أقرّت مصادر أمنيّةٍ مطلعةٍ في دولة الاحتلال أنّ مخيم جنين للاجئين تحوّل إلى سلطةٍ مستقلةٍ، لا يخضع لا للاحتلال، ولا للسلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة، كاشفةً النقاب في الوقت عينه عن أنّه في الصيف الماضي، على خلفية تصاعد نشاط الخلايا المسلحة في مخيم جنين طلبت إسرائيل من السلطة الفلسطينيّة أنْ تتحرّك، ولكن الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة واجهت صعوباتٍ في مواجهة تحدّي المخيم الذي تحوّل إلى منطقةٍ مستقلةٍ، بحسب تعبيرها.
المصادر نفسها، والتي اعتمد عليها محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، المصادر شدّدّت على أنّه “في شهر شباط (فبراير) الماضي عاود الجيش الإسرائيليّ عملياته في المخيم بهدف توقيف مشتبه بهم، وساهمت الاحتكاكات العنيفة التي اندلعت هناك في اندلاع موجة “الإرهاب” بعد شهر، على الرغم من أنّ معظم منفذي الهجمات بين آذار (مارس) وأيار (مايو) لم يأتوا من المخيم بل من بلدات محيطة به ومن نابلس”، على حدّ تعبيرها.
المحلل هارئيل تابع قائلاً، نقلاً عن مصادره الرفيعة بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، إنّ “الساحة الفلسطينيّة ليست هادئةً، ومع أنّ جزءًا من الضغط يظهر في صراع عنيف ضد إسرائيل ويتمحور مؤخرًا في حوادث إطلاق النار على الجيش الإسرائيليّ في المناطق (المُحتلّة)، إلاّ أنّ هناك أسبابًا داخلية كثيرة للتوتر، وهي تتعلّق بالضعف المستمر للسلطة الفلسطينية، وتقدم رئيس السلطة محمود عباس بالسن، وصراع الأجيال داخل حركة “فتح” والمنافسة مع (حماس)، على حدّ قولها.
عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، شدّدّت المصادر الإسرائيليّة واسعة الاطلاع، وفق وصف الصحيفة العبريّة، شدّدّت على أنّه “منذ أكثر من عاميْن تشير أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة إلى مزيد من الضعف لدى السلطة الفلسطينية، وقد ظهر الضغط الذي تتعرض له زعامتها وعجزها عن تحقيق نتائج في نهاية رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة فيما يتعلّق بقضية ضم المستوطنات التي لم تحدث، ولم تتحقق بسبب صراعات القوى في إدارة ترامب أكثر منها بسبب الاحتجاج الفلسطينيّ، وفق مزاعمها.
ومضت المصادر قائلةً “برز المأزق الذي يعاني جرّاءه عباس وأنصاره في أيار (مايو) 2021 خلال عملية (حارس الأسوار)، أيْ العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة العام الفائت، و”صحيح أنّ المواجهات في الضفة الغربيّة كانت مضبوطةً بالمقارنة مع القتال على الحدود مع غزة الذي تجلى بالأساس بإطلاق (حماس) للصواريخ، لكنّ السلطة خسرت نقاطًا وسط الجمهور الفلسطيني مقارنة بـ(حماس)”، وفق ما أكّدته.
وأوضحت تل أبيب أنّه “خلال هذه العمليات واجهت إسرائيل واقعًا جديدًا-قديمًا، إذْ أنّه تقريبًا كلّ عملية دخول إلى مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربيّة، وجزء من البلدات والقرى كانت تُواجَه بإطلاق نار كثيف للغاية، وأضافت: “كان المطلوبون يفضلون التحصن وخوض قتال، وقد تحركت قوة مكافحة الإرهاب يوم الاثنين من هذا الأسبوع في نابلس وقتلت مطلوبيْن مسلحيْن من تنظم “فتح” وعادت لتنفيذ إجراء “وعاء الضغط”، أيْ حصار مستمر على منزل انطلقت منه صواريخ مضادة للدبابات، كما كان يجري خلال الانتفاضة الثانية، وقد برز في المواجهة تعاون كبير بين أنصار “فتح” وناشطي “الجهاد الإسلامي”، وأحيانًا حتى مع خلايا محلية لها علاقة بـ(حماس)، على حدّ تعبيرها.
جدير بالذكر أنّ إسرائيل أقرّت مؤخرًا بأنّه خلال العدوان الأخير على قطاع غزّة في أيّار (مايو) من العام الماضي، قامت تنظيمات المقاومة الفلسطينيّة بإطلاق 4830 صاروخًا على المدن والمستوطنات الإسرائيليّة خلال 11 يومًا، انتهت بها معركة (سيف القدس)، بعد أنْ دخل وقف إطلاق النار بين الجانبين حيز التنفيذ.
وقالت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، إنّ ذروة إطلاق الصواريخ جاءت في اليوم الثاني من العملية التي بدأت في 10 أيّار (مايو) من العام الفائت، وأسمتها إسرائيل (حارس الأسوار) فيما أطلقت عليها المقاومة (سيف القدس)، حيث أُطلق 480 صاروخًا على الأراضي الإسرائيلية في ذلك اليوم، وأشارت القناة إلى أنّه منذ ذلك الحين انخفضت الأرقام إلى ما بين 250 و400 صاروخ في اليوم.
وللمقارنة فطوال عملية “الجرف الصامد” التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة صيف عام 2014 واستمرت 51 يومًا، أُطلق حوالي 4600 صاروخ وقذيفة هاون على إسرائيل، وكان الرقم القياسي اليومي هو 195 عملية إطلاق في اليوم الثالث من العملية ذاتها.
وخلال (حارس الأسوار) كانت أشدود وعسقلان في الجنوب هي المدن التي تركزت فيها معظم عمليات إطلاق الصواريخ الفلسطينية، وأُطلق حوالي 400 صفارة إنذار في كل منهما. كما تلقت مدينة بئر السبع بالجنوب أيضًا نيرانًا شديدةً، وأُطلق حوالي 160 صفارة إنذار أثناء العملية العسكرية، بحسب المصدر ذاته.
ووصل أقصى مدى للصواريخ إلى القدس من الشمال الشرقي، وإلى ديمونا من الشرق، وجنوب منطقة الشارون والمجلس الإقليمي (عيمك حيفير) من الشمال، والمجلس الإقليمي (حيفيل أيالوت) من الجنوب، وهناك أُطلق صاروخ تجاه مطار “رامون”.
وفي الخلاصة يتوقّع كبار المحللين والخبراء في الإعلام العبريّ أنْ ترتفِع موجة العمليات الـ”تخريبيّة” ضدّ الاحتلال، مع تفاقم المعركة الفلسطينيّة الداخليّة على وراثة رئيس السلطة محمود عبّاس، ولا يستبعِد الخبراء في دولة الاحتلال أنْ تحاول (حماس) إعادة سيناريو الاستيلاء على الضفّة الغربيّة، كما فعلت في قطاع غزّة قبل 15 عامًا، أيْ في العام 2007، على حدّ قولهم.
[email protected]
أضف تعليق