية لحماية الطبيعة والحكومة الأردنية لإحياء واستدامة المحمية، وذلك من خلال تزويدها بمياه جوفية بمعدل سنوي يصل إلى مليوني متر مكعب من المياه.
 

إلّا أن الكميات المزودة للمحمية تتراوح بين 500-600 ألف متر مكعب سنويا، وضمن هذه الكمية المائية تمكنت الجمعية من استعادة 10% من الواحة المائية، ومنذ ذلك الحين عادت الحياة البرية والغطاء النباتي المتنوع للمحمية، ويعمل في المحافظة على المحمية وديمومتها نحو 39 موظفا، وعلى مدار 24 ساعة باليوم.

ووفق مختصين فإن الحفاظ على المحمية المائية واستدامتها يشكل "قصة نجاح" في ظل شح المياه الذي يعاني منه الأردن، ووقوع المحمية بمنطقة صحراوية حارة تتعرض مياهها للتبخر صيفا، وتجاورها مزارع كانت تعتمد على سحب مياهها للزراعة.

تنوع حيوي وبيئي مميز
المتجول بالمحمية يأسره المكان، خضرة وأشجارا على مد البصر، ماء وهدوءا يزيد من جماله تغريدة عصفور أو زقزقة لمالك الحزين أو طيور البلشون بأنواعها أو طيور الغطاس الصغيرة وبرك مائية مزينة بالطيور المقيمة بالمحمية مثل دجاجة الماء وطائر الغرة والبلبل الأبيض الخدين والقبرة المتوجة وغيرها.

ويسير الزائر للمحمية ضمن مسارين يقصدهما الباحثون عن الجمال، الأول مسار القصب ومسافته نحو 900 متر يسير خلاله الزائر على ممرات خشبية مثبتة على وجه الماء، أعلى البرك المائية لمشاهدة الأسماك والتنوع البيئي.

أمّا المسار الآخر فيمتد على نحو 3 كيلومترات وفي منتصفه برج مراقبة خشبي لمشاهدة الطيور المستوطنة بالمحمية، وبه أيضا ممر لمشاهدة جاموس الماء المقيم بشكل دائم في المحمية ويستمتع المتجول برؤية المستنقعات والبرك المائية والطيور والأسماك والحيوانات المتنوعة ويزور المحمية كل عام نحو 20 ألف زائر من الأردن والدول العربية والأجنبية.

ويشاهد الزوار في المسار الأول بقايا السد الأموي المقام منذ 1300 عام تقريبا، بناه الأمويون خلال فترة حكمهم بالمنطقة، ليشكل حاجزا بين المياه الجوفية العذبة المستخدمة للشرب، ومياه الأمطار وآبار المياه الجوفية المالحة، ويمتد السد داخل المحمية على نحو 4 كيلومترات، ويتكون من حجارة بازلتية سوداء مرتبة بعضها فوق بعض مكونة سورا ممتدا بشكل طولي وعلى ارتفاع نحو 3 أمتار.

طيور تزور المحمية لأول مرة
وخلال العامين الماضيين رصدت فرق مراقبة الطيور بالمحمية زيارة أنواع جديدة من الطيور لأول مرة بحسب الحريشة، مثل النسر الأسود والرمادي وطائر حوام العسل المتوج وطائر حمام الغاب وكان آخر ظهور له في الأزرق قبل 55 عاما وطيور الزرزور الوردي وبدأت بالعودة بعد تسجيل آخر زيارة لها قبل 45 عاما إضافة إلى القط البري.



وإضافة لزيادة أعداد وأنواع الطيور المهاجرة، رصدت المحمية زيادة في أنواع الطيور المعششة، ومنها طيور تعشش لأول مرة بالأردن، مثل طيور الكروان الصحراوي، وبط البلبول الشمالي والبط أبو مجرفة الشمالي، والبط الكستنائي وهو من الطيور المهددة بالانقراض.

وتحتوي المحمية -وفق الحريشة- على تنوع حيوي مميز، يضم أكثر من 133 نوعا من النباتات، و163 نوعا من اللافقاريات، و81 نوعا من الطحالب، وكذلك 18 نوعا من الثدييات، ونوعين من البرمائيات، و350 نوعا من الطيور، فضلا عن 11 نوعا من الزواحف.

وحرصت إدارة المحمية على إشراك أبناء المجتمع المحلي من المكونات الاجتماعية المقيمة بمنطقة الأزرق وهم الدروز والشيشان والبدو، من خلال برامج سياحية وتوعوية للعائلات والشباب وطلبة المدارس، ويتم العمل على تحويل التنوع الثقافي الموجود بالمنطقة ليشكل فسيفساء سكانية جميلة، تعبر عن فئات المجتمع الأردني بمنطقة الأزرق."الجزيرة" 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]