أ . د . مشهور فوّاز
كثيرٌ هي المسائل التّي تصل لمكتبِ الإفتاء بشكل يوميّ تُفرِحُ القلبَ وتدلّ على حبّ الدّين الفطريّ في قلوب النّاس وحرصهم الشّديد على معرفة الحلال والحرام وهذا بلا مبالغة يكاد لا يوجد في نظام أو ملّةٍ كما هو لدى المسلمين .
ولكن بالمقابل - وللأسف الشّديد - كثيرٌ هي المسائل التّي تصلنا بشكلٍ متكرر تدلّ على ضعف الوازع الدّيني وعدم الوعي والنّضوج وفي بعض الأحيان يكون السّؤال لا لأجل معرفة الحكم الشّرعي وإنّما لأجل التّغطي بعباءة الدّين والتّسلح به لتقوية ودعم موقفه.
وفي هذا المنشور وما يليه من منشورات نذكر أبرز المسائل التّي أحزنتني وآلمتني لا لأجل ذكر الوجه المُعتِم فحسب فإنّه ليس من إعادتي اغفال الجانب المشرق في الأمة وإنّما أقصد من وراءِ التّحذير ورفع سقف التّوعية لدى يسأل ومن يجيب على حدٍّ سواء .
امرأة تسأل وتقول :" أنا مطلّقة وتعرّفت على رجلٍ من بلاد الله تعالى الواسعة وتعلّقت به وتزوجنا دون معرفة أحدٍ من أهلي وكان ذلك بحضور شيخ قد عقد لنا العقد الشّرعي - غير المسجّل - وشهد على ذلك شاهدان ثمّ بعد ذلك تركني الزّوج ولا أعرف مكانه ولا أهله ولا أعرف الشّاهدين وأنا الآن كالمُعلّقة !!! فهل ما فعله بي هذا الرّجل حلال ؟!
قلتُ : آهٍ آه ... واحرّ قلباه.... وهل ما فعلتِ أنتِ بنفسك وأهلك حلال ؟! لماذا لم تسألي عن الحلال والحرام قبل الوقوع بمستنقع هذه الجريمة الشّرعية والأخلاقية ... ليت صلاحية التّعزير للمفتي تعود كما كانت سابق عهدها لأنتف أولاً لحية هذا الشّيخ الذّي عقد لكم والذّي أفتى لكم بحلّ هذا الزّواج الذي ما هو إلاّ زنا مُقنَّع .. ثمّ بعد ذلك نعزّر المرأة والرّجل - الذّي ليس فيه من صفة الرّجولة إلا الإسم - وكذا الشّاهدين بسبب هذه التّسلية على حساب الشّرع والجرأة على محارم الله تعالى !!
هل مسألة مثل هذه بحاجة لفتوى شرعية ؟! أين عقلك أيتها المرأة ؟ كيف قبلت بأن تقدّمي نفسك بهذه الصّورة الخادشة للدين والحياءِ والمروءة بل وتتنافى مع الفطرة السّليمة!! ستقولين الشّيخ قال لي بالجواز لأنك ثيّب وأنت ولية نفسك !!! وهذا كلّه غير صحيح وافتراء على بعض أهل العلم كأبي حنيفة لأنّ أبا حنيفة ما قال بحلّ الزواج بالخفاء عن الأولياء والأهل بل ولم يقل أحد من أهل العلم بذلك فاتقوا الله تعالى بهذا الإفتراء العظيم لأنّ من افترى على عالمٍ فقد افترى على الله تعالى .
أريدك أن تسألي هذا الشيخ المُفتِن الضّلالي الذي أفتاكم وعقد لكم مقابل دريهمات هل يقبل لإبنته أو لأخته أن تتزوج بهذه الطّريقة المُبتذَلة ؟!!
أليس هذا الزّواج - على افتراض صحة تسميته بزواج- مدمّرًا للأخلاق والقيم ؟ أليس هذا الزّواج يفتح أبواب المفاسد بشتى أشكالها وأنواعها وألوانها ؟! أليس هذا الزّواج بسببٍ من أسباب القتل والإجرام وسفك الدّماء ؟ أليس هذا الزّواج بسببٍ للتفكك الأسري ؟! أليس هذا الزّواج سبب لتعريض السّمعة للسوء والعار ؟!! أليس هذه الزّواج بسببٍ لإنتشار اللّقطاء - وهم الأطفال الذّين لا يُعرَفُ لهم أب - في المجتمع ؟!! أليس هذا الزّواج مدعاة لذئاب الأعراض لاستغلال فتياتنا وابتزازهنّ ؟!! أين دينكم ؟!! أين ضمائركم ؟!! أين عقولكم ؟!!
حتى لو لم تحفظي أيتها السّائلة النّصوص الشّرعية النّاهية والمحذّرة من هذا الزّواج الضآر والسّيء إلاّ أنّ الفطرة السليمة والمنطق السّليم وأدنى درجات الفهم والعقل ترفضه !!
أهلنا الكرام : إنّ هذه الظاهرة تتنامى في الفترة الأخيرة لأسباب عديدة - ليس محل نقاشها في هذا المنشور - ولعلّ أبرز ما ساعد وساهم بإنتشارها هو التقنيات الحديثة كالفيس بوك والواتس أب والتويتر ونحو ذلك لذا رأيت من الواجب المحتّم الكتابة حول هذه القضية والتّحذير منها وممّن يقوم بها .
ويبقى السّؤال المحيّر الذّي لا أجد جوابًا له في جميع ما اطلعت عليه من الكتب والمقالات والأبحاث وأكون شاكرًا لمن يجيبني عليه : كيف تعلّقت هذه الفتاة بهذا الشّاب حتى عُمِّي على بصرها وبصيرتها وقلبها وسلّمته نفسها وهي لا تعرفه ؟!! حقًّا إنّها فتنٌ تجعل الحليمَ حيرانا!!
[email protected]
أضف تعليق