وافقت وزارة العدل الإسرائيلية الثلاثاء الماضي، على ربط عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية المحتلة بالكهرباء، تمهيدا لتحويلها إلى مستوطنات معتمدة، في خطوة امتنعت عن تنفيذها الحكومات الإسرائيلية السابقة لما يترتب عليها من تداعيات امنية وعالمية، وقال وزير العدل الإسرائيلي جدعون ساعر: "يدور الحديث عن خطوة مهمة تجاه مواطني إسرائيل في المستوطنات الشابة"، في إشارة للبؤر الاستيطانية غير المعترف بها من قبل إسرائيل بالضفة، وأضاف في تغريدة على حسابه بتويتر: "أتمنى أن يتم الانتهاء من العملية بالكامل في غضون فترة زمنية معقولة بعد أن امتنعت الحكومات الإسرائيلية في الماضي عن التعامل مع المسألة".
ويدور الحديث في هذا القرار عن نحو 30 بؤرة استيطانية مقامة على ما تسميها إسرائيل "أراضي دولة"، وهي حقيقة أراض فلسطينية خاصة، ومن بينها "نوفي نحمياه"، شرقي محافظة سلفيت و"أفيغيل"في الخليل.
وسبق أن اشترط وزير الدفاع بيني غانتس تنفيذ الخطوة بربط نحو 10 قرى فلسطينية في المنطقة "ج" _والتي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة_بالكهرباء، وبالتالي فإن القرار يتوقف الآن على موافقة غانتس وتحديد معايير المنازل التي سيتم ربطها بالكهرباء، والهدف من تلك الخطوة هو منع الالتماسات المستقبلية في المحكمة العليا ضد المستوطنات العشوائية، ووفقا لمصادر قانونية، سيحول ذلك دون تعريف إسرائيل على أنها دولة فصل عنصري لأنها ستقوم أيضا بربط قرى فلسطينية بالكهرباء".
وفي ظل الازمة الني تعصف بالائتلاف الحكومي الحالي في اسرائيل خاصة بعد استقالة النائبة عيديت سيلمان منه وتركه دون غالبية 61 عضوا، يأتي هذا القرار ايضا بعد تهديد عضو الكنيست نير أورباخ من يمينا بالانسحاب من الائتلاف الحكومي _الامر الذي سيؤدي الى اسقاط الحكومة_ حال لم تتم المصادقة على ربط البؤر الاستيطانية بالكهرباء.
ورغم ان هنالك اصواتا منتقدة لهذا القرار من داخل الشارع اليهودي مثل حركة السلام الان، الا ان القرار يلفت النظر الى حجم التناقضات الجمة في قرارات الحكومة الاسرائيلية وطريقة الكيل بمكيالين تجاه مواطني الدولة العرب واليهود، ففي الوقت الذي تقر فيه ربط بؤر استيطانية عشوائية يقطنها بضع عشرات من المستوطنين، فهي تترك عشرات القرى العربية البدوية في النقب منذ قيام الكيان وحتى اليوم دون كهرباء، بحجة انها قرى غير معترف بها، وتعزو ذلك لكونها ترى ان هؤلاء البدو يسيطرون على اراض تابعة لملكية الدولة، رغم انهم يسكنون هذه القرى قبل قيام اسرائيل، وبعضهم لديه ما يثبت ملكيته للارض منذ فترة حكم الدولة العثمانية ومن بعدها الانتداب البريطاني، الا ان هذا لا يشكل دليل اثبات بالنسبة للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، لا سيما الحالية الاكثر عنفا وتطرفا تجاه العرب عموما واهالي النقب بوجه خاص.
بلدات النقب
اكثر من ثلاثين قرية بدوية في النقب تعيش ظروفا استثنائية كونها ادرجت في قائمة الغير معترف بها في الدولة، وبالتالي فإن هذا الامر يحرم سكانها من البناء والتوسع والتطور ووجود البنى التحتية واساسيات الحياة الحديثة وعلى رأسها الكهرباء، بل واكثر من ذلك، واد النعم على سبيل المثال احدى هذه القرى ويقطنها حوالي 20 الف واطن، وتقام على اراضيها اكبر محطة لتوليد الكهرباء، ولا يحق لسكانها الحصول على الكهرباء على الاقل لانارة البيوت ليلا، بالاضافة الى وجود اكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في النقب، الا ان هذا لا يعطي فرصة لسكان القرى مسلوبة الاعتراف القريبة منها للحصول على الكهرباء .
يقول يوسف الزيادين عضو اللجنة المحلية لقرية واد النعم:" نحن نستهجن ونستغرب هذا العمل لانه غير انساني وغير اخلاقي، فعند ربط المستوطنات غير الشرعية العشوائية للمستوطنين بالكهرباء وبالمقابل ترك قرى النقب دون كهرباء فهذا اكبر جزء من العنصرية والتطرف الحزبي الذي يمارسه صناع القرار في الدولة ونحن نناشد النائب منصور عباس ان يتصدى لهذا القرار الخطير ويقف عند مسؤولياته وعليه ان ينسحب من الحكومة بسبب الظلم الذي يتعرض له اهالي النقب بالاضافة الى مجمل الاحداث التي نتعرض لها، قد يقولون اننا في الجنوب لا نستطيع ربط القرى بالكهرباء لعدم الاعتراف بها، لذلك يجب ان يهتم بتنفيذ وعوداته ويتحمل مسؤوليته بالكامل، ثم ان هذه الحكومة تغولت بشكل كبير جدا ضد اهل النقب، معظم النشطاء السياسيين يتم في الاونة الاخيرة استدعاؤهم للتحقيق في مراكز الشرطة والمخابرات وان كان السبب كلمة حق يكتبونها على مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم بعض النشطاء انطووا على انفسهم بعد موجة التهديدات التي تعرضوا لها خلال التحقيقات ولم يعودوا للكتابة والحديث عن قضاياهم، وكأننا نعيش في كوريا الشمالية!! حرية الكلمة مصادرة ولا حقوق لنا، انا اقول ان عرب الداخل لا يشكلون اي خطر على الدولة، واهالي النقب لم يكونوا يوما خطرا امنيا او سياسيا على الدولة ولكنهم كانوا وما زالوا يطالبون بحقوقهم المشروعة وبالاعتراف بهم وبقراهم، على الدولة ان تغير نهجها تجاهنا اذا كانت معنية باحتواء الموقف وان توفر لنا حقوقنا وان نتمتع بالمساواة كما باقي مواطني الدولة عربا ويهودا، على الدولة ان لا تستمر بالتعامل معنا كلا شيء، وكخدم لمصالحها الخاصة، واولى خطوات هذا التغيير يجب ان تكون بمد القرى البدوية بالكهرباء والاعتراف بها".
العراقيب على مشارف عملية الهدم رقم 200، فمن السهل جدا على الجرافات الاسرائيلية والاليات العسكرية الحضور بأعداد هائلة لهدم عرائش سكانها، وهي التي تقع ضمن حدود اراضي الدولة وليست مستوطنة عشوائية، واكبر الادلة التي تثبت ملكية اصحابها لها بعد الاوراق هي قبور اجدادهم المدفونين فيها، ولكن من المستحيل على ذات الدولة ان تمد ااقرية بشبكة كهرباء وبنية تحتية بشكل منتظم، كونها تعتبر ان اصحابها غزاة ارض، ورغم انه من الممكن ان يتم ضمها للخارطة الهيكلية لمدينة رهط جارتها والتعامل معها كحي من احياء المدينة، الا ان هذا غير وارد في الحسبان بالنسبة للحكومة الحالية وسابقاتها، ومن غير المستبعد ان نجد القرية ذات صباح قد اصبحت تتبع لمدينة بئر السبع التي تستمر بالتمدد والتوسع وهي الان على مشارف رهط التي لم تتوسع لسنتمتر واحد، بل وان عددا كبيرا من البيوت داخل المدينة العربية الكبيرة لا تتمتع بخط كهرباء تماما كما هو الحال في العراقيب بل واسوأ، يقول الناشط عزيز الطوري ابن العراقيب:" هذا القرار جائر وظالم فهذه المستوطنات في الاساس اقيمت بصورة عشوائية استيطانية وهدفها الاستيلاء على اراضي الفلسطينيين، ولا وجه للمقارنة بينها وبين قرى الصمود في النقب، لان هذه المستوطنات اقيمت على اراض اغتصبت من اهلها بالقوة، بينما قرانا الصامدة الغير معترف بها موجودة قبل قيام دولة اسرائيل ومنذ العام 1948 وحتى اليوم نحن نعاني الامرين، نحن نطالب بابسط الحقوق الماء والكهرباء ولم يعطونا، لا يوجد اي وجه مقارنة ولكن ما نتعرض له في النقب هو الظلم بعينه والاستيطان بعينه ولا نقول لهم الا ان الظلم الى زوال".
العرب كغزاة
عطية الاعسم رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عقب على القرار و قال :"نحن نعلم ان اليمين المتطرف وشاكيد بالذات والكين استغلوا قانون ربط البيوت بالكهرباء ومرروا هذا الامر بشكل سريع الى المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، هذا الامر معروف انه عنصري بحت لان القرى العربية في النقب التي تفتقر الى الخدمات والموجودة منذ عشرات السنين قبل قيام الدولة يمنع منها ان ترتبط بالكهرباء، بدعوى انها غير مخططة وليس فيها تخطيط مستقبلي وبالتالي لا يمكن مدها بالكهرباء، ولكن المستوطنات يمكنهم ان يبيضوها ويعطوها الكهرباء لانها يسكنوها اليهود بينما قرانا في النقب يسكنها العرب، نحن لا نعول على الحكومة الاسرائيلية ان تغير سياستها تجاهنا كمواطنين وتعطينا حقوقنا لانها كما سابقاتها حكومات صهيونية عنصرية تعمل بكل جدية على تحييدنا من الحيز العام، ومنع وصول اي خدمات نستحقها من الوصول لنا حتى ولو كانت هذه الخدمات عن طريق القانون".
القانون الاسرائيلي الذي شرعن منح الكهرباء للمستوطنات العشوائية على اراضي الضفة الغربية في خطوة هدفها شرعنة هذه البؤر، هو ذات القانون الذي يرى المواطنين العرب في النقب حملة الهوية الاسرائيلية غزاة ارض يحرمون من الخدمات، وهو ذات القانون الذي يحرم شابا مقبلا على الزواج من بناء بيت صغير بمساحة 50مترا مربعا للسكن على ارضه بحجة عدم الاعتراف، وهو ذات القانون ايضا الذي يحلل هدم اي منزل يتم ترميمه ليصبح صالحا للحياة الكريمة ايضا بحجة عدم الاعتراف، ولو كنا سنتابع التناقضات المختلفة في القانون الاسرائيلي في التعامل بين اصحاب الارض العرب والمستوطنين اليهود سنجد العجب العجاب، الا ان القاريء للحالة العامة يفهم جيدا ان هذا هو الوجه الحقيقي لاسرائيل الذي لا يمكنها ان تجمله مهما سنت من قوانين او خلقت من التفافات.
[email protected]
أضف تعليق