يمكن للوهلة الأولى حين تأتي إلى مسامعنا كلمة " ايتيكيت "، تذهب مخيلتنا إلى كل ما هو متعلق بآداب الطعام وقواعد اللباس، الجلوس والحديث، لكن هذا العالم هو أوسع من كيف نمسك بالشوكة والسكين، أو وضع الأرجل واحدة فوق الأخرى، أو اللباس المتعلق بأي مناسبة، انما هو مفهوم يشير إلى مجموعة من السلوكيات والآداب والنظم والقواعد التي تساهم بشكل مباشر في خلق حالة من النظام المجتمعي في التعامل بين البشر وتحديد سلوكهم، سواء في المجال الاجتماعي، والمهني والأخلاقي.
يمكن القول ان " الايتيكيت " بمثابة دليل يقدم مجموعة من القواعد التي يجب الالتزام بها خلال التعامل مع الآخرين.
عن مفهوم الاتيكيت الواسع، التقينا في موقع بُـكرا مع السيدة محاسن سعدي- خمايسي، وهي مستشارة معتمدة لآداب السلوك وفن التعامل " اتيكيت " ومدربة معتمدة من كلية هارفارد، بالإضافة إلى كونها مهندسة مدنيّة في بلديّة حيفا.
بين قواعد الهندسة المدنيّة وقواعد الاتيكيت...
وعن الدمج والتشابه بين الهندسة المدنية ومفهوم الاتيكيت قالت: " يوجد اندماج تام بين هذين المجالين، و " الاتيكيت " يدخل في جميع مجالات الحياة، سواء الحياتية أو الشخصيّة، أو المهنيّة ".
وعن الجوانب المشتركة، بين الهندسة المدنيّة والاتيكيت، استندت لمقولة لباحث كندي " دان هورنويغ "، وهي بمثابة مدخل لهذا السؤال في الإجابة عنه، وهي " لا يمكن أن نبني مدينة دون بناء وهندسة الفكر المدني، فمن أجل بناء مدينة علينا مراجعة كيف يبني الانسان لكي يتحضر ونرتقي الى مدينة "، ومن هنا نرى إذا كنت أعمل في مجال الهندسة المدنية لا يمكنني التقدم ويكون لدي المجال الأمثل في عملي دون أن أكون ملمة في فن التعامل والسلوك ".
الايتيكيت يعود إلى عهد الملك الفرنسي لويس 14...
وردًا على سؤالنا هو المفاهيم الخاصة بعالم الاتيكيت قالت: " الايتيكيت هو مصطلح عالمي، يطلق على هذا الفن، وبالعربي اسمه آداب السلوك وفن التعامل، وهو يعود إلى الملك لويس 14 ملك فرنسا، الذي دعوة الناس الى قصر فرساي للحفلات، وقد واجه بستاني القصر مشكلة جدية، حيث انه لم يتمكن من منع النبلاء من دوس عشب الحديقة، فقرر أن يضع لافتات اسمها اتيكيت لتحذيرهم من فعل ذلك وتعني ابتعد عن العشب، ولا تدوس الأزهار إلا أن هذا لم ينجح، فأصدر الملك مرسوما بمنع تجاوز هذه اللافتات، ومن هنا أصبح يطلق على كل هذه التعليمات وقواعد السلوك " اتيكيت "، والتي تعني في الفرنسيّة " بطاقات "، ولكن اذا اردنا أن نأخذ مفهوم " الاتيكيت " كمفهوم عالمي، المبادئ المشمولة فيه مبنية على عدة حضارات، ونحن كحضارة عربية لنا مساهمة كبرى في بناء هذا الفن، وبالذات عندما وصل العرب الى الأندلس، حيث كان ملوك أوروبا ارسال أبناءهم لدراسة علم هذا الفن في الأندلس ".
الاتيكيت عالم أوسع من آداب الطعام وقواعد اللباس...
وأشارت خمايسي في حديثها أن الاتيكيت عبارة عن نهج حياة مبني على قاعدة ذهبية، عامل الناس كما تحب أن تعامل، وهنا شعور مع الآخر، وأين تنتهي حرية الشخص، أنا أفهم ان حريتي تنتهي عندما تبدأ حدود حرية الآخرين، فأنا أخذ بالحسبان الحواس الخمسة لكل شخص اتعامل معه، واهتم بألا أزعجه بأي حاسة من هذه الحواس.
وتابعت: " الاتيكيت يدخل في جميع المجالات الحياتية، سواء المهنية والشخصية التعامل بين الزملاء في العمل، التعامل في العائلة بين الزوجين، آداب المائدة وآداب الطعام، وقواعد الألقاب، آداب الأطفال والمراهقين وقاعدة اللباس، وأي مجال يوجد لديه قواعد.
عوامل مشتركة بين الجانب الأخلاقي والاتيكيت...
وعن هذا الجانب قالت: " يعتمد الاتيكيت على الأخلاق الحميدة والسلوك الحسن، وحُسن التصرف مع الآخرين وما يميزه عن باقي العلوم المختلفة مثل علوم تطوير الذات التي نصادفها، أنه يأخذ بعين الاعتبار التعاطف مع الآخرين والشعور معهم، وليس فقط التفكير بأنفسنا وكيف نكون مرتاحين وفقط يهمنا كيف نطور من ذاتنا، إنما نأخذ الآخرين بعين الاعتبار وإذا كان التصرف الذي أقوم به مناسب للآخر، الذي يكون لهذا التصرف مردود إيجابي في التواصل مع الآخرين.
الاتيكيت وعلاقته مع الديانات...
وعن علاقة " الاتيكيت " مع الأديان، قالت: " يمكن القول ان الاتيكيت مستنبط من الديانات السماوية ومن فلسفات عبر العالم وأخلاقيات، وهو لا يتنافى مع أي دين، وفي حال تعاملنا مع " اتيكيت " الذي يتعارض مع الدين او مع مبدأ نؤمن به، ممكن هنا ان نكسر قاعدة " الاتيكيت " ولدينا الشرعية التامة لكسر قاعدته، الديانات السماوية أتت لتنظم الحياة البشرية، وهذا ما ينادي به " الاتيكيت " أيضًا، نحن نتحدث عن لغة عالمية تتعلق في الكلام أو بالتصرفات التي هي لها مدلول ومعنى، ومستخدمة عبر العالم " .
ثقافة الألقاب في مجتمعنا... تكاد تكون معدومة!
وردًا على سؤالنا حول ثقافة الألقاب التي لا يتم التعامل بها أو تكاد تكون معدومة في مجتمعنا، قالت: " ثقافة الألقاب كانت مغروسة في حضارتنا بشكل متين، لكنها بدأت بالتساقط شيئًا فشيء، لكننا بدأنا بتحايدها وتناسيها، وهذا يعود للتربية في البيت، وكيف نثقف أبناءنا على ثقافة الألقاب ".
وتابعت: " عندما نخاطب أي شخص، مفروض أن نتوجه إليه حسب اللقب، " السيد، السيدة "، وإذا كان لديه لقب عليه، يجب التوجه اليه بلقبه العلمي لأنه هذا من حقه، وهو اجتهد للحصول على هذا اللقب العلمي، بداية اللقاء مع أي شخص، نخاطبه باللقب اللائق، الا اذا اختار هذا الشخص، عدم التوجه بالحديث اليه برسمية ومخاطبته باسمه الشخصي، بعض الأحيان نحن نستخدم لقب " أبو فلان أو أم فلان "، يوجد بعض الأشخاص الذين يحبون أن تتم مخاطبتهم بلقب أب أو أم فلان، وهناك من لا يتقبل هذه المخاطبة لأنهم يعتبرون أن الذي يخاطبهم تعدى الجانب الشخصي الخاص بهم، ويمكننا التوجه للشخص وسؤاله كيف يحب أن نخاطبه أو بأي لقب نتوجه إليه، وفي حال لم نعرف ما هو اللقب اللائق، يمكننا أن نخاطبه بالسيد أو السيدة وهو لقب متعارف عليه، وهو يحمل في طياته الأدب والاحترام للغير ".
في أي جيل يجب أن نعلم أبناؤنا عن الاتيكيت؟
وردًا حول سؤالنا حول الجيل المناسب لتعليم الأبناء عن مفهوم " الاتيكيت " قالت: " الطفل منذ نعومة أظفاره يبدأ باستيعاب البيئة والمحيط من حوله والعالم الخارجي الذي يعيش به، ودور الوالدين، وخاصة الأم التي هي أكبر قدوة بالنسبة له، لكونها أقرب شخص له ويكون متعلقًا بها.
الطفل باللاوعي لديه، يقوم بتخزين كل عمل وكل تصرف وتعامل يقوم به الأهل ويخزن هذه المعلومات، إلى حين وصوله لوضع انه يكون بموقف يتوجب عليه بالقيام برد فعل، ويكون حسب المعلومات المخزونة في ذهنه التي تلقاها من القدوة التي شاهدها في بيته، الاهل هم خير قدوة للأبناء، فعلى سبيل المثال: " لا يمكنني ان اطلب من ابني أن يقرأ ويطالع في حال لم نكن أهل قارئين "، لا لا يمكنني أمنع ابني من الاستخدام المفرط للهاتف وهو بين يدي لوقت طويل "، على الأهل أن يكونوا قدوة جيدة لأبنائهم حتى يتربون على هذه الاخلاق الحميدة ".
وفي النهاية قالت: " نحن نريد ان نرتقي بمجتمعنا بالأخلاقيات والسلوك الحسن، لا يمكننا أن نبني مجتمعًا سويًا دون ان نؤسس قواعد الاخلاقيات والتعامل الحسن مع الآخرين، المجتمع لا يبنى فقط على التحصيل العلمي والالقاب الاكاديمية انما المجتمع هو منظومة الأخلاقية، وجملة أخيرة، انما أمم الأخلاق ما بقيت ".
[email protected]
أضف تعليق