في ظل التسارع الرسمي الإسرائيلي في تنفيذ مخططات التضييق بدو النقب، أعلنت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام عن طرح مخططات جديدة يطلق عيلها "التركيز" لقرى غير معترف بها، يبدو في ظاهرها اعتراف بعدد من القرى، إلا أنها ستشكل عملية "تهجير من الطراز الأول".

وستحوّل مخططات التركيز الأخيرة بلدات ذات كثافة سكانية في النقب إلى "علب سردين"، أو ما يشبه الاكتظاظ بالمخيمات الفلسطينية.

وستكون على رأس هذه المناطق بئر السبع وحورة وعرعرة وغيرها، والتي سيتم تهجير سكان القرى إليها.

ووقع ممثلو عائلات من قضاء بئر السبع على خطوات تصعيدية سيتخذونها، عقب إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن مخططات لتهجيرهم وترحيلهم، منهم ممثلو عشيرة الأعسم وأبو كف وأبو رقيق والفريجات وأبو سبيلة وأبو زقيقة والرفايعة والوقيلي والحريزات وأبو هدوبة والأطرش وأبو نادي.

ماذا يعني التركيز لـ "إسرائيل"


ويكشف المختص بشؤون الأرض والباحث في العلوم الاجتماعية والسياسية عامر الهزيل  تفاصيل مخططات "التركيز" الجديدة.

ويقول الهزيل: "مخططات التركيز ضمن المخطط الكبير للتهجير القسري لبدو النقب، وهي ترجمة لاستراتيجية إسرائيلية لتغيير النقب عبر تركيز وزرع أكبر عدد من بدو النقب في أصغر رقعة، وتوزيع أكبر عدد من اليهود على أكبر مساحة فيه".

ويضيف أن "إسرائيل تريد من خلال مشروعها تركيز سكان القرى المستهدفة في بلدات معينة سبق وأن نفذت فيها عمليات تركيز لقرى أخرى وتم تهجير سكانها، ومنها رهط وبئر السبع وحورة وأسدود وعرعرة".

ويصف المختص بشؤون الأرض هذه البلدات التي يريد الاحتلال جلب المزيد من البدو إليها، أنها "تحولت إلى علب سردين، من خلال نهب إسرائيل للأرض وابتلاعها في قرى سابقة، فأصبحت ذات كثافة سكانية عالية جدًا تضاهي المخيمات الفلسطينية".

وتسعى "إسرائيل" حسب مخطط التركيز لتسكين 7 أسر، بينهم متزوجون، على كل ألف متر، وليس هناك خيارات أخرى أمامهم، كما يوضح الهزيل.

ويتابع، رئيس بلدية رهط الأسبق، أن "إسرائيل تحاول توسيع هذا النموذج الآن بالإعلان عما تسميه طروحات للاعتراف بقرى تصنفها بأنها غير معترف بها، وبالتالي فإن كل عملية طرح حلول تركز فيها على ما تسميه مخططات تركيز".

وفي تفاصيل هذه المخططات التي اطلّع عليها الهزيل، مخطط قرية "عبده" التي تم الاعتراف بها، فهو ينص على "تركيز عشائر بأكملها بوادي رمام في القرية، ومصادرة باقي أراضيها".

كذلك الأمر بالنسبة لقرية "خشم زنة" والتي يقول المختص الهزيل في حديث خاص لوكالة "صفا"، إن "هناك توجهًا لإقامة بلدة تركيز تسمى خشم زنة حيث سيتم اقتلاع عشائر بير الحمام وتركيزها فيها ومصادرة أراضيهم".

ويصف مخطط تركيز "خشم زنة" بأنه "أبشع من التركيز الذي تشهده رهط ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يعني تركيز السكان من 13 ألف دونم إلى 3 ألاف دونم، وهو ما أعلنت آليت شاكيد عن فخرها به مؤخرًا".

"تفاصيل كارثية"

وفي التفاصيل، فإنه سيقام مكان قرية خشم زنة التي سيتم تهجير سكانها قسرًا مستوطنة تسمى "جفعات"، بالإضافة إلى أنه ومقابل كل مخططات التركيز المعلنة، البالغ عددها ثلاثة، ستقام 16 مستوطنة على أراضي القرى مسلوبة الاعتراف.

ويكشف الهزيل أن "إسرائيل" ستقيم وفق مخططات التركيز مدينة على أراضي بلدة عراد ومنطقة ستيفس وتقتلع كل البدو في هذه المناطق وتصادر أراضيهم.

"الكارثة" كما يصف الهزيل، هي أن حكومة الاحتلال فوق المصادرات التي ستنفذها وعمليات التهجير، وضعت شرطًا في مخططات التركيز، بالتنسيق مع القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، وهو "الندية".

و"الندية" تعني أنه في مقابل البلدات التركيزية للبدو ستقام مستوطنات، "وإلى جانب المستوطنات التي ذكرتها، ستقام مستوطنات مثل حيران على أنقاض قرية أم الحيران التي لطالما شهدت معارك"، وفق الهزيل.

وتنص مخططات التركيز أيضًا على إقامة مستوطنة أخرى على حساب قرية عتير، ومستوطنة على حساب قرية الزرنوق.

وحسب الهزيل، فإن مخططًا آخر سيتم من خلاله إقامة عدد من المستوطنات على خط 25، ومن خلال هذه المستوطنات ستتم "إسرائيل" فرض سيطرتها على المنطقة المقامة على هذا الخط بين بئر السبع وديمونا.

ويضيف "هذه المستوطنات يخططون من خلالها لمحاصرة التواجد العربي بالنقب أمنيًا ومنع التناقل والتواصل بين عدد من القرى، كما أن هذه المستوطنات ستأتي على حساب أراضي قرية بير هداج وأبو غرينات وقصر السر وأم أسنان وغيرها".

وفي مخططات التركيز "مخطط شارع31" الذي يقضي بترحيل كل القرى الموجودة على هذا الخط، بالإضافة إلى مخططات التشجير التي وضعتها وتنفذها حاليًا "إسرائيل"، وتهدف لتشجير مساحة تزيد عن 80 ألف دونم، تمهيدًا للسيطرة عليها.

ويصف الهزيل مخطط التشجير بأنه "تهجير من الطراز الأول"، موضحًا أنه جاء بعد أن فشلت سلطات الاحتلال في زراعة مستوطنات على هذه المساحات فاستحدثت طريقة التشجير، وتهدف لقطع التواصل تمامًا وتحويل الأماكن التي يقيم فيها البدو إلى دوائر سكانية مقطوعة.

ويبلغ عدد سكان النقب 300 ألف فلسطيني بينهم 33% يقيمون في قضاء بئر السبع التي تريد "إسرائيل" تركيز سكان القرى المستهدفة بالتهجير فيها، مع العلم أن ما يقوم عليه الفلسطينيون في النقب لا يتعدى 2.5% من مجمل مساحة النقب التي تمثل 60% من أرض فلسطين التاريخية.

"مستقبل مقيت وحل وحيد"

ووفق تقديرات المختص والباحث عامر الهزيل، فإن عدد سكان النقب في عام 2040 سيصل إلى 520 ألفًا، وقد يصلون إلى مليون في عام 2050.

ويصف حجم الكارثة بقوله، "حينها لن نكون أمام أزمة أين سنسكن، وإنما أين سندفن موتانا أيضًا".

وأمام هذه المخططات الإسرائيلية، لا يتوفر أمام سكان النقب سوى الرفض والمقاومة.

ويقول الهزيل عن ذلك "لن يقبل أهل النقب بأن يكونوا الضحية القادمة لإسرائيل، فلم يبق أمامهم سوى المقاومة المدنية الفاعلة، وما شهدته من هبة مؤخرًا هي منها".

ويشدد على وجود مخطط "خارطة طريق 2040" الذي سيقابل مخططات "إسرائيل" في ضرب النقب بمخططات موازية، قائلًا: "سنعيد تنظيم الحركة الشعبية وفق هذه الخارطة، وأمام كل مخطط لهم لدينا مخطط وخطط خماسية وعشرية في كل المجالات، وسيكون هناك غرفة إعلام مشتركة توحد إعلام النقب ليصل صوتنا إلى العالم بشكل فاعل ومنظم".

ويشهد النقب الفلسطيني منذ مطلع يناير، كانون ثاني المنصرم هبة ضد هجمة تحريش وتجريف يتعرض لها منذ ما يزيد عن 3 أشهر، فيما تنفذ قوات الاحتلال حملة اعتقالات لمحاولة النيل من الهبة الشعبية في النقب وتمرير مخططاتها الاقتلاعية.

المصدر: صفا

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]