عندما عطّلت ألمانيا الحياة العامة من أجل وقف انتشار فايروس الكورونا خلال الشهر الماضي، اضطر المواطن الألماني لورانتس ب. لاستقبال عدد كبير من إلغاءات طلبات العمل، واعتقد أن دخله سيكون صفراً. يوم الثلاثاء، فوجئ لورانتس بدخول مبلغ 5000 يورو إلى حسابه في البنك، بعد أن قدم طلب المساعدة الفورية بثلاثة أيام فقط.
بتاريخ 19.3.2020 قالت السلطات في برلين (التي تعتبر مقاطعة منفصلة في ألمانيا) إنها ستحول بسرعة كبيرة المساعدات للمستقلين وللمصالح الصغيرة التي ليس بإمكانها دفع المصاريف الأساسية جدا المترتبة عليها. ولشديد المفاجأة، وبخلاف الإجراءات الإدارية الكثيرة والمعقدة التي اعتاد عليها سكان برلين، وبعد فتح باب التسجيل بخمسة أيام فقط، قالت حكومة برلين إنها قامت بتحويل مبلغ 1.4 مليار دولار لأكثر من 150 ألف مستقل ومصلحة صغيرة تشغل كل منها أقل من خمسة موظفين.
يُذكر أن المشغلين الصغار والمستقلين (كالفنانين، مصممي الأزياء، المبرمجين، الحلاقين، أصحاب المقاهي وغيرهم)، يشكلون ربع عدد المشغلين في برلين. وللحقيقة إنهم كانوا أصغر وأضعف من أن يقدموا طلبات المساعدة للحكومة الفدرالية الألمانية التي رغبت بالحفاظ بالأساس على المشغلين الكبار، فما كان من حكومة مقاطعة برلين إلا أن عرضت حزمة مساعدات وجهتها بالأساس لهؤلاء.
وبخلاف ذلك، فإن ما يدور في غالبية الدول الأوروبية، وبضمنها إسرائيل، لا يقترب حتى من مستوى ما حصل في برلين، حيث لم يتم تحويل مثل هذه المنح السخية وبهذه السرعة القياسية.
وعلى سبيل المثال، أعلنت إيطاليا يوم الثلاثاء الماضي أنها ستقدم منحة تبلغ 650 دولار للمستقلين والعمال الموسميين. وبعد فتح موقع التسجيل ببضع ساعات، انهار موقع التأمين الوطني هناك ولم يعد قادرا على استقبال المزيد من الزوار أو الطلبات، والتي بلغت 300 طلب في الثانية!! أضف إلى ذلك أن الدولة قبل أن تقوم بتحويل هذه المنح، ستقوم أولا بفحص استحقاق مقدمي الطلبات للحصول على هذه المبالغ.
حكومة فرنسا هي الأخرى وعدت نحو 600 ألف مستقل في الدولة بمنحة تبلغ 1600 دولار إذا ما اضطرتهم تعليمات الإغلاق للتوقف عن العمل نهائيا أو إذا تم تسجيل انخفاض بنسبة 70% على الأقل في دخلهم خلال شهر آذار، لكن الدولة ستقوم بفحص الطلبات المقدمة أيضا.
بالمقابل، فإن المقاطعات الـ 16 الألمانية تعرض مساعدات شبيهة بتلك التي قدمتها حكومة برلين للمستقلين. تقوم المقاطعات بتمويل هذه المساعدات من ميزانياتها الخاصة، حيث بإمكانها فيما بعد طلب المساعدة من الحكومة الاتحادية (الفدرالية) كجزء من حزمة الحوافز الاقتصادية التي عرضتها حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لكي تستطيع الدولة مواجهة التباطؤ الاقتصادي في أعقاب أزمة فايروس كورونا.
طبعا، لكل مقاطعة شروطها الخاصة لطلب المساعدة، وليست كل المقاطعات سريعة التجاوب كما كان الأمر عليه في برلين، لكن هذا لا يلغي الفرق في التعامل بين ألمانيا وبقية الدول المذكورة.
وإذا حاولنا أن نفهم ما السر وراء هذا الكرم البرليني، علينا أن نسمع أقوال وزير الثقافة في حكومة برلين: "برلين مليئة بالحياة ورائعة، وكل ذلك بفضل الدور الكبير الذي يلعبه الفنانون والمبدعون فيها... والحقيقة أن إلغاء كافة النشاطات والفعاليات الثقافية وإغلاق القاعات بسبب وباء الكورونا يشكل تهديدا كبيرا عليهم، وبالتالي على المدينة برمتها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم نشاطهم الاقتصادي".
[email protected]
أضف تعليق