تُظهر خريطة- نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لـما تسمى بـ"فلسطين الجديدة" ضمن ترتيبات خطة التسوية الأمريكية المعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن"- محافظات وبلدات الضفة الغربية المحتلة على شكل جزر منفصلة، تقطعت فيها الأرض على شكل "أرخبيل"، ولم تعد بقعة جغرافية واحدة.

ورغم ما جاء في بنود الصفقة المرفوضة فلسطينيًا وعربيًا، من إقامة جسور وأنفاق لربط أجزاء الضفة الغربية ببعضها، إلا أن تلك الوصلات سيتحكم الاحتلال الإسرائيلي بفتحها وإغلاقها كيفما شاء.

ويرى مختصان في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا" أن "الشكل الجديد للضفة الغربية سيشكل خطورة كبيرة على واقع الأرض من حيث المساحة والامتداد والتوسع العمراني بسبب وجود المستوطنات، والتأثير على البيئة الفلسطينية والسيطرة الكاملة على مياهها وزراعتها من خلال ضم الأغوار".

باقي 13% من الأرض

المختص في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش يقول إن: ما "بقي من فلسطين التاريخية 22% بعد عام 67، ومع بدء صفقة القرن سيصادر الاحتلال 40% منها، بحيث سيبقى للشعب الفلسطيني 13% من كامل أرضه.. وهذا نوع من التصفية بعد أن تمت على درجات".

ويحذر حنتش في حديث لوكالة "صفا" من خطورة ما سيجري لهذه النسبة المتبقية، وما سيتبعها من خطوات لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين على غرار كارثة عام 48.

ويوضح أن 61% من أراضي الضفة مصنفة بالمناطق "ج" بحسب اتفاقية "أوسلو"، وهي خاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الكاملة ويحظر على الفلسطينيين البناء والتصرف فيها، ورغم ذلك يقوم المواطنون بالبناء فيها مع استمرار الهدم والتهديد بوقف البناء.

ويؤكد حنتش أن الفلسطيني لا خيار له سوى الصمود أمام هذه المخاطر، رغم منع التوسع الأفقي للمخططات الهيكلية للمدن والبلدات والتي ستحجمها الصفقة، وذلك خوفًا من تهجيره.

وحول المستوطنات الإسرائيلية، يبين: "يوجد في الضفة الغربية 7 كتل استيطانية كبيرة، إضافة إلى المستوطنات والبؤر المعزولة، وبحسب الصفقة لا يمكن إخلاؤها أو نقل سكان يهود منها، وهذا ما تقوله إسرائيل بصريح العبارة".

ويرى حنتش من خلال قراءته للخريطة أن هذه الخطة المسماة بـ"صفقة القرن" وحجم التقطيع لجغرافية الضفة واستمرار الوجود الاستيطاني، يؤكد أن رئيس حكومة الاحتلال وطاقم إسرائيلي هو من وضعها.

ويؤكد أن هذه الصفقة لبَّت جميع مطالب الاحتلال وما يسعى إليه من ضم الأغوار الفلسطينية، ما يعني شق المزيد من الطرق الاستيطانية لربط المستوطنات ببعضها.

وعن إقامة الجسور والأنفاق، يلفت المختص إلى أن الاحتلال أعد مخطط قبل سنوات لبناء 32 نفقًا بالضفة الغربية، منها 5 بمحافظة الخليل وحدها، لربط مناطق فلسطينية ببعضها، وهذا ما تحدثت عنه بنود الصفقة بربط المواقع بالجسور والأنفاق تسيطر عليها سلطات الاحتلال وتتحكم بها.

سيطرة على الزراعة والمياه

وتعتبر الأغوار سلة الغذاء الفلسطيني، لخصوبة الأراضي الزراعية فيها ووفرة المياه الجوفية.

الباحث في مؤسسة "يبوس" للاستشارات والدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات يقول إن: "صفقة القرن ستلحق ضررا كبيرًا بالجغرافيا الفلسطينية والثروات الطبيعية والمياه وسيتسبب بمخاسر فادحة للشعب الفلسطيني واقتصاده وثروته المائية".

ويوضح بشارات لوكالة "صفا" أن أول مخاطر الشكل الجديد للضفة وضم الأغوار هو تغيير لكامل التاريخ وتغييب للوجود وهوية الشعب المتعارف عليه، من خلال عمليات الفصل وعزل المناطق عن بعضها.

ويشير إلى أن قطع التواصل الجغرافي سيحد من توظيف الإمكانيات الطبيعية وحرية الحركة والعمل، إذ يصعب على حركة توريد المحاصيل والمنتجات الزراعية من الأغوار إلى باقي المحافظات ما يحدث خللًا في التسويق ما بين الإنتاج والاستهلاك.

ويقول بشارات: "يحاول الاحتلال عبر عشرات السنوات تغييب الأغوار والاستمرار بترحيل سكانها، لما تمثله من وفرة في المياه الجوفية التي يحرم المزارعون الفلسطينيون منها، ويغذى بها المستوطنات الزراعية، وهي من كبرى مستوطنات الضفة والتي تشكل رافعة في الاقتصاد الزراعي للاحتلال".

ويشير إلى أن مساحة الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة هي الممتدة في منطقة الأغوار وسهل مرج ابن عامر، وحال عزل الاحتلال هذه المناطق بحسب الصفقة فإن "إسرائيل" ستحصل على النسبة الأكبر من الأراضي الصالحة للزراعة، والتي تحقق الكم الأكبر من الإنتاج، ما يعني أن السوق الفلسطيني مستقبلًا سيعتمد إما على استيراد المحاصيل من الاحتلال مجبرًا على ذلك، أو البحث عن بدائل وستكون ذات تكلفة أعلى.

ووفق رؤية الباحث، فإن الاحتلال سيكون هو المتحكم بقضية المعابر وينعكس سلبًا على التصدير والاستيراد، ويحرم المواطنين من التحكم بالتبادل التجاري حتى بين المحافظات.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]