ورد سؤال لدار الافتاء، وهو :ماذا يقوله علماء الدين في المسألتين الآتيتين: 1- ما حكم الاعتقاد بالتوسل بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلوات والتسليمات؛ هل هو شرك أم لا؟.
والثانية"ما حكم المعتقد بالتوسل بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلوات والتسليمات؛ هل هو مؤمن أم هو مشرك؟ وهل يعتد بأعماله من الصلاة والحج وغيرهما أم لا؟"، أرجو بيان الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال السلف، وجاء رد الدار كالآتى:
الوسيلة: قال صاحب "لسان العرب" : [الوسيلة والواسلة المنزلة عند الملك، ووسل فلان إلى الله وسيلة. إذا عمل عملًا تقرب به إليه، والواسل كالراغب إلى الله. قال لبيد:
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ... بلى كل ذي رأي إلى الله واسل.
وتوسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل، والوسيلة الواصلة والقربى وجمعها الوسائل؛ قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57].
قال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوسل والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد] اهـ.
وقال العلامة ابن جرير عند تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35]: يقول اطلبوا إليه القربة بالعمل بما يرضيه، ثم قال العلامة ابن جرير: وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل، وذكر عن أئمة التابعين مثل ما قال وزاد عن بعضهم تفسيرها بالمحبة.
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب "المفردات في غريب القرآن" (ص: 871): [الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة؛ لتضمنها معنى الرغبة قال تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35] وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة] اهـ.
وفي الحديث: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ» رواه مسلم.
ومن التوسل المشروع ما ورد في "صحيح البخاري": أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه وقال: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا". قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. فلا يخفى أن توسلهم به هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه.
وما ورد أيضًا من الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام النسائي والإمام الترمذي وصححه والإمام ابن ماجه وغيرهم: أَنَّ رَجُلاً ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِه لِتُقْضَى، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» فرد الله بصره.
وقد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو الشافع المشفَّع، وأنه يشفع للخلائق يوم القيامة، وأن الناس يستشفعون به ويطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربه. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» رواه البخاري.
وفي "سنن أبي داود": أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللهِ عَلَيْكَ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ؛ شَأْنُ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ». فأقره صلى الله عليه وآله وسلم على قوله: نستشفع بك على الله، وأنكر عليه قوله: نستشفع بالله عليك.
وبهذا البيان يتضح:
أن التوسل بالأنبياء والمرسلين جائز، وأن المقصود من التوسل: التقرب إلى الله عز وجل، وليس في هذا العمل شرك -والعياذ بالله-.
وأن المسلم المعتقد بالتوسل بالأنبياء والمرسلين عقيدته صحيحة سليمة يعلم تمام العلم أن الله عز وجل هو النافع الضار المعطي المانع.
وأن المتوسل بالأنبياء والمرسلين إنما يقصد التقرب إلى الله عز وجل؛ لقربهم ومكانتهم عند الله جل شأنه، وأن لهم شفاعة منَّ اللهُ عليهم بها.
وعلى ذلك: يكون المسلم المعتقد لهذا الاعتقاد أعماله من صلاة وحج وغيرهما يعتد بها وخالصة لله تعالى.
المصدر: اليوم السابع
[email protected]
أضف تعليق