على الرغم من تأسيس مجلس وبلديّة الطيرة منذ عشرات السنين، إلا أنه بقي مقتصرًا على الأعضاء الرجال طوال هذه الفترة، وتعتبر ياسمين
شبيطة، بدخولها البلديّة مؤخرًا، أول عضو في الطيرة منذ تأسيس مجلسها المحلي.
درست ياسمين شبيطة الهندسة المعماريّة وتخطيط المدن في معهد العلوم التطبيقيّة التخنيون، وتخرّجت منه لتبدأ حياتها المهنيّة في عدد من المكاتب الكبيرة مراكمةً الخبرات في مجال التخطيط والتصميم المعماري، لتفتتح
بعدها برفقة شريك حياتها محمد مكتب "شبيطة للهندسة المعمارية"، الذي تحوّل إلى أحد المكاتب الرائدة في المجتمع العربي، الذي نهض بعشرات المشاريع الكبيرة والمثيرة للاهتمام طوال السنين الماضية.
كيف دخلت إلى العمل الجماهيري والسياسة، ما هي أولى خطواتك في هذا المجال وكيف وصلت إلى المنافسة والدخول إلى
بلدية الطيرة؟
دخلت العمل الجماهيري قبل دخولي البلديّة صراحةً، حيث نشطت لفترات طويلة في أطر عدّة أيضًا من خلال مجال عملي في الهندسة المعمارية،
حيث وجدت نفسي داخل العمل الجماهيري والشعبي بحكم واقعنا كأقليّة مستهدفة، خاصة في مجال الأرض والمسكن، كما كنت عضوًا في جمعية المهندسين، وغيرها من الأطر الأهلية.
في الواقع لم أكن أنا المبادرة للترشح للبلدية، وأخافتني الفكرة وقتها أصلًا. بدأ الأمر بتوجّه من قائمة الغد، وهي قائمة شبابيّة
جديدة توجّهت إليّ إيمانًا بقدرتي على العطاء من داخل البلديّة بحكم خلفيتي المهنية، وخاصة بعد عملي الجماهيري والشعبي، لنشكل معًا قائمة من المهنيين التي ترى بالبلديّة مكانًا للعمل المهني وليس فقط هدفًا للتمثيل، وتسعى لاستبدال العنتريات والعائليّة المنتشرة بتوجهات
مهنيّة، التوجّه الذي لاقى نجاحًا واضحًا بتحصيلنا عضوين في البلديّة.
أول خطواتنا كقائمة وكمندوبة عنها في البلدية هي إعادة تنظيم وترتيب قسم الهندسة وتحويله إلى قسم قوي وفعّال يبني استراتيجيات
تخطيط طويلة المدى، بالإضافة إلى قضايا التعليم عامة والتعليم غير المنهجي خاصة، والمبادرة إلى إعادة افتتاح المركز الجماهيري وإعادة هيكلته، بالإضافة إلى تغييرات جذريّة في الإدارة ومطالب ضخّ الميزانيات إلى هذا المركز الهام، باختصار، أتوجّه إلى البلدية مع رؤيا
تطمح بالتغيير الجذري وليس فقط العمل على حلول مؤقتة وإطفاء حرائق.
ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك الجماهيرية والسياسية، وهل لكونك امرأة كانت صعوبات إضافية؟ وكيف كان
تعامل العائلة والمحيطين بك؟ هل وجدت الدعم الذي توقعته؟
منذ البداية رافقتني تخوفات وترددات بذهابي إلى مكان غريب، دون علمي بمدى تقبّلهم لوجودي فيه ولإمكانيات نجاحي، لكن حبي للبلد
وإيماني بقدراتي انتصروا في هذا الصراع الداخلي. أفتقد للهدوء، دائمًا يوجد لدي نوع من المحاسبة الذاتية.
خلال بداية مسيرتي وجدت كل الدعم من زوجي وعائلتي والمحيطين بي، ولزوجي الشكر الأكبر بالإضافة إلى أهلي، أمي واخوتي الذين وثقوا
بي وبقدراتي وشجعوني على المضي قدمًا في هذه الطريق.
شخصيًا لم ألحظ في الطيرة خلال الحملة الانتخابيّة أي استغراب من منافستي في انتخابات كانت حصرًا على الرجال، قد تكون هذه الظاهرة
موجودة لكن لم ألاحظها، بل لحظت تجاوبًا واضحًا من قبل جمهور النساء مع الحملة الانتخابية التي قادتها قائمتي، قائمة الغد، فازداد الحضور النسائي في الاجتماعات الشعبيّة بعد أن كانت هذه الاجتماعات لسنوات طويلة حصرًا على الرجال، ولاحظت أن ترشيحي شجعهن على خوض النقاشات السياسية والمشاركة الفعالة في الحملة الانتخابية والحوارات.
ما هو شعورك بكونك اول امرأة في بلدية الطيرة، أليس غريبا عدم وجود نساء في البلدية حتى اليوم؟ وما هي القضايا
التي ستعالجينها والإضافة التي تجلبها النساء للعمل البلدي برأيك؟
للحقيقة، هو شعور بالخجل أكثر من الفخر، الخجل من أن بلديّتي، بلديّة الطيرة، بقيت حصرًا على الرجال طوال هذه السنين ولم تحظ بالتمثيل
النسائي المطلوب في مواقع اتخاذ القرار. هناك الكثير من النساء في بلدي ممن هنّ أهلٌ لهذا المكان وهذه الوظيفة، وأثبتت النساء في أقسام البلديّة المختلفة قدراتهن وعملهن المتفاني، مثلًا رئيسة قسم العمل الاجتماعي، ووحدة الشبيبة، بالإضافة إلى مديرات المدارس والطبيبات
وغيرهن ممن يعطين قيمة مضافة ملحوظة للأماكن التي يشغلونها.
للأسف الشديد، سأكون العضو الوحيدة في البلديّة، على الرغم من وجود مرشّحات كثر في قوائم العضوية لكنهن لم ينجحن بدخول البلدية
للأسف، بسبب عدم ترشيحهن في أماكن متقدمة في قوائم العضوية، ووضعهن في القائمة فقط من أجل الدعاية الانتخابيّة وكسب التعاطف والأصوات وليس بهدف إدخالهن فعلًا إلى العمل البلدي.
لكن مع كل ذلك، أرفض رفضًا قاطعًا حصري في خانة النساء والعمل النسوي فقط، سأكون مندوبة النساء وأسمع صوتهن في البلديّة لكن ليس
فقط ذلك. في هذا المجال يوجد لدي رؤيا بتحويل البلدية وأقسامها إلى حيز آمن يحارب التحرشات والاعتداءات الجنسية، فقد أخذت مشروع جمعية نساء ضد العنف في هذا المجال وطرحته في البلدية وأنوي النهوض فيه. كما أني طرحت أمام الرئيس موضوع العنف ضد النساء وضرورة تشبيك وتوظيف كافة الأقسام لمحاربة العنف الأسري وتحصيل ميزانيّات. وأبادر عبر قسم الرفاه الاجتماعي لإقامة مراكز لعلاج العائلات المتضررة من العنف الأسري عبربرامج تعطي بديلًا لإرسال النساء المعنفات إلى الملاجئ، أطرح علاجًا شاملًا خلال سيرورة أطول بدلًا من إبعاد النساء إلى الملاجئ، إذا كان لا بدّ من إبعاد أحد فهو الرجل المعتدي من يستحق وضعه في ملجأ. النساء في بلدي يشهد بقوتهن، لكنهن بحاجة أيضًا للدعم.
حصلت على برنامج تدريبي في التنظيم الجماهيري للدفاع عن الأرض والمسكن، في الطيرة الأمر يحمل أهمية إضافية، حدثينا
عن هذا الموضوع.
ارتباطي في مجال الأرض والمسكن جاء من مكاني المهني، كل مهندس عربي يحمل القضية دون قصد ودون أن يشعر، وخلال هذا العمل وصلت إلى استنتاج أن العمل الشعبي وبناء لجنة شعبية قوية مع قسم هندسة للمطالبة بحقوقنا، خاصة في واقع تملؤه أقسام الهندسة غير المهنيّة، مثلًا اقترحت قائمة "الغد" التي أمثلها أن تأخذ البلديّة قرضًا لتغطية العجز المالي والإعلان الفوري عن عملية التخطيط المفصّل للخارطة الهيكليّة كقضيّة ذات أولويّة قصوى، صحيح أن المنظومة الحاكمة عنصريّة وصحيح أنه تم إقرار قانون كامينتس« لكن لا يكفي إلقاء اللوم على الدولة، يجب علينا القيام بدورنا، الدورات المهنية والتدريبات المختلفة فتّحت عيناي على هذه الأمور.
خلال الدورات المختلفة وصلت إلى قناعة تامّة أنه فقط نحن بإرادتنا الشعبية يمكننا تحصيل حقوقنا، مثلا، كانت لنا جلسات طويلة مع
مخططين يهود ويساريين، الذين وصلوا إلى نتيجة أن هذا هو الوضع القانوني ولا مجال للاعتراض، لا يمكننا الاعتماد على هكذا توجه، وعلينا النضال لتحصيل حقوقنا، خاصة في ظل التخوفات العنصريّة الصهيونيّة الموجهة بحجج الميزان الديمغرافي، وإخافة الجماهير من خطورة سيطرة العرب على الأرض، على الرغم من أنه فقط 8% من مساحة البلاد مستغلة للبناء.
في النهاية، لا زلت أرى أنه بالإمكان أن نعيد تركيبة دائرة اتخاذ القرار في الحكم المحلي العربي، ونخوض تجربة جديدة ومميزة، وهي
دمج النساء والشباب ومن يرون في أنفسهم يملكون القدرة على العطاء واتخاذ القرارات السليمة. الوضع على الساحة القطريّة مشجّع، خاصة وجود 4 نساء قياديات في القائمة المشتركة ويجب أن نستمر في ذلك، لكن لا يمكن أن نطالب نحن بالمساواة في الدولة وفي داخلنا نقوم بقمع وإقصاء القسم الأكبر من شعبنا، النساء والشباب.
[email protected]
أضف تعليق