رغم الحكم عليه بالسجن المؤبد 6 مرات، استطاع الأسير المقدسي أشرف منير زغيّر (42 عاما) المشاركة في عرض أزياء فلسطيني من خلال تصاميمه التي رسمها داخل جدران سجنه، فهو وإن لم يخرج جسده إلى النور منذ 19 عاما، إلا أن تصاميمه يتم تحويلها حتى اليوم لقماش وألبسة على الأبدان تلمس خيوط شمس القدس المحتلة.
قبل اعتقاله، كان أشرف شابا في مطلع العشرين من عمره، يمتلك مركبة خاصة ويبرع في الرسم ورياضة الكاراتيه، ويعمل على رأس مصنع الألبسة التابع لعائلته في القدس، بعد أن أنهى بتفوق دراسة تصميم الأزياء في معهد الأزياء والنسيج في بلدة بيت ساحور جنوبي القدس، والذي قصده لتنمية موهبته في تصميم الأزياء والموضة، وكان على مشارف منحة لإكمال ذات التخصص في فرنسا.
وفي غمرة ذلك، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي أشرف في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2002، وحكم عليه بالسجن المؤبد 6 مرات بتهمة نقل مقاومين والانتماء لكتائب الشهيد عز الدين القسام، لكن ذلك لم ينل من عزيمته أو يطفئ شغفه، فتعلم في سجنه الخط العربي، وأنهى الدراسات العليا (الماجستير) في الاقتصاد والعلوم السياسية.
الخط العربي على الألبسة
فُجعت مصممة الأزياء رانيا زغيّر بنبأ أسر شقيقها الذي شابهته في موهبة تصميم الأزياء وخططا معا لمشاريع كبرى، فقررت عام 2009 مع ابنة عمها تنظيم عرض أزياء في مدينة رام الله، وعرض تصاميم أشرف الذي كان حاضرا وبقوة في العرض -رغم أسره- من خلال تصاميمه التي أبهرت من حضر، وتميّزت برسم الحرف العربي عليها.
استقبلتنا رانيا في منزلها ببلدة كفر عقب شمالي القدس المحتلة، وأخرجت بحرص عشرات التصاميم ورقاع الخط العربي التي خطها أشرف قبل وأثناء اعتقاله، لتتولى هي لاحقا مهمة تحويلها إلى منتج نهائي ولباس يُباع ويُرتدى، رغم عرقلة إدارة سجون الاحتلال إخراج التصاميم عبر البريد مما استغرق وقتا طويلا.
تمسك الشقيقة الكبرى بفخر تصميم عباءة نسائية سوداء خرجت إلى النور، صممها أشرف بدمج أحرف عربية بخط الرقعة على أكمامها.
وتقول للجزيرة نت "أعتقد أن أخي كان من أوائل الذي أدخلوا الخط العربي إلى تصميم الأزياء الشرعية، فالأمر لم يكن دارجا أبدا عام 2009، ونالت تصاميمه استحسان الكثير من العاملين في سلك الأزياء والموضة، حتى أن وسائل إعلام عبرية تهافتت لإجراء لقاءات معنا، والسؤال عما إذا كانت حروف التصميم المبعثرة تحمل شيفرة (رمزا) ما أراد أشرف إيصالها للخارج".
ألوان الطعام داخل التصاميم
حتى اليوم، يواصل أشرف صقل موهبته، رغم شح الموارد داخل السجن وتضييق إدارته على المدخلات والمخرجات، فيصنع الألوان الناقصة من الطعام كالشمندر والملفوف الأحمر والكركم والقهوة، ويخط فيها أتقن اللوحات. كما يحافظ على أناقته المعتادة وذوقه الرفيع في اللباس، رغم تحكم إدارة السجن حتى في لون الجوارب التي تدخل للأسرى!
دخل أشرف عامه الـ20 داخل الأسر، ويقول والده منير زغير الناطق باسم لجنة أسرى القدس -للجزيرة نت- إنه غدا من قيادات الحركة الأسيرة في سجن نفحة، ويتمتع بسمعة طيبة بين الأسرى الذين يعلمهم تصميم الأزياء، بعد أن تعلم منهم الخط العربي. فكل أسير فلسطيني -طاهيا كان أم طبيبا أم حلاقا- ينقل مهاراته وعلمه إلى غيره من رفقاء الأسر.
تختم رانيا واصفة شقيقها "عندما نتحدث عن الأزياء يرقص قلب أشرف، يسألني باستمرار عن آخر صيحات الموضة، والألوان المتصدرة. ورغم الحياة الرغيدة التي عاشها قبل الأسر وشبكة علاقاته الواسعة وسفره، فإن إجابته حين سألته عن أكثر ما يفتقده كانت جلساته مع أمه وأخواته، حين كنا نجتمع يوميا ونغني كثيرا".
[email protected]
أضف تعليق