تمر تونس هذه الأيام بأزمة سياسية ودستوريه متفاقمة في ظل المحاولات لإنشاء حكومة وحدة وطنية جديدة حيث يدور صراع بين مؤسسة الرئاسة ورئيس اكبر حزب بالبرلمان التونسي, واكد الرئيس التونسي قيس سعيد في خطاب له بمناسبة عيد الفطر ان الدولة التونسية واحدة ولها رئيس واحد وهي ليست للصفقات , هذه التصريحات رأى فيه العديد من المتابعين ردًا على تدخل رئيس البرلمان راشد الغنوشي في الملف الليبي التي تجاوز فيها صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية.

مراسلنا اتصل بالاكاديمي التونسي د. خالد عبيد المختص بالشؤون السياسية للاطلاع على اخر التطورات في تونس:

ما هي اسباب الازمة السياسية بتونس؟


هي ازمة سياسية تعود الى ان طبيعة النظام السياسي المعتمد في تونس منذ عام 2011 وحتى الان يفرز دائما أزمات سياسية متكررة, الازمة السياسية التي تعيشها تونس حاليا ليست هي الأولى ولا الأخيرة, باعتبار ان هذا النظام السياسي الذي اعتمد اول مرة في عام 2011 اثر انتخابات المجلس التأسيسي وحكم الترويكا , وتم اقراره بطريقه معقده في دستور 2014 , هذا النظام السياسي يفرز حكما غير قادر على ان يسود فعلا باعتبار ان هناك تشكيك للسلطة للحكم ليست بيد طرف واحد بل بعدة اطراف, والمشكلة ان كل طرف يريد ان يحكم وغير قادر على الحكم وحتى من يريد منهم الحكم يواجه عرقلة من الطرف الاخر, هذا ما رأيناه طوال السنين الماضية حتى العام 2020 حتى هذه الازمة السياسية , في اخر احدى الازمات السياسية كانت في عهد الرئيس الراحل الباجي السبسي بين راسيي السلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة , الان نعيش صراعا وأزمة مرة أخرى بين احد راسيي السلطة التنفيذية وهو رئيس الجمهورية وراس السلطة التشريعية راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب.

وفي غياب المحكمة الدستورية هناك تنازع على الصلاحيات و هذا التنازع افراز مطامح لدى البعض وخاصة راشد الغنوشي الذي كان يود من كل اعماقه ان يكون رئيسا للجمهورية لكنه كان يدرك في الوقت نفسه على قدم قدرته ان يحرز على أصوات التونسيين ليصبح رئيسا واكتفى بالترشح للانتخابات التشريعية كنائب واصبح فيما بعد رئيسا لمجلس النواب, ولكن وفق الدستور الذي وضعته حركة النهضة الذي نسير عليه منذ العام 2014 وحتى الان فان رئيس مجلس النواب دستوريا ليست لديه اية صلاحية, لكن المشكلة ان رئيس مجلس النواب الحالي يريد ان يفرض نوعا من الامر الواقع واصبحنا نراه يكظم من الصلاحيات الدستورية الحصرية لرئيس الجمهورية, ومن هنا بدأت الازمة التي رأيناها واضحة منذ شهر شباط الماضي واستفحلت الان اثر التهنئة التي قام بها راشد الغنوشي لفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا اثر استرجاعه قاعدة "الوطية" العسكرية في الغرب الليبي.

باعتقادك كيف يمكن الخروج من الازمة الدستورية؟

هي بسيطة فكل طرف عليه ان يهتم بالصلاحيات التي انيطت به , فمثلا رئيس مجلس النواب ليست له اية صلاحية فهو انتخب من قبل نواب المجلس وبإمكان النواب ان يعزلوه او يعينوا شخصا اخر , دستوريا ليست له اية صلاحية حتى في الدستور نجد ان الصلاحية هي للسلطة التشريعية للجلسة العامة لمجلس نواب الشعب, وليس هناك ذكر لكلمة رئيس مجلس النواب الا عند انتخابه على أساس ان يكون هو الواسطة بين السلطة التشريعية والتنفيذية.

اذن الحل لهذه الازمة ان يلتزم كل طرف بما انيط به من صلاحيات سواء كبيرة او صغيرة والاهم من كل ذلك ان يكون لدى الجميع الوعي بان الوضع في تونس لا يمكن ان يحتمل اكثر بالنظر الى اننا نحن منذ سنوات نعيش ازمة اقتصادية واجتماعية تستفحل يوما بعد يوم وزادتها ازمة كورونا, وهذه الوضعية لا تحتمل هكذا تجاذبات اسميها عبثية.

هل يقدم الرئيس التونسي ضمن صلاحياته بحل البرلمان للخروج من الازمة؟

لا يمكن لرئيس الجمهورية ان يحل مجلس النواب بسهوله هناك تقييدات في هذا المجال ولهذا لا اعتقد انه سيذهب لذلك , ولكن ربما على اعتبار انه انتخب مباشرة من الشعب وبأغلبية كبيرة جدا وبالتالي يعتبر نفسه ان لديه شرعية انتخابية وشرعية شعبية ربما قد يجد نفسه مضطرا اذا ما استفحلت الأمور ويتوجه مباشرة للشعب ويطلب منه الاستفتاء حول مصيره وماذا يريد ان تكون الأمور عليه, ربما قد يسير باتجاه ذلك ولكن حتى ان ذهب لهذا سيجد نفسه مقيدا مرة أخرى بالدستور لأنه لا يمكن لرئيس الجمهورية ان يبادر الا بعد ان يوافق رئيس مجلس النواب.

وكما قلت اذا أراد احد الأطراف الحكم يجد عرقلة من الطرف الاخر وهكذا نحن ندور في حلقة مفرغه. حتى ان أراد رئيس الجمهورية الحلول سيجد هناك من ينتظره في نهاية الطريق والعكس صحيح.

ما هو ارتباط القوى الخارجية بالأزمة الحالية؟

هذا سؤال لا يمكن ان نجيب عنه صراحة لسبب بسيط على اعتبار ان تونس عرفت منذ عقود انها تناي بنفسها عن الاصطفاف وراء سياسة المحاور لأي طرف , لكن منذ العام 2011 لاحظنا ان هناك رغبة لدى بعض الأطراف خاصة التي حكمت بالبداية ان تجلب تونس وتزج بها الى سياسة المحاور ولاحظنا ذلك بين سنة 2012 و2013 لكن ونتيجة لرفض هكذا اصطفاف وانجرار لهذه الاصطفافات والتي لن تجني منها تونس شيئا بل العكس ستخسر منها الكثير خاصة فيما يخص الوضع الليبي راينا كيف ان الرئيس الراحل السبسي حاول ان يعدل الكفة ويوازن الأمور في السياسة والدبلوماسية الخارجية لتونس كما كانت من قبل وهذه السياسة هذا الأفضل وما يريدها رئيس الجمهورية, وان كان رئيس مجلس النواب ربما يريد ان يزجه في سياسة الاصطفاف مرة أخرى كما كان في حكم حركة النهضة التي كان يراسها نفسه رئيس مجلس النواب الحالي في عامي 2011 و2013.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]