عندما ضربت آثار الأزمة الاقتصادية عام 2008 القطاع الصناعي في ألمانيا، كان الحل الإبداعي الذي اقترحته الحكومة في ذلك الحين من أجل منع البطالة، يكمن في إتاحة المجال للشركات بتحويل العاملين فيها من العمل المنتظم إلى العمل بورديات، بدلاً من إقالتهم. ففي مصانع السيارات الكبيرة في ألمانيا، كان جزء من العمال يعملون يومين في الأسبوع فقط، وفي أماكن أخرى كانوا يعملون أسبوعا ويجلسون في المنزل أسبوعا آخر، لكن المنظومة كانت واضحة جدا: تقوم الدولة بتعويض أصحاب المصالح التجارية مقابل تكاليف الاستمرار بتشغيل العمال في أوقات الأزمات، وفي مقابل ذلك يلتزمون بالامتناع عن إقالة العمال. صحيح أن العمال كانوا يتقاضون مبالغ أقل، ولكنهم بالأساس حافظوا على مكان عملهم. يطلق على الحل الألماني اسم Kurzarbeit ("العمل المقلّص")، وهو يعتبر السبب الذي سمح للدولة بالانتعاش من تلك الأزمة بسرعة كبيرة، وإدارة اقتصادها بازدهار كبير منذ ذلك الحين.
خلال الشهر ونصف الماضيين، في الوقت الذي تحوّل فيه وباء الكورونا لأزمة اقتصادية قال صندوق النقد الدولي إنها "الأكثر خطورة منذ الركود الكبير"، عادت ألمانيا إلى الحل الذي أثبت جدارته في الماضي. لكن في هذه المرة لا يدور الحديث عن ألمانيا بمفردها، وإنما عن جميع دول كتلة اليورو التي وافقت يوم الخميس الماضي على تمويل خطة عمل مقلّصة في مختلف أنحاء القارة، بقيمة تبلغ 100 مليار يورو، بينما قامت دول أخرى بتبني نماذج شبيهة خلال السنوات الماضية. ويبدو أن الأمل يراود الأوروبيين بأن ما نجح على مستوى الدولة لا بد أن يساهم في إنقاذ الاتحاد الأوروبي.
الحد الأقصى لتأثير الأزمة - 10% من المرافق الاقتصادية
منذ شهر آذار هذه السنة، وعندما اتضح أن الاقتصاد الألماني ذاهب باتجاه التعطّل التام، أقرّت الحكومة الألمانية من خلال إجراءات تشريعية سريعة حزمة تتيح "حرية كاملة" للشركات للتوجه إلى برنامج الـ Kurzarbeit. وفي حين كان هنالك في الماضي حد أقصى لتأثير الأزمة الاقتصادية (في 2008) على ثلث المرافق الاقتصادية، فإن هذه الخطة تنصّ حاليا على أن تأثير ازمة الكورونا لا يجب أن يتجاوز الـ 10% من المرافق الاقتصادية. وإذا كان مطلوبا من الشركات في الماضي إثبات حصول الضرر لأعمالها، فإن أزمة الكورونا أصبحت حاليا سببا كافيا ومبررا جيدا للدخول في الخطة. وقد ضمنت الحكومة صندوقا بقيمة مليارات اليوروهات يقوم بتمويل ثلثي الراتب العادي في حال لم يأت العامل إلى العمل نهائيا. وفي بعض حالات العمل الجزئي، يستطيع العمال والموظفون الحصول على راتب كامل بفضل كرم مشغليهم أو بموجب الاتفاقيات الجماعية.
وبخلاف ما هو حاصل في إسرائيل بالنسبة للإجازات غير مدفوعة الأجر، لا يتم احتساب من ينخرطون ضمن خطة العمل المقلص عاطلين عن العمل. لا يجب عليهم التسجيل لدى مصلحة التشغيل، ولا التواصل مع وكالة تشغيل، بل إن بمقدورهم العمل في بموازاة وجودهم في إجازة. يواصلون تقاضي راتبهم الشهري من المشغل، وبضمنه الاقتطاعات الاجتماعية، حتى لو كان من يدفع راتبهم حاليا هو الدولة، بالشراكة مع المشغل أو بمفردها. تستمر حياتهم بصورة طبيعية.
650 ألف شركة تتسابق للانضمام إلى الخطة
هذا ما قامت به ألمانيا إبان الأزمة الاقتصادية عام 2008 ونجحت بالحفاظ على اقتصادها وتجديد إنتاجها المخصص بغالبيته للتصدير وبالازدهار اقتصاديا منذ ذلك الحين وحتى الآن. وهذا أيضا ما قالته القيادة في الأزمة الحالية التي أكدت أنها لا ترغب برؤية أي شركة تعلن إفلاسها. في ظل هذا الواقع، وبعد تلقي الضوء الأخضر من الحكومة، تدفق أصحاب المصالح التجارية والصناعية باتجاه هذه الخطة، وعلى رأسها شركة الطيران الألمانية لوفتانزا التي أخرجت 30 ألفا من موظفيها إلى البرنامج وكذلك فعلت كبرى شركات صناعة السيارات الألمانية.
بالمجمل، بلغ عدد الشركات الألمانية التي انضمت إلى هذه الخطة نحو 650 ألف شركة منذ بداية الأزمة وحتى الأسبوع الماضي، مقابل 15 ألف شركة فقط طوال السنة الفائتة. وإذا كان عدد الألمان الذين تقاضوا الأموال في إطار البرنامج مليون ونصف المليون، فإن الحكومة الألمانية تتوقع أن يكون عدد الحاصلين على هذه الامتيازات في الأزمة الحالية 2.1 مليون، أي ما يعادل 5% من مجمل القوى العاملة هناك، وربما أكثر.
[email protected]
أضف تعليق