بينما هو جالس على بساط من العشب الأخضر، مستقبلا المحيط الذي يعانق سواحل نيويورك ومطوقا بخلفية من الأشجار التي احتضنته تذكارا لأريج البرتقال والزيتون من وطنه الأم فلسطين، يتجلى فراس زريق في مقطوعته الجديدة "تهميمة للطبيعة" كبرزخ من الصوت والفن والإبداع بين جسد الخضار وروح الماء، بين نيويورك وفلسطين، بين تذكار لفراق الأصحاب ومستقبل يقبل بإشراق غامض كهيبة البحر حين تلتحف بجمال اللون وعبق الأريج.
يظهر إبداع هذا الفنان جليا في العلاقة الحميمة التي أسسها بفكره وفنه مع آلته الموسيقية القانون. فحين نراه مبتسما مستشرفا روح هذه الآلة العريقة نجده يجسد جميع طقوس الفن في قممها الشاهقة: فهو كالرسام حين يلتقط بأنامله باقة من الألوان من زهور لا مثيل لها، وهو أيضا كالشاعر الذي يغوص في عمق اللغة ليستخرج لآلئ من الكلمات تنحدر من سفح الأزل. فالنغمات التي يقدمها لنا فراس في مقطوعته هذه وغيرها هي وحي يومئ إلى أصل اللغات وبدايات التعبير.
كما وصف فراس مرة أن الفنان "موهبة وموقف" نجد نحن المستمعين لهذه المقطوعة أن هناك رقصة واضحة جلية بين الفن والمجتمع تؤدى على مسرح القانون. فبعدما يضع هذا العازف البارع أسس المقطوعة من قرارات الموسيقى العربية، يأتي ليبني عليها قصورا شاهقة من جوابات النغمات ومن ثم يفتتح معماره بزخارف تتلألأ في وجدان المستمع. يوازي هذا الترادف أيضا احترافية الموسيقي في الأرضين الشرقية والغربية. فنجد أن بداية المقطوعة تغازل الأشجار الإفرنجية خلفه التي تعودت أذنيها على موسيقى الجاز والتي تعد بدورها جزءا لا يتجزأ من هوية مدينة نيويورك الثقافية والفنية. يأتي عازفنا المغوار بعد هذا لينتقل وينقلنا والأشجار سويا عبر تذبذات الصبا والحجاز نحو جذوره الشرقية، نحو ذكريات الوطن والأصدقاء.
وحين يوصلنا فراس إلى ميناء إبداعه في نهاية هذه المقطوعة، لا نجد في وسعنا سوى الاعتراف بعمق فكر هذا الفنان وقدرته على التعبير عن طريق آلته الموسيقية، احترافا يومئ بشيء قليل فقط من بحر الفن والموسيقى هو فيه فارس يقود جياد من النغمات والمقامات.
[email protected]
أضف تعليق