قد لا يعرف الكثيرون أن الطباعة ثلاثية الأبعاد كانت موجودة فعلاً منذ نهاية القرن العشرين، عندما اخترع تشارلز "تشاك" هال الطباعة المجسمة في عام 1984. ومع ذلك، لم يعرف الكثيرون عن هذه التقنية لسنوات، وذلك لأن هذه التكنولوجيا قيدتها العديد من براءات الاختراع. وعندما انتهت صلاحية براءات الاختراع هذه، أصبحت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أكثر شيوعاً وبدأ تسويق الطباعة ثلاثية الأبعاد لجمهور المستهلكين.

"الثورة الصناعية القادمة"

يوضح راز ديربي، الرئيس التنفيذي لشركة "مفعيل" التي تسوق الحلول التقنية للطباعة ثلاثية الأبعاد: "تعود الطابعات ثلاثية الأبعاد إلى منتصف الثمانينيات، حين تم تصنيعها في مرآب للسيارات". "في عام 2007، كانت هناك قفزة إلى الأمام في التكنولوجيا التي عززت إنتاج هذه الطابعات وولدت اهتمامًا عالمياً بهذا المجال. في ذلك العام، كان سعر الطابعة الأساسية حوالي 10000 دولار. اليوم سعر طابعة بنفس الإمكانيات يبلغ اقل من 10000 شيكل".
من الصعب الكتابة عن الطباعة ثلاثية الأبعاد دون الوقوع في الكليشيهات المعتادة التي تميز موضوعات تكنولوجية من هذا النوع. من الصعب تجنب عناوين مثل "الثورة الصناعية القادمة" أو "مستقبل التصنيع على الأبواب"، ومع ذلك، فمن الصعب تجاهل آثار الطباعة ثلاثية الأبعاد التي أصبحت موضوعًا ساخنًا على خريطة التكنولوجيا والاقتصاد وحتى ثقافة الاستهلاك العالمية في السنوات الأخيرة، وخاصة في العام الماضي بعد انتشار وباء كورونا.
تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد واحدة من أكثر التقنيات تطوراً وقابلية للتطبيق في مجالات الإنتاج واستخدامات أخرى في مختلف الصناعات. وفقًا لتقرير صادر عن Report Linker، فمن المتوقع بحلول عام 2027 أن يصل حجم الطباعة ثلاثية الأبعاد عالمياً إلى 46 مليار دولار. أصبحت الطباعة ثلاثية الأبعاد ممكنة بفضل مجموعة من البرامج والأجهزة والخبرات في مجموعة متنوعة من المجالات. وهي تشمل عمليات وأساليب من عالم الكيمياء، والابتكارات الكيماوية، وسلسلة من النواتج المعقدة من عالم التفاعل بين الإشعاع والمادة، وحتى المعرفة في مجال الرسم والمسح الضوئي وترجمة المنتجات إلى رموز تفهمها الآلة.
تأثرت العديد من الصناعات والمجالات بما فيها الرعاية الصحية وصناعة السيارات والطيران والتعليم تجاريًا بشكل كبير بعد دمج الطباعة ثلاثية الأبعاد في عمليات التصنيع الخاصة بها. يقول أندرس ايدسس، مدير مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد في شركة "مفعيل"، "إحدى المزايا العديدة للطباعة ثلاثية الأبعاد هي تخفيف الاعتماد على الشركات الخارجية، خاصة في أوقات الأزمات مثل أزمة كورونا، حيث أُغلق المجال الجوي وتوقفت بالتالي سلسلة التوريد واضطرت العديد من الشركات إلى إيقاف خطوط إنتاجها"، في مثل هذه الحالات، تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد حلاً ينقل السيطرة إلى الإنتاج المحلي (in house). وخير مثال على ذلك هو طباعة ملحقات الكمامات الواقية وقطع معينة من أجهزة التنفس في ذروة أزمة كورونا، والتي تمت طباعتها في جميع أنحاء العالم باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد على يد أفراد ومنظمات تجندت لهذا الغرض.

"دمقرطة" الإنتاج

إن تطور الطباعة ثلاثية الأبعاد مشابه جدًا لتطور الإنترنت، خاصة من حيث التأثير. في أواخر التسعينيات، اعتقد الناس أن الإنترنت مجرد "موضة" – أو تجربة للمهووسين لن تغير شيئًا. الآن في عام 2021، لا يختلف اثنان على حجم التغيير الذي أحدثه الإنترنت في العالم. لقد أدى الإنترنت في الواقع إلى "دمقرطة" المعلومات. إذ يمكن لأي شخص بدء عمل تجاري عبر الإنترنت أو إنتاج برنامج تلفزيوني. والأهم من ذلك، يمكن لأي شخص العثور على إجابة لأي سؤال (تقريبًا) في غضون 5 ثوانٍ.
سيكون نفس التأثير للطباعة ثلاثية الأبعاد في المستقبل القريب: ستمر القدرة على الإنتاج من خلال "الدمقرطة"، مما يعني أن مزيداً من الناس سيكونون قادرين على إنتاج المزيد من الأشياء. تمامًا كما هو الحال مع الإنترنت - لن تكون هناك قيود، وسيكون مقدار التغييرات والخيارات بلا حدود. يكمن التأثير الأكبر لإضفاء الطابع الديمقراطي على الإنتاج في الأشياء الجديدة التي سيمكن تصنيعها، وليس فقط في ما سيمكن استبداله. لن تختفي بعض أشكال الإنتاج قريبًا ولكنها ستتطور وتفتح إمكانيات جديدة أمام الابتكار.
لتوضيح الطرق التي قد تؤثر بها ديمقراطية الإنتاج، سنقوم باستعراض عدد من الصناعات الرئيسية: التعليم والطب والسيارات والطيران.

الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الطب

استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الطب واسع. أحد استخداماتها هو الطباعة الحيوية، وهو في الأساس طباعة أعضاء للجسم. حاليًا، يستخدم نظام Bioprinting لإنتاج أنسجة بشرية بسيطة نسبيًا، مثل الغضاريف أو الجلد، وبشكل أساسي لأغراض البحث. ومع ذلك، من المحتمل في المستقبل القريب طباعة هياكل أكثر تعقيدًا. استخدام آخر هو طباعة الأطراف الصناعية، سواء كان ذلك في مجال جراحة العظام أو طب الأسنان. ولا يتميز الإنتاج بسرعته فحسب، بل بإمكانية ملاءمته للمرضى بشكل أفضل وأسرع.
بالإضافة إلى ذلك، حدث تطور في السنوات الأخيرة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد للأدوية. في السنوات الأخيرة، حاول الباحثون إنتاج أدوية للاستهلاك الذاتي باستخدام عدد من التقنيات مثل SLA و SLS والطباعة النافثة للحبر. تعد إمكانية الملائمة الذاتية إحدى المزايا البارزة للطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الطب.
لكن أحد الاستخدامات الرئيسية في الطب هو طباعة المعدات للمستشفيات والعيادات. مثل الأقنعة الواقية وقطع غيار أجهزة الأشعة السينية أو أجهزة التنفس وغيرها. وفقًا لـ إيدسس: "تتمتع الطابعات ثلاثية الأبعاد من شركات مثل HP و Ultimaker و MiniFactory و Sinterit بالقدرة على الطباعة بكميات كبيرة وبسرعة وبمواد معتمدة بالفعل من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA). لذا فإن وقت تسويقها قصير، وبمجرد خروج المنتجات من الطابعة واجتيازها لفحص الجودة، يمكن استخدامها في غرف العمليات والعناية المركزة وغيرها، وهذه ميزة رائعة، خصوصاً في هذا المجال، حيث يمكن لكل دقيقة أن تنقذ حياة إنسان ".

دروس في الأبعاد الثلاثية

اكتسبت الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال التعليم زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وأصبحت أداة تربوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وأصبح المزيد من المدارس والمدرسين على حد سواء يستخدمون الطابعات لتوضيح و"تجسيد" مفاهيم وموضوعات التعلم وكذلك تطوير الإبداع بين الطلاب.
تفتح الطباعة ثلاثية الأبعاد العديد من فرص التعلم للطلاب، وتسمح للطلاب من مختلف الأعمار بتجربة التعلم بطرق مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها توفر للطلاب فرصة للتجربة الشخصية، وتنمية التفكير والابتكار والإبداع. تعمل بيئة التعلم المرئية على تحسين القدرة على تحليل المواقف وإدراكها بشكل ملحوظ. يؤكد إيدسس: "باستخدام التقنيات ثلاثية الأبعاد التي نوفرها للمدارس، نساعد الطلاب على تطوير المهارات التي ستدعم اندماجهم في عالم العمل مستقبلاً، وتجهزهم للتفكير التكنولوجي وتدفعهم نحو القرن الحادي والعشرين."
يبدأ تعلم الطباعة ثلاثية الأبعاد في وقت مبكر من الصفين الثالث والرابع، مع تركيز أغلب التعلم على جعل المجال متاحًا وجاذباً للطلاب، وتقليل الانشغال بالطابعة نفسها. من المهم في هذه المرحلة الدراسية دمج الطلاب بالبيئة التكنولوجية حتى يتعرفوا على برنامج التصميم والتفكير ثلاثي الأبعاد ويشعروا بالراحة في بيئة تجمع اللغتين العبرية والإنجليزية؛ وكي يحصلوا على تجربة ممتعة تجعلهم يرغبون في العودة والتعمق أكثر في المجال. بينما مع طلاب الصفوف الخامس والسادس، يمكننا التعمق أكثر وتحويلهم إلى مستخدمين أذكياء يصنعون المنتجات بأنفسهم، بحيث تخدمهم بالفعل في المدارس المتوسطة والثانوية كأداة لأي موضوع يرغبون البحث فيه.
"إحدى الطابعات الموصى بها والمستخدمة في العديد من المدارس في إسرائيل وحول العالم هي Ultimaker. تلبي هذه الطابعات جميع احتياجات المعلمين في المدارس، وهي سهلة الاستخدام وموثوقة، مما يسهل على المعلم تدريس فصل من 30 طفلاً"، يضيف إيدسس: "غيرت الطباعة ثلاثية الأبعاد الطريقة التي يتعلم بها الأطفال. مع المنتج المناسب والدعم والمرافقة المناسبين، تعزز الطابعة ثلاثية الأبعاد وتدعم النواحي التربوية في الفصل الدراسي وتعد الطلاب للمستقبل القادم. "

تصنيع قطع غيار السيارات والطيران

تعتبر صناعة السيارات من أول الصناعات التي تتبنى الابتكارات التكنولوجية، وهذا هو الحال أيضًا في الطباعة ثلاثية الأبعاد. وهي تقنية طالما استخدمها العديد من صانعي السيارات حول العالم.
في عالم السيارات، تتجلى الطباعة ثلاثية الأبعاد في عدة مراحل. أولاً في مرحلة التصميم (النموذج الأولي، تطوير المنتج)، ثم في مرحلة الإنتاج والتجميع (طباعة أدوات خاصة - JIGS، للتجميع اليدوي) وفي المرحلة الثالثة لطباعة الأجزاء النهائية (بطانات الفرامل والعجلات). يمكن حاليًا تصنيع الأجزاء الوظيفية باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد، لذا يمكنكم فقط تخيل الاحتمالات التي ستفتحها هذه التقنية في المستقبل.
أحد الأسواق التي يكون فيها تأثير الطباعة ثلاثية الأبعاد أكثر إثارة هو سوق الطيران، حيث تعمل صناعات الطيران على تطوير وتصنيع المنتجات المعقدة، وتستثمر موارد كبيرة في جميع مراحلها، وهذا في الواقع ما جعل هذه الطابعات مشهدًا أكثر شيوعًا سواءً في مكاتب الهندسة أو قاعات التصنيع.
نظراً للمعايير الصارمة المتبعة في مجال الطيران، هناك مجموعة متنوعة وكبيرة من تقنيات الطباعة والمواد الخام التي تمكن من إنتاج القطع المختلفة. ونظرًا لهذا التنوع الواسع، يمكن لكل شركة تكييف طريقة الطباعة وفقًا لمتطلباتها وأولوياتها، مثل أحجام البناء ونوع المواد والدقة وبساطة التشغيل وغيرها. يتيح استخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد إلى جانب الماسحات الضوئية والبرامج المتقدمة للمهندسين والمصممين توفير وقت التطوير الثمين الذي يترجم في النهاية إلى أموال وميزانيات. يؤكد إيدسس: "تكاليف طباعة النماذج في مجال الطيران أقل وأسرع مقارنة بالتصنيع بالتقنيات الأخرى. يمكن للمهندسين والمصممين إنتاج العديد من النماذج أثناء عملية التطوير، وتجربة الأفكار، واكتشاف الأخطاء التي قد تكلف قدرًا أكبر من المال إذا تم اكتشافها لاحقًا".
وكما هو الحال في أي ثورة صناعية سبقتها، فإن الدمقرطة الجماعية للطباعة ثلاثية الأبعاد صارت قريبة وهي فقط مسألة وقت. لقد بدأت العملية بالفعل، وسواء من قبل الأشخاص الذين يحبون المجال أو المحترفين الذين تم تأهيلهم في المجال وبدأوا في اعتماد الطابعات واستخدامها في وقت مبكر، فإن الطابعات ثلاثية الأبعاد جاءت لتبقى.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]