اعلن الاطباء الفلسطينيون في مستشفى الميزان التخصصي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية صباح اليوم عن استشهاد الشيخ سليمان الهذالين، متأثرا باصابته البليغة بعد تعرضه للدهس من قبل شاحنة إسرائيلية لأحد المستوطنين شرق يطا.
وقد قام سائق شاحنة ترافقه الشرطة الاسرائيلية على مدخل قرية ام الخير جنوب الخليل، بدهس الشهيد الهذالين في وقت متأخر من نهار الأربعاء الموافق 2022/1/5، ومن ثم لاذ بالفرار بعد عملية الدهس، وهربت الشرطة الإسرائيلية بعد مشاهدتها لحادثة الدهس دون ان تقدم للشيخ المصاب اية اسعافات اولية او حتى تبليغ عن اصابته.
من هو الشيخ سليمان؟
ولد الشيخ سليمان في خيمة بسيطة على أراضي قرية "ام الخير" في مسافر بلدة يطا، كان قد اشتراها والده قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967، إذ لا يسمح الاحتلال بأي تغيير في الواقع الذي كان قائما في القرية قبل احتلالها، بل نفذ فيها أكثر من 15 عملية هدم ما زالت آثارها ماثلة إلى اليوم ، وكما تقول العائلة فأن جذور عائلة الهذالين البدوية تعود إلى منطقة "تل عراد" في النقب، ويعود نسبهم الى عشيرة الجهالين البدوية في النقب ، وقد هجّروا من اراضيهم هناك إلى الضفة الغربية وانتشروا في سفوحها الشرقية، وبينها مناطق جنوب الخليل المسماة "مَسافِر يَطّا".
يوم الحادث ...
في يوم الحادثة كانت قرية "أم الخير" تتعرض لهجمة وتعديات من قبل المستوطنين والشرطة الاسرائيلية التي تقوم بحمايتهم ، حيث قامت قوة من الشرطة الإسرائيلية بمداهمة القرية البدوية الواقعة إلى الشرق من بلدة يطا، جنوبي الخليل، بزعم مصادرة سيارة تعتبرها "غير قانونية"، أي أنها غير مسجلة لدى السلطة الفلسطينية أو السلطات الاسرائيلية، و فوجئ السكان بشاحنة تابعة للشرطة الإسرائيلية، يفترض أنها أحضرت لتحميل السيارات المصادرة، تباغت الشيخ سليمان وتقوم بدهسه ، ما ادى الى أصابة الهذالين بجراح خطيرة في الرأس، أدخل على إثرها الى غرفة العمليات في مستشفى الميزان ، وخضع لعملية جراحية معقدة استغرقت عدة ساعات، انتهت بإيقاف نزيف دموي في الدماغ، كما أصيب برضوض وكسور في أنحاء جسده، فضَّل الأطباء التعامل معها بعد السيطرة على النزيف ، الاطباء اوضحوا أن المصاب وصل مع أضرار في كافة أنحاء الجسم، إصابة مباشرة في أغلب مناطق الرأس، وقد وصل وهو يعاني من نزيف في الدماغ نتيجة كسر في مقدمة الجمجمة، تمت السيطرة عليه بصعوبة ، حيث كان قسم من الاطباء يضخ الدم للشيخ لتعويض النقص بسبب النزيف ، بينما يحاول اخرون السيطرة على مصادر النزيف في مواقع الاصابات المتعددة ، وفي حينه افادوا بأنه قد يكون معرضا للشلل الرباعي بسبب اصابة في العمود الفقري انتظروا حتى التأكد منها بعد استفاقته من الغيبوبة ، لكنه لم يستفق منها وتم اعلان الوفاة اليوم.
اهالي ام الخير رأوا أنه لم تكن قضية ملاحقة السيارات سوى ذريعة لاقتحام القرية وترويع سكانها، واستهداف رمزها الشيخ سليمان الهذالين البالغ بوفاته 69 عاما ، يتهم إبراهيم الهذالين شقيق المرحوم الشرطة الإسرائيلية بتعمد دهس شقيقه سليمان، مستدلا بشريط مصور يظهر مباغتته من قبل سائق الشاحنة ، موضحا ان الشرطة الاسرائيلية أرادت الانتقام من الحاج سليمان الذي تعرفه جيدا من خلال تصديه لها في كل فعالية.
ليس مواطنًا عاديًا
الشيخ سليمان أيقونة من ايقونات النضال ضد التهجير وسلب الاراضي ، حاله في ذلك كحال اهالي النقب الارض التي ينحدر منها ، فهو كما يقول ناشطون بعضهم من النقب ايضا ليس مواطنا عاديا، فهو لا يغيب عن أي فعالية لرفض الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية، وبشكل خاص جنوبي الضفة وفي محيط قريته التي يزحف إليها الاستيطان ، فهو يشارك دائما في خط المواجهة الاول مرتديا منديله البدوي الابيض وهو جزء من اللباس البدوي التقليدي مسدلا اياه على كتفيه وبيده عصاه يتوكأ عليها ويلوّح بها في التظاهرات والفعاليات الشعبية، إلى جانب علم فلسطين، على وجهه البشوش ارتسمت خطوط الزمن الطويل الذي عاشه مدافعا عن قرية هجر اليها والده واهله قسرا ، حالما بيوم يعود فيه الى ارضه في تل عراد ، بلهجته بالبدوية التي حافظ عليها تسمعه يرحب بالضيوف والمتضامنين ، يشكر الصحفيين والنشطاء الذين احبهم واحبوه وشاركوه الكثير من محطات نضاله، ويدعو داءه المأثور "اللهم حرر الأسرى والمسرى ".
معاناة الحاج سليمان وأقاربه لم تقف عند الملاحقة بالهدم ومنع البناء في القرية ، انما تفاقمت بالشروع عام 1982 ببناء مستوطنة تسمى كرمل لا يفصل بينها وبين خيمته سوى أسلاك شائكة، وبطبيعة الحال ليست خيمته فقط بل ايضا بيوت الصفيح والخيام الاخرى التي يعيش فيها اقاربه ، واليوم امتدت "كرمل" غربا وجنوبا وشمالا لتلتهم مزيدا من الأرض، بينما هو لا يستطيع إضافة أي بناء، مما يضطر أبناءه وغيرهم إلى الرحيل والبحث عن مكان يستطيعون البناء والعيش فيه خارج القرية ، في الوقت الذي رفض فيه هو التحرك من مكانه ، تعرض لمئات الاعتداءات من قبل الشرطة الاسرائيلية والمستوطنين في المنطقة ، وكان دائما في مواجهة دائمة ومستمرة مع قوات الشرطة الاسرائيلية والجيش والارتباط المدني والادارة المدنية ، ومع ذلك كان يشارك وبقوة في كل الوقفات الاحتجاجية الداعمة للاسرى ، بالاضافة الى رباطه مع اهالي الخان الاحمر لمدة 6 شهور متواصلة ، ولم يتغيب عن أي من الوقفات الوطنية على انواعها .
تشييع الجثمان
غدا يشيع اهالي ام الخير وحشد من المتضامنين والصحفيين والجماهير التي عرفت الايقونة العظيمة سليمان الهذالين الى مثواه الاخير في الساعة الحادية عشر ظهرا ، بعد ان تم نقل الجثمان الى معهد الطب العدلي ابو كبير نهار اليوم ، وتبقى ام الخير بعده يتيمة تبحث عن ذلك الاب الذي رحل فجأة دون سابق انذار ، تاركا خلفه ارثا كبيرا من النضال والثبات .
[email protected]
أضف تعليق