- تحقيق صحفي (موقع "شومريم" – المركز للاعلام والديمقراطية)

يبدو ان الأزمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عن جائحة الكورونا قد جعلت تقديرات تطفو على السطح، مفادها ان كثيراً من الإسرائيليين قد يهجرون بلداتهم ومدنهم (وخاصة في أواسط البلاد) للإقامة في البلدات والمدن النائية طمعاً في معيشة رخيصة التكاليف والمصروفات. فهل هذه التقديرات صحيحة؟ 

التحقيق الصحفي التالي يُظهر انه كلما ابتعدتم عن المركز (أواسط البلاد) فستضطرون للصرف اكثر وتحمل تكاليف معيشية أغلى في عدة مجالات مثل قروض الإسكان (المشكنتا) وتأمين السيارات والمواصلات العامة، وحتى شراء السلع في المجمعات التجارية. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد: فعلى الرغم من ان ضريبة الأرنونا متشابهة ما بين المركز والمناطق البعيدة، لكن المقابل والمردود في المناطق النائية أدنى وأقل.

1. قروض الإسكان

في أواخر العام 2019 نشرت دائرة الأبحاث التابعة لبنك إسرائيل بحثاً أظهر ان الفائدة المصرفية على قروض الإسكان في المناطق النائية أعلى من غيرها، فمثلاً: تبين ان نسبة الفائدة الحقيقة على قرض الإسكان للمقترض المقيم على مسافة (40) كيلومتراً من تل ابيب توازي 1.46% – 1.65% (تبعاً للتدريج الاجتماعي – الاقتصادي للحيّ). وبالمقابل، ففي المناطق النائية، أي على مسافة (80) كيلومتراً فما فوق من تل ابيب فان الفائدة توازي 1.63% - 2.01%، وهذه الفوارق تساوي عشرات الآلاف من الشواقل .

ومن جهة أخرى، تبين أن شركة "بيطوح يشير" (للتأمينات) تعرض على المؤمّنين لديها من سكان تل ابيب رسوماً بقيمة (2474) شيكل مقابل التأمين الشامل، بينما تبلغ قيمة الرسوم المعروضة على المؤمّنين من سكان طبريا (2831) شيكل، ولسكان بئر السبع – 3236 شيكل.
ويدعي مسؤولو الشركة ان هذه الفوارق ليست نابعة من المواقع الجغرافية للبلدات، بل من احتمالات ومخاطر السرقة في تلك الأماكن.

2. المواصلات العامة

يتبين من هذا التحقيق الصحفي ان هنالك فوارق كبيرة في تسعيرة السفر بالمواصلات العامة، وهي تصبّ في صالح مدن وبلدات المركز. فعلى سبيل المثال، تكلف تذكرة السفر من تل ابيب الى حيفا، أي لمسافة (94) كم، (21.5) شيكل، أي (28) أغورة للكيلومتر الواحد، كذلك تكلف تذكرة السفر من طبريا الى كرمئيل (21.5) شيكل لكن المسافة بين المدينتين لا تتعدى (38) كم، أي ان تسعيرة الكيلومتر تقارب (57) أغورة!
وتتكلف رحلة قصيرة لمسافة (8.3) كم بين بئر السبع وبلدة "عومر" (8.2) شيكل، أي (99) أغورة للكيلومتر الواحد، بينما تتكلف رحلة أقصر بكثير ما بين ايلات وبلدة ايلوت (4.2) شيكل، أي (114) أغورة للكيلومتر. 

النتيجة واحدة، وليست مصادفة: سكان المناطق النائية يدفعون مقابل السفر بالمواصلات العامة اكثر من سكان المركز – بما في ذلك السفر بالقطارات.

وتعقيباً على ما ورد اكتفى متحدث بلسان وزارة المواصلات بالقول ان تسعيرة السفر بالمواصلات العامة لا تتحدد حسب المسافات بالكيلومترات، ولذلك فليس من المنطق المقارنة بهذا الشكل بين أسعار التذاكر في مناطق مختلفة ومتفاوتة!


3. مردود ضريبة الأرنونا ما بين المدن الغنية والفقيرة

تتلخص وجهة نظر المواطنين بالنسبة لضريبة الأرنونا بأن الأمر الأهم هو المردود الاتي منها، وليس حجمها.

وللخوض في هذه الجدلية يمكن الاطلاع على المعطيات الواردة في جداول منظومة "سيتي تاكس" التي أسسها مستشار الشؤون البلدية، يوغيف شربيط، وهي تعتمد على المعطيات المستمدة من ميزانيات السلطات المحلية ومن دائرة الإحصاء المركزية ووزارة المعارف، وهي تتعلق بمردود استثمار مبالغ ضريبة الأرنونا التي يدفعها المواطنون، مع المقارنة بين البلدات من جهة الاستفادة من سلة الخدمات التي تقدمها سلطاتها المحلية في مجالات الصحة العامة والتعليم ورياض الأطفال، وما الى ذلك. 

قام معدو التقرير بفحص مبلغ (400) شيكل تدفعه العائلة شهرياً كضريبة أرنونا، وهي مكونة من الوالدين وولدين احدهما طالب ثانوي والثاني في الابتدائية، فتبين ان العائلة في تل ابيب تحصل مقابل كل شيكل على (16.6) شيكل، أي ان البلدية تستثمر لصالحها (6652) شيكل، موزعة على خدمات التعليم (3280)، والرفاه (649 شيكل) والخدمات المحلية (1026 شيكل)، والثقافة والرياضة (367 شيكل) بالإضافة الى (678) شيكل على خدمات إدارية متنوعة.

وبالمقابل، تحصل العائلة في بئر السبع على (11.4) شيكل فقط مقابل كل شيكل، وفي مستوطنة اريئيل – (8.1) شواقل وفي مستوطنة كتسرين بالجولان المحتل – (10) شواقل، وهذه الفوارق ليست مفاجئة، لكون تل ابيب مدينة غنية ومقتدرة.

4. التأمين الصحي: الرسوم متساوية لكن المردود أقل

يدفع مواطنو إسرائيل رسوم التأمين الصحي التي يفترض ان تكون متساوية وتبعاً للرواتب، ورغم ذلك تشير تقارير وزارة الصحة ودائرة الإحصاء المركزية الى ان سكان المناطق النائية يتلقون خدمات أقل مقارنة بسكان المركز ما يعني عملياً أنّهم يصرفون اكثر.

ففي المناطق النائية تعمل أعداد اقل من الأطباء من جميع الاختصاصات، وتتوفر أعداد أقل من الأسرّة العلاجية والخدمات النفسية، وغير ذلك، ومن ناحية التأمينات الصحية المكملة او الخاصة تبلغ نسبة دافعي هذه التأمينات من ضمن المؤمنين في صندوق "كلاليت" في تل ابيب 73%، بينما تبلغ نسبتهم في الشمال 65% و60% فقط في الجنوب، والسبب هو ان سكان الشمال والجنوب يدركون انهم نادراً ما يستفيدون من هذا النوع من التامينات بسبب النواقص الوارد ذكرها سابقاً . 

وللدلالة على ذلك يشار الى ان صندوق المرضى "مكابي" منح مؤمّنيه في رمات شارون ( وهي مدينة ميسورة في المركز) مردوداً بقيمة (400) شيكل سنوياً على شكل إنفاق على العمليات الخاصة، بينما بلغ معدل المردود للمؤمّنين في الشمال – (220) شيكل فقط.

5. التأمين الشامل للسيارات في المناطق النائية – أعلى

يُفترض بالتأمين الشامل للسيارات ان يغطي حالات السرقة او الضرر الناجم عن حادث. وتتأثر تسعيرات هذا النوع من التأمين عادة بنوع السيارة ومزايا السائق (النساء يدفعن رسوماً أقل، والسائقون الشبان – اكثر)، كما تتأثر بتتابع دفع الرسوم وبمجمل الدعاوى التي تعني عملياً مجمل الحوادث التي تعرضت لها السيارة. 

أما بشان مكان السكن للمؤمن، فان شركات التامين تتعامل بشكل متفاوت مع هذه المسألة، سلباً وايجابياً.

ومن بين الشركات التي تبدي اهتماماً بمكان إقامة المؤمّن – شركة "بيطوح يشير" وشركة “AIG”، وقد عرض معدو التقرير على الشركتين طلباً لتأمين شامل لسيارة من طراز "سوزوكي – كروس أوفر" موديل 2019 بسائق واحد يزيد عمره عن (52) عاماً، وطفل عمره تسع سنوات، مع تتابع بالتأمين ودون دعاوى سابقة أو حوادث أو سحب رخصة. 

وتبين من عرض شركة AIG فارق بنسبة 13% و (312) شيكل في غير صالح المؤمنين في بئر السبع مقارنة بالمؤمّنين في تل ابيب. وتبين ان المؤمنين في المركز يدفعون مبلغاً أقل مما يدفعه المؤمنون في "يروحام" بواقع (282) شيكل، ويدفعون أقل من المؤمنين في "كفار عازا" بواقع (282) شيكل. 

ويعلل مسؤولون ضالعون في مجال التأمينات هذه الفجوات – بالفرق في مستويات الخطر المتعلق بمكان السكنى أي البنى التحتية والسرقات وما شابه، وحتى لو كان هذا الأمر صحيحاً، فانه لا يغير حقيقة كون سكان المناطق النائية يتكبدون رسوماً أكبر.

6. أسعار السلع في المجمعات التجارية

كان من المتوقع بالنظر الى ان شبكات التسويق الكبرى منتشرة بعشرات الفروع في أنحاء البلاد – ألاّ تظهر فوارق كبيرة بالأسعار بين المركز والمناطق النائية، لكن الواقع يشير الى ان المنافسة محتدمة بين فروع المركز بالذات وتتخللها تشكيلات أوسع من السلع والبضائع، وفي كثير من الأحيان تسجّل أسعار أدنى بعشرات النسب المئوية، ما يعني ان هذه التشكيلات الواسعة والمنافسة الشديدة تؤدي الى انخفاض الأسعار في المركز. 

لكن استطلاعاً أجرته "سلطة المنافسة" أظهر نتائج عكسية مفادها ان الأسعار في متاجر البلدات النائية أدنى من الأسعار في متاجر المركز بمعدل 2.5%. 

ويعلل رئيس بلدية صفد السابق، ايلان شوحط، هذه التناقضات بالقول ان شبكات التسويق تعتبر سكان المناطق النائية "أسرى" محكومين يمكن بيع السلع لهم بأسعار باهظة، لكونهم يقيمون في مناطق "منعزلة"، وما زالت هذه الظاهرة قائمة رغم احتجاجات سابقة أدت مؤقتاً – بين الحين والآخر – الى تخفيض الأسعار. 

ويرى الخبراء الذين يتابعون قضايا المناطق النائية انه من اجل تعديل الأحوال، يتوجب على الهيئات المنظمة (المانعة للاحتكار) ان تتدخل، وكذلك وزارة الاقتصاد، بحيث تجبر شبكات التسويق على تحديد أسعار متساوية لجميع المناطق، لكن ما دام الوضع في المناطق النائية بعيداً عن أعين الجهات المنظمة، فستبقى شبكات التسويق تتصرف بحرية، فارضة أسعاراً متفاوتة بعيدة عن التكافؤ والمساواة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]