ما إن تدخل العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك حتى يسارع الشقيقان عبد الرحمن وأنس حمدان لدعوة أقاربهما من ذوي الأرحام لاسيما شقيقاتهما وأبنائهن لتناول طعام الإفطار في تقليد سنوي عهداه منذ زمن، وبات الآن أكثر ضرورة لجمع العائلة ولا يمنعه حاجة الاقتصاد والتدبير في ظل موجة غلاء تعصف بفلسطين كغيرها من دول العالم.
وكحال معظم الفلسطينيين خلال الشهر الفضيل يجمع الشقيقان المنحدران من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في وليمتهما نحو 40 شخصا من العائلة وسط مشهد يعكس فرحة عامة وألفة اجتماعية، ويسقط عن كاهل الشقيقين التزام لابد منه، والأهم أن الهدف المرجو من الوليمة وهو صلة الرحم تتحقق على أكمل وجه.
وتحتاج وليمة كتلك التي يقيمها الشقيقان لنحو 900 شيكل (حوالي 280 دولارا) كان سيضطر كل واحد منهما لدفع المبلغ لو أقام الوليمة لوحده، لكنهما قررا أن تكون هذا العام مشاركة في الزمان والمكان والإعداد أيضا.
تدبير واقتصاد
يقول عبد الرحمن -وهو موظف بالقطاع الخاص يتلقى نحو (800 دولار)- إنهم كانوا يبتاعون طعام الوليمة أحيانا من السوق ويكون نوعا واحدا من الزرب (الدجاج المشوي) وهذا فيما مضى كان يكلف كثيرا وأنه الآن بات يكلف أكثر "أي ضعف المبلغ" مما جعلهم يعدون الطعام منزليا هذه السنة، وبالتالي تقليل التكلفة لنحو 200 دولار، يتقاسمها الاثنان ويقدمان أصنافا من الطعام.
وهذا المبلغ (200 دولار) كبير أيضا لكنه أهون من أن يتكبَّده الشخص بمفرده، يضيف عبد الرحمن، كما أن العزومة (الوليمة) المشتركة جنبتهم مصاريف إضافية وتبعات إعدادها بشكل منفرد والأهم "تحققت الغاية وأعدت وليمة جيدة حضرها الجميع".
وبمقارنة بسيطة للارتفاع بالأسعار بين رمضان العام الماضي والحالي أجراها عبد الرحمن وجد أن سعر كيلو الدجاج المذبوح ارتفع من 13 شيكلا (4 دولارات) إلى 21 شيكلا (نحو7 دولارات) وكذلك الارتفاع الذي أصاب سعر اللحوم الحمراء.
בעקבות חוק חדש - כמעט כל אחד זכאי לדרכון אירופאי
בעקבות חוק חדש - כמעט כל אחד זכאי לדרכון אירופאי
דרכון זר | מודעות חיפוש | Sponsored
credit icon
وارتفع السكر والأرز والزيوت النباتية إلى 30% فضلا عن السلع الأخرى كالمحروقات "والمعضلة أننا لا نلمس انخفاض الأسعار حتى لو تراجع عالميا، بسبب تلاعب التجار" يقول عبد الرحمن.
وعند عائلة الشاب بشار الحاج (33 عاما) تتم الوليمة بشكل آخر، فهم إضافة لليوم الذي يخصصونه لشقيقاته وذوات أرحامه من النساء بدعوتهن في منزل والده، يقيمون إفطارا لهم معظم أيام الشهر ويحضره وأشقاؤه الأربعة وعوائلهم، ويجهزون صنفين من الطعام وواحدا من الحلويات والعصائر، وبالتالي يكون كل شيء بقدره ودون تبذير.
إيجابيات
ويقول الحاج للجزيرة نت إن الإفطار الجماعي بمنزل والده يجمع الكل ويقلل النفقات والمصروفات المترتبة على كل واحد لو أعد الطعام بمنزله، ويتابع أنه يتقاسم وأشقاؤه مع والدهم نفقات الإفطار، فبعضهم يحضر العصائر وآخر يتكفل بالحلويات، وهناك من يترتب عليه مساعدة والده بمصاريف الوليمة.
وهذا "الغلاء الفاحش" رغم سلبياته كثيرة فإنه أوجد تكافلا بين أفراد المجتمع كحالهم هو ووالده وأشقائه، حيث صاروا يلجؤون لشراء موادهم التموينية مرة كل شهر ومن محل بيع الجملة.
ويوضح الحاج أنه ووالده وأشقاؤه أصبحوا يبتاعون مستلزماتهم سويا وكل شهر، إذ يشترون بألف دولار مواد تموينية وخروفا ويتقاسمون ثمنه ولحمه "وبهذا نضمن اللحم الجيد والتوفير بسعر اللحم الذي وصل نحو 30 دولارا للكيلوغرام الواحد من الضأن و16 دولارا للحم البقري".
ورغم أهمية هذه الولائم وما تحدثه من تآلف بين الأهل فإنه يمكن عملها بأكثر من طريقة بدعوة الكل مرة واحدة وبإعداد أصناف محددة بأقل التكاليف، تقول فيحاء البحش رئيس جمعية حماية المستهلك بنابلس، وتضيف "يمكن أيضا أن تساهم كل أسرة بوجبتها ويجتمعون سويا".
ومثل عوائل حمدان والحاج لجأت كثير من العائلات الفلسطينية بشكل أو بآخر للتخفيف من نفقات الولائم، لاسيما في ظل عدم انتظام الرواتب وعدم وجود أفق لذلك والتي تصرف للشهر الخامس على التوالي بنسبة 80% للموظفين الفئة الأكثر تضررا من الغلاء، خاصة وأن نفقات بقية أيام الشهر والعيد ما زالت تنتظرهم.
غلاء قادم
ويتوقع أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح بكر اشتية أن الغلاء القادم أكبر، كون 75% من سلة المستهلك الفلسطيني مستوردة، وبالتالي فإن أي تضخم عالمي بالأسعار يتأثر به الفلسطيني مباشرة.
ويقسم اشتية الغلاء لقسمين: آني وموسمي ويتمثل بالمنتجات المحلية من الدواجن والخضار والفواكه، وسرعان ما تهبط أسعارها. وآخر دائم ويتعلق بالمنتجات المستوردة كالزيوت النباتية والسمانة بأنواعها وكل ما يخص الاستهلاك اليومي، وهذه الارتفاعات قد تستمر فترة طويلة ولا تعود للخلف مرة أخرى.
وفي مجتمع كفلسطين تصل فيه البطالة بنحو 27% والفقر 29% (الضفة والقطاع) ويعتمد على الاستيراد بشكل كبير، تبقى فيه خيارات الحكومة للمواجهة مرتبطة بأمرين -وفق اشتية- أولهما مراقبة الأسعار وخاصة على السلع المستوردة، ودعم الأسر المحتاجة، فالحكومة لا يمكنها دعم كل السلع.
ورغم الأزمة توقع اشتية ألا يصل ارتفاع الأسعار بالمناطق الفلسطينية إلى 10% كالارتفاع الذي حدث عام 2008 ضمن موجة الغلاء العالمية آنذاك، في حين تشير التقديرات إلى أن الارتفاع الآن يتراوح بين 5 و6%.
(الجزيرة)
[email protected]
أضف تعليق