يشير تقرير للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية (مدار) إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة تشهدها إسرائيل جراء جائحة كورونا، فيما يحذر خبراء من تعرضها للتراجع لحد الإفلاس بسبب ضخامة الخسائر المستمرة.

وسبق وأن حذر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من تبعات كورونا على إسرائيل من نواح استراتيجية متعددة في المنظور القريب، داعيا بالتالي لإنهاء الدوامة الانتخابية – السياسية من أجل مواجهة تبعات كورونا على إسرائيل ودول المنطقة والعالم.

ويستدل من تقرير جديد لـ “بنك إسرائيل المركزي” وتقارير اقتصادية، منها تقارير صادرة عن مكتب الإحصاء الحكومي، أن الاقتصاد الإسرائيلي سيشهد هذا العام انكماشا غير مسبوق منذ عشرات السنين، بنسبة 5.3 %، وأن النمو المتوقع للعام المقبل سيعيد إسرائيل لمستوى نهاية2019 .

وتؤكد هذه التقارير أن الاقتصاد الإسرائيلي سيحتاج إلى عدة سنوات ليتجاوز خسائر فيروس كورونا، كما تؤكد أنه بعد عيد الفصح العبري الذي ينتهي الأسبوع المقبل، واحتمال عودة النشاط الاقتصادي التدريجي، فإن الكثير من الشركات والمصالح مرشحة لإغلاق أبوابها، ما يعني فصل عشرات آلاف العاملين، لتتضاعف نسبة البطالة الرسمية أكثر فأكثر.

وأعلن بنك إسرائيل أمي عن خفض نسبة الفائدة البنكية من 0.25 % إلى 0.1 %، وهذا لن يكون ملموسا لدى الجمهور، إلا لدى من حصل على قروض قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية في أعقاب انتشار فيروس كورونا، وهذا التأثير سيكون طفيفا، في حين أن خفض الفائدة الأساسية واجه من ناحية أخرى ارتفاعا حادا في فوائد البنوك التجارية على القروض للجمهور والشركات. ويجري الحديث عن قروض تصل نسبة الفائدة السنوية عليها إلى 10 % وأكثر، بشكل عام، وهناك استثناءات لتقديم قروض بنسب أقل. وتتذرع البنوك فيما يتعلق بالفائدة العالية، بأنها تريد ضمانات، في ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع احتمالات عدم التسديد.

نسبة الفائدة

يشار إلى أن خفض الفائدة البنكية الأساسية كان متوقعا، دون أي علاقة بالأزمة الاقتصادية الناشئة، وذلك على ضوء الانخفاض الحاد في وتيرة التضخم المالي في الأشهر الأخيرة. وكانت الفائدة البنكية قد هبطت إلى أدنى مستوى لها 0.1 % في شهر فبراير/شباط 2015، واستمرت هذه النسبة طوال 45 شهرا، إلى أن رفعها البنك المركزي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وتلكأ البنك في خفضها مجددا في هذا الشهر تحت ضغط الأزمة الاقتصادية.

وأعلن بنك إسرائيل أن الاقتصاد الإسرائيلي سيشهد العام الحالي 2020 انكماشا بنسبة 5.3%، وهذه نسبة غير مسبوقة في عقود الازدهار الاقتصادي الثلاثة الأخيرة، فأعلى نسبة انكماش شهدها الاقتصاد الإسرائيلي كانت في عام 2002، وهيحوالى 2 % .ويقول البنك إن تقديراته ترتكز على الوضع الحالي، من حيث محدودية القيود على الحركة التجارية. أما إذا استمرت هذه القيود واشتدت حتى يوليو/ تموز المقبل، فإن الانكماش سيرتفع إلى 8.8 % وهذه نسبة تعد كارثية أكثر للاقتصاد، وسيكون من الصعب تخيل حجم حالات الإفلاس في القطاع الاقتصادي.

ويضيف البنك أنه في حين يتوقع انكماشا بنسبة 5.3 % في هذا العام، فإن العام المقبل 2021 سيشهد نموا اقتصاديا بنسبة 8.7 % ولكن هذه النسبة التي تبدو عالية جدا ستعيد الاقتصاد الإسرائيلي في نهاية 2021، إلى ما كان عليه الناتج العام في نهاية العام الماضي 2019 في حين أن نسبة التكاثر الطبيعي في العامين الجاري والمقبل معا في حدود 4 %، ما يعني أن النمو العالي المفترض في العام المقبل لن يكون كافيا لتعويض الاقتصاد الإسرائيلي عن خسائره، بل سيحتاج لبضع سنوات أخرى، بمعدل نمو يتجاوز نسبة 4 % على الأقل سنويا. ويقول البنك المركزي إن من بين ما استند عليه في تقديراته هو التقدير بانكماش اقتصادي بما بين 5% إلى 6 % في الدول المتطورة، وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، المركز الأساس لحوالى 60 % إلى 70 % من الصادرات الإسرائيلية.

خسائر البورصة

وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن البورصة الإسرائيلية خسرت في الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس/ آذار الماضي نسبة 27 % من قيمة الأسهم فيها، وهذه التراجعات مستمرة أيضا في الشهر الحالي.

ويوضح “مدار” أن هذا انعكس سلبا أكثر على شركات ضخمة، من بينها قطاع الغاز ولكن من تلقى ضربة قاسية جدا هم العاملون الذين يتم تعويم صناديق التقاعد الخاصة بهم منذ عام 2003 في البورصة، ما يعني أنها تلقت ضربة وخسائر فادحة.

وحسب تقرير في صحيفة “كلكاليست” صدر أول من أمس، فإن صناديق التقاعد خسرت في شهر آذار 15 % من قيمتها، كما أن صناديق توفير خاصة بالعاملين في القطاع العام والشركات الكبرى، وتسمى “صناديق استكمال”، خسرت هي أيضا 12 % من قيمتها. ونصح الخبراء بأن يمتنع العاملون الذين بلغوا سن التقاعد الآن، أو بات يحق لهم فتح صناديق توفير الاستكمال، عن أخذ مستحقاتهم بل تركها لأشهر طويلة حتى تسترد خسائرها في البورصة.

استئناف النشاط الاقتصادي والبطالة

من المفترض أن تبت الحكومة الإسرائيلية في الأسبوع المقبل، وبالذات بعد انتهاء عيد الفصح العبري يوم 15 الحالي، في القيود المفروضة على الحركة والنشاط الاقتصادي، إذ سجلت القيود على الحركة مستوى غير مسبوق في الأسبوع الماضي، فقد تم حظر التنقل بين المدن والبلدات ابتداء من مساء يوم الثلاثاء، وحتى صباح الأحد المقبل، في حين تم فرض حظر التجوال التام من مساء الأربعاء وحتى صباح يوم أمس الجمعة. وفي خلفية هذه القرارات تقييد حركة الإسرائيليين في عيد الفصح العبري، إذ أن حظر التجوال سيكون أشد على أحياء وبؤر انتشار المرض، وبشكل خاص أحياء ومدن المتدينين المتزمتين(الحريديم).

ويستدل من تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة أن أحد أسباب انتشار الفيروس كانت احتفالات اليهود بعيد المساخر في منتصف الشهر الماضي.

وأكد في مؤتمر صحافي “لا نريد أن يكون الفصح (العبري) عيد مساخر آخر”.

وفي كل الأحوال يجري الحديث حول عودة تدريجية للحركة التجارية بموجب قطاعاتها، ولكن ستكون الحركة أيضا محدودة بداية لساعات، في حين أن إعادة فتح المدارس ليس في وارد أي جهة حتى الآن، في الوقت الذي ما زالت تتزايد فيه أعداد المرضى يوميا بالمئات، على الرغم من أن نسبة الزيادة في تراجع مستمر، بينما نسبة حالات الموت لا تتعدى 6 في الألف من العدد الإجمالي للمرضى، وهذا أقل بعشرة أضعاف من نسبة الموت العالمية، جراء فيروس كورونا.

وقال تقرير بنك إسرائيل المركزي السابق ذكره، إن البطالة هذا العام ستقفز إلى نسبة 8 % بدلا من 3.4 % في نهاية العام الماضي، لدى جيل العمل الفعلي ما بين 25 إلى 64 عاما. وفقط في نهاية العام المقبل 2021، من المحتمل أن تعود البطالة إلى ما كانت عليه في نهاية عام2019 .وتقول التقارير الاقتصادية من جهتها إن البطالة الطارئة سجلت حتى الآن نسبة 26 % من إجمالي المنخرطين في سوق العمل، إلا أن 90 % منهم فُرضت عليهم إجازة غير مدفوعة الأجر. ولكن التقارير الاقتصادية تتنبأ بما هو أسوأ للاقتصاد الإسرائيلي، وقد يكون في خلفية هذه التقارير ضغط على الحكومة لاستئناف الحركة التجارية والإنتاج وفق “مدار”.

وقالت صحيفة “ذي ماركر” في تقرير جديد لها، إن الأزمة الاقتصادية باتت تهدد أيضاً قطاع التقنية العالية “الهايتك”، الذي بدا وكأنه خارج الأزمة، لكون نسبة عالية جدا من العاملين في مجال البرمجة قادرين على العمل من البيوت. ولكن حسب الصحيفة، فإن الأزمة ستضرب قطاع “الهايتك”، بالذات بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية، إذ سيكون هناك تراجع كبير على الطلب، ما يعني تراجع العمل، وستتبع هذا حملات فصل عالية من العمل، كما هي الحال في قطاعات عمل كثيرة، خاصة وأن الحديث يجري عن ارتفاع حاد متوقع لحالات الإفلاس في المصالح الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وأيضا في بعض الشركات.

السياحة في انهيار


والضربة القاسية الشديدة يشهدها قطاع السياحة، الذي من المتوقع أن تستمر أزمته لفترة أطول بعد انتهاء أزمة كورونا. ولا يتوقعون في إسرائيل عودة الحركة الطبيعية إلى المطار الدولي “بن غوريون” قبل نهاية شهر يوليو/ تموز المقبل. كما أن السفر إلى الخارج سيكون مشروطا، إما للقيام بأعمال أو زيارة أهل، ولكن ليس للسياحة العامة. وهذا يعني ضربة لشركات السياحة للخارج، في حين أن قطاع السياحة المحلية كان أول من تلقى ضربات الأزمة، فالفنادق خالية، وكذلك تضررت كل المرافق وقطاعات العمل المرتبطة بالسياحة، مثل شركات النقل، والطيران، والمواقع السياحية.

وكانت إسرائيل قد سجلت في العام الماضي ذروة في عدد السياح، وبلغ عددهم 4.55 مليون سائح، والتوقعات هي أن يهبط عددهم هذا العام بأكثر من نسبة 60 %، وغالبية السياح القادمين هم إما لزيارات عائلية أو لغرض الأعمال.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]