كل ما كان من قبل تبدّل، من "علوا البيارق" للفنان أحمد قعبور ولما لهذه الاغنية من مكانة في وجدان اللبنانيين، الى الجلسات الرمضانية، وتلك الأجواء على الشوارع المليئة بإنعكاس راحة وطمأنينة تترجمها مبادئ الشهر الفضيل رحمة وايماناً وتلاقياً بين الناس. واليوم حتى شكل الإفطار والسحور تغير، في رحلة البحث عن وجدانية رمضان في قلوب اللبنانيين المثقلين بأعباء يومية جعلت العادات الرمضانية تغيب، كما أجواء التراحم والمودة، بعدما أصبح الهم الأول تأمين لقمة العيش و"الكهرباء" للافطار والسحور.. وحبة التمر.
مثقلة يوميات اللبنانيين الرمضانية بالهموم، تحديداً الاقتصادية منها والتي تشكل أعباء إضافية على تفاصيل حياة الانسان، الباحث النهم عن قوت يومه. وإذ باتت تغيب مظاهر الاحتفاليات بالشهر الفضيل من زينة وتجمعات وافطارات، الاّ أنّ الارتباط الاجتماعي بروحية الشهر الكريم تبقى موجودة بتقاطع مع الروابط الدينية التي تحكم المسلمين في شهر الصوم. فهل أبعدت التحديات الاقتصادية تلك الروحية عن عادات اللبنانيين، وخصوصا بسبب التأثيرات النفسية السلبية التي يتركها الهم المعيشي على تصرفات الانسان، فتراه يتحول الى العصبية واحياناً الاستسلام والابتعاد عن الناس، وغالباً ما يتجه نحو عدائية تترجمها مشاكل فردية بين أبناء المنطقة الواحدة؟
رمضان كريم من "لبنان 24"
شيخ العقل في رسالة رمضان: النزوع نحو المصالحِ الضيقة يمزّق الكياناتِ الوطنيةَ والإنسانية
في دردشة لـ"لبنان 24" مع "حكواتي البلد"، ابن طرابلس الممثل براك صبيح، تحدث عن الحركة الثقافية المرافقة لشهر رمضان ما بين الامس واليوم، وكيف تبدلت على الرغم من ارتباط هذه العادات والتقاليد بالمورث الشعبي وذاكرة اللبنانيين التي تشكل جزءاً من كل فرد فينا.
التراث الثقافي
يقول صبيح إنّ التراث الثقافي المرتبط برمضان حتماً ينتقل من جيل الى جبل، ولكن يتم تطويره بطبيعة الحال مع تطور المجتمعات، وهو ما حصل في مفهوم الحكواتي والمسحراتي و"السكبة" او تناقل الطعام والافطارات بين الصائمين. ويتابع: "طبعا الحنين الى الماضي الاجمل هو الذي يذكر اللبنانيين اليوم برمضان الامس. هناك متغيرات طرأت على العادات في عصر السوشيل ميديا، ولكن طبعاً لا يزال هناك الكثير من الثوابت وإذ أتحدث عن منطقتي طرابلس ولكنها تكاد تكون نموذجاً عن كل المناطق اللبنانية. للأسف اليوم نلاحظ بمقارنة بسيطة للسنوات غير البعيدة تبدل تلك العادات مثل الخيم الرمضانية والجلسات، حتى مظاهر الزينة، ولكن يمكن القول انّ أهالي الشمال لا يزالوا يحافظون على تقاليد الموروث الديني أي الصلاة والتردد الى المساجد لصلاة التراويح، وتبقى البيئة حاضنة اجتماعية لتقاليد الموروث الديني".
التكاتف الاجتماعي
وفي مقابل كل هذه الاشكال التعبيرية سواء بالترجمة الاجتماعية او الدينية لممارسات الشهر الفضيل، يبقى الأهم هو القيم التي يجب التحلي بها في الشهر الفضيل كما على مدار العام، وبحسب صبيح: "نسأل اليوم الى أي مدى هذه القيم لا تزال موجودة في رمضان من اشكال التكاتف الاجتماعي الى المشاركة في تقديم الطعام والافطارات للمحتاجين، وحتماً الإجابة تتعلق بالشق الاقتصادي الصعب على الجميع. أضف الى ذلك المشاكل الفردية والخلافات التي تحصل بين أبناء الحي الواحد، ففي السابق كان اهل الخير يهبون لمنع حدوث أي مشكل في الشارع ولكن للأسف اليوم ما نراه مغاير تماماً، وبالامس تمت إراقة الدماء في شهر رمضان المبارك".
هي روحية اذاً يجب التحلي بها وخصوصاً لما يرتبط بالعلاقات الإنسانية بين الناس، ويختم صبيح: "للعمل دوما من اجل المحافظة على عبق الماضي من رمضان بما فيه من اشكال الحب والتلاقي والتسامح بين المواطنين".
ولأنّه ما من شيء يصعب على اللبناني المحب لأخيه اللبناني، فحتماً يمكن إعادة انتاج كل هذه العادات لما فيها مصلحة الجميع بتضافر جهود العائلة والمؤسسات الدينية والمؤسسات الثقافية العاملة في المناطق، كي يبقى رمضان شهر الخير والعبادة، وللحفاظ على هوية وروحانية الشهر الفضيل.
[email protected]
أضف تعليق