يسود اعتقاد عام بأن النساء يتمتعن بمتوسط عمر أعلى من الرجال، إلا أن دراسات حديثة كشفت أن الرجال يعيشون حياة أطول عندما تتساوى المستويات التعليمية والحالات الاجتماعية، وهو ما يشير لتغيير الانطباع السائد بأن متوسط عمر المرأة أعلى في المطلق.
في الماضي، عمد علماء الإحصاء في حسابهم لـ "متوسط العمر المتوقع" من خلال مقارنة سنة الميلاد مع العمر عند الوفاة واحتساب المتوسّط، آخذين عامل الجنس بعين الاعتبار، ومعتمدين في معلوماتهم على بيانات شعبة السكان للدول المنضمة للأمم المتحدة.
ورغم وجود مؤشرات قوية على تدني الصحة العامة للنساء ووجود فجوة صحية بين الجنسين لصالح الرجال، فإن من الشائع أن متوسط العمر المتوقع لدى النساء أعلى منه لدى الرجال بـ 5 سنوات حتى خلال الأوبئة والمجاعات.
بعض أساتذة علم النفس العصبي أرجعوا التفوّق التاريخي لمتوسط عمر النساء إلى جسد المرأة الذي يمر بصدمات جسدية طبيعية ناجمة عن الحمل والولادة والرضاعة الطبيعية، وجميعها تحديات لا يواجهها جسد الرجل.
قسم الطب والأحياء بجامعة جنوب إيلينوي الأميركية، أجرى مراجعة بحثية كشفت تقلص الفجوة العمرية بين الجنسين عند أخذ الاختلافات الفرعية بين المجموعات السكانية بعين الاعتبار.
أرجع بعض العلماء هذا التناقض بين الانطباع الشائع ونتائج المراجعات الحديثة إلى اختلاف السلوك بين الجنسين، وحاول آخرون بحث أثر هرموني التستوستيرون (هرمون الذكورة) والإستروجين على العمر.
اللوم على علم الرياضيات
يبدو أن المقارنة المجردة لمتوسط طول العمر بين الجنسين أورثت الباحثين اعتقادا بأن "الرجال لا يعيشون طويلا كالنساء" ذلك أن التفسير المبسط للبيانات لم يأخذ في الاعتبار عدم تجانس عمر الإنسان في المجموعات المختلفة.
ما يشاع من أخبار عن هذه الحبوب في اسرائيل يجعلك بقوة الفايكينج حقيقة أم مجرد أوهام؟
ما يشاع من أخبار عن هذه الحبوب في اسرائيل يجعلك بقوة الفايكينج حقيقة أم مجرد أوهام؟
لذلك درس باحثون بمركز ديناميكيات السكان بجامعة جنوب الدانمارك إحصاءات الوفيات والحالة الاجتماعية لسكان 199 دولة في محاولة لحل سوء الفهم السائد.
العلماء درسوا الاختلافات التي من شأنها أن تؤثر على متوسط العمر المتوقع لأفراد كل جنس (الذكور والإناث) فيما بينهم، إلى جانب أثر الزواج والتعليم على حياة كلا الجنسين بدلاً من الاكتفاء بمقارنة العمر والنوع.
فحصت الدراسة الفروق العمرية بين الجنسين في 199 مجموعة من بلدان وقارات مختلفة عاش أفرادها بين عامي 1751 و2020، وطبقت المقارنة على أساس 3 مجموعات من البيانات جداول متوسط العمر لسكان 199 دولة حسب الجنس، وجداول الحياة الخاصة لكل جنس حسب مستوى التعليم والحالة الاجتماعية، وأسباب الوفاة من المراكز الوطنية للإحصاءات الصحية.
المقارنة الأولية أثبتت أنه رغم ارتفاع متوسط العمر المتوقع للنساء فإنهن لا يصلن إلى أعمارهن المتوقعة، بينما يعيش الرجال سنوات أكثر من أعمارهم المتوقعة. كما زادت احتمالية عيش بعض الرجال في مجموعة ذات معدل وفيات مرتفع لسنوات أطول من بعض نساء مجموعة ذات معدل وفيات منخفض، مما يؤكد أن سوء الفهم ناجم عن الرياضيات، إذ تشيع الوفاة في أعمار صغيرة بين الرجال ما يُسفر عن قيم أصغر عند حساب المتوسط.
الدراسة الدانماركية سلّطت الضوء على اختلاف كبير في النسب، فترات زمنية مختلفة، ففي جداول جميع السنوات منذ 1751، وعبر جميع الدول تقريباً، تراوح احتمال بقاء الرجل أكثر من المرأة بين 25% و50%، بينما بلغ المتوسط 37% في جميع البلدان عام 2017.
الزواج يطيل عمر الرجل
أظهرت الدراسة تأثير العوامل الاجتماعية على العمر، فزاد احتمال عيش الرجال أكثر بنسبة 39% لدى المتزوجين و37% لغير المتزوجين، و43% للحاصلين على مؤهل جامعي و39% لمن لم يتموا تعليمهم الثانوي. وغالبا ما تأثرت صحة وطول عمر الرجال بشكل إيجابي بالروابط الاجتماعية، إذ يستفيدون أكثر كونهم في علاقة مستقرة، بفارق عمري يتراوح بين 30% و40%.
إيليا كاشنيتسكي الأستاذ المساعد بمركز ديناميكيات السكان بجامعة جنوب الدانمارك وأحد المشاركين بالدراسة، قال للجزيرة نت إن الباحثين واجهوا صعوبة في تغيير نتائج دراسات امتدت لعقود، تشير لفروق عمرية بين الجنسين لصالح النساء، دون الانتباه للفوارق الجغرافية والاجتماعية، وهو الخطأ الذي كررته وسائل الإعلام عند تناول نتيجة الدراسة المنشورة مطلع أغسطس/آب 2022، من ترويج لفكرة قصر عمر النساء دون مناقشة التدخلات الكبيرة بين توزيعات عمر الذكور والإناث، مما قد ينشر استنتاجات مغلوطة، حاولت الدراسة الحديثة معارضتها بإرفاق روابط لجداول البيانات بالدراسة، وإتاحتها مجانا للجمهور، للمقارنة بنفسه.
وعارض الباحثون تعميم نتائج دراستهم، وأشاروا إلى اتساع فجوة الاختلافات في أعمار الرجال وأنفسهم عن الاختلافات بين الرجال والنساء بالمتوسط. فعلى عكس متبعي نمط الحياة الصحي، يتعرض الرجال للحوادث وجرائم القتل في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، كما يميلون للتدخين وشرب الخمر مما يؤدي لزيادة انتشار السرطان والوفاة بستينيات العمر.
في الحين نفسه، لم تظهر مجموعات النساء فجوة عمرية بينهن، وقل تأثير الفروق الاجتماعية والاقتصادية على أعمارهن.
وقد عرض الباحثون نقاط القوة في دراستهم الأولى من نوعها التي تستخدم إحصاءات أعمار الجنسين، بالتقاطع مع إحصاءات أعمار مجموعات سكانية وفئات اجتماعية متعددة، للكشف عن فروق دقيقة لم تظهرها دراسات كلاسيكية تعتمد على المقاييس الديموغرافية وحدها."الجزية"
[email protected]
أضف تعليق