عندما دخل المسلمون إلى إقليم الأندلس، أنشئوا حضارة عربية إسلامية استمرت لثمانية قرون، وفاقت الوصف من حيث الإبداع الثقافي والعمراني الفريد الذي ما زالت شواهده باقية حتى اليوم مجسدة في معالم عديدة، أهمها “قصر الحمراء” في غرناطة.

تقع مدينة غرناطة في الجنوب الشرقي من أسبانيا، محمية من الشمال بمرتفعات مطلة على نهر الوادي الكبير، ومن الجنوب نهر شنيل الذي ينبع من جبال “سييرا نيفادا”. وتبعد عن البحر 70 كيلومتر، وارتفاعها عنه ما بين 650ـ 750م، ومناخها متوسطي معتدل، ويبلغ عدد سكانها نحو 241,000 نسمة، ويعمل معظمهم في قطاع الزراعة والسياحة. واسم “غرناطة” مأخوذ من كلمة “غرانادا” الأسبانية، التي تعني شجر الرمان وثماره، أو من كلمة غرناطة العربية التي تعني “تل الغرباء”.

ومعلوم أن إقليم الأندلس يتميز بمناخه المتوسطي وطقسه المعتدل صيفًا وشتاء، خصوصًا فى مدينة غرناطة، وتتمتع المدينة بالمحاصيل الزراعية خصوصًا أشجار الزيتون، فضلاً عن المحاصيل الأخرى مثل الحبوب والقطن والخضروات والأرز وكروم العنب.

ارتبط تاريخ غرناطة بموقعها الجغرافي الذي يمتاز باستراتيجية خاصة، فالمرج الفسيح الذي تخترقه الجداول والأنهار وتتزاحم فيه البساتين كثيرًا ما كان يُغري الغزاة القادمين بحرًا من الشرق والجنوب باقتحامها. أما سلسلة الجبال العالية، في الجهة الشمالية، غالبًا ما كوَّنت سورًا طبيعيًا، وحصنًا منيعًا أمام الهجمات.

وتعد مدينة غرناطة من أهم المدن الأسبانية نظرًا إلى شهرة جامعتها، وأجوائها الثقافية والفنية الراقية ومعالمها الهامة ومنها “الكاتدرائية الكبرى” التى تحمل ملامح المعمار القوطي، والتي أقيمت على أنقاض مسجد المدينة القديمة، وفي مواجهتها تقع المدرسة القرآنية التي بناها يوسف الأول في القرن الرابع عشر، ولا تزال نقوشها القرآنية غالبة رغم التعديلات المختلفة التي لحقت بها في القرن الثامن عشر.

ولكن أشهر معالم غرناطة السياحية على الإطلاق، هو “قصر الحمراء” معلم غرناطة السياحي الأول والتي يتوافد إليها سنوياً ما يزيد عن 2.2 مليون سائح، وشيدها ملوك بني الأحمر في وقت كانت فيه غرناطة تقف كآخر معاقل المسلمين في الأندلس، وتخفي أسوار “قصر الحمراء” داخلها كنوزًا من الفن المعماري تؤكد بدورها أن الحضارة العربية في الأندلس لم تتخلَ عن تذوق الجمال والاستمتاع به.

ويعد “قصر الحمراء” الواقعة على هضبة السبيكة المطلة على غرناطة من تحف المعمار الإسلامي العجيبة والنادرة هندسيًا، بما تحتويه من نقوش وزخارف جميلة تتحلى بها جدران وأبواب ونوافذ القصور، وهي مجموعة كبيرة تتكون من قصور وقاعات وحدائق تم بناؤها في القرن الرابع عشر الميلادي في عهد ثلاثة من ملوك بني نصر هم: إسماعيل الأول ويوسف الأول ومحمد الخامس.

ومكنت تلك المجموعة القوية البناء المسلمين من الاستمرار بالدفاع عن المدينة طويلاً. وقد سُخرت كل الإمكانات والمواد المتعددة للفنانين والمهندسين المشرفين على بناء المجموعة من الجص والرخام والخشب والزليج في تنفيذ النقوش الكتابية بـ”قصر الحمراء” متبعين في تنفيذها طرقًا متعددة من حفر بارز وحفر غائر أو تلوين، وكان لتوفر مواد البناء والزخرفة أثر بالغ في إنتاج وحدات معمارية وأساليب إنشائية خاصة ببعض المناطق وأنواع التحف وأساليب صناعتها، مما نتج عنه أعجوبة معمارية باقية حتى الآن شاهدة على الحضارة الإسلامية.

وعن أسباب تسميته بهذا الاسم فهناك من يقول: إنه مشتق من “بني الأحمر” وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 1232-1492م. وقول آخر يُرجع سبب التسمية إلى التربة الحمراء التي تمتاز بها الهضبة التي شُيد عليها.

وقبل الدخول إلى ساحات “القصر الحمراء” سيجد الزائر نفسه أمام أثر لا يمت إلى المكان بصلة؛ قصر على الطراز الروماني بناه الإمبراطور كارلوس الخامس. ثم يجتاز الزائر أسوار الحمراء مارًا بمحراب صغير طغت عليه نقوش مسيحية ثم يمر بأقواس خشبية تقود إلى صالة الريان، وهي صالة واسعة لا سقف لها ووسطها بركة مستطيلة تمثل مياهها مرآة عاكسة لجمال الجدران والزخارف المحيطة بها.

ولا يتكرر الشكل الواحد مرتين في زخارف الحمراء، وهو ما يكسر أي شعور بالملل في أثناء التجول فيها، فالمقصورات والأقواس والأعمدة وفسقيات الماء تتخذ أشكالاً متنوعة بين مكان وآخر. وداخل القصر هناك “صالة الأسود” التى تشكل لوحة نادرة فهي تقوم على 124 عمودًا من الرخام الأبيض الناصع وتتوسطها نافورة يحيطها اثنا عشر أسدًا كانت تخرج المياه من أفواهها في أوقات محددة وتحيطها قنوات تشير إلى الاتجاهات الرئيسية الأربعة.

وما أن ينتهي الزائر من التجول في “قصر الحمراء” حتى يجد نفسه في “جنة العريف”، تلك الجنان التي كانت المقر الصيفي لملوك بني الأحمر وبنيت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وقد خصص هذا المبنى لراحة الأمراء، حيث يوجد به غرفة صغيرة، وتكثر فيه الممرات والحدائق، والمياه تتدفق من كل مكان، والقصر لوحة فنية مكونة من الأجر والجص والنبات والمياه.

ومن الأحياء الشهيرة فى مدينة “غرناطة” حي “البائسين” أو “Albaicín”، وهو أكبر الأحياء الغرناطية، وأكثرها احتفاظًا بالطابع الأندلسي، حيث ما زالت فيه الشوارع والبيوت محتفظة بطابعها العربي، ويقع شمال شرقي المدينة، على هضبة منفصلة عن الحمراء بوادي نهر الدارو.

ومن الآثار العربية المشهورة فى “غرناطة” “القصر العربي” أو المدرسة، وعرف باسم دار العلوم، حيث بناه يوسف الأول سنة 750هـ/1349م. وقد قام في مكانه بناء جديد، ولم يبق منه سوى المحراب، وهناك ميدان باب الرملة الذي كانت تقام فيه الحفلات العامة كالفروسية، وسوق غرناطة الذي شيّد في منتصف القرن 14م وما يزال قائمًا إلى اليوم ما عدا أبوابه، وفيه نحو مئتي متجر للمنتجات الحرفية المحلية والبضائع الحريرية والتحف المعدنية. وسوق الغلال لتجارة الحبوب وله باب معقود نقشت في عقده كتابات كوفية، وبالقرب منه فندق للتجار، وهناك الحمامات العربية على ضفة نهر الدارو.

أما بالنسبة إلى المتاحف فى “غرناطة” فهناك متحف الحمراء، ويحوي قطعًا أثرية من مخلفات الأبنية منها: لوحة رخامية تؤرخ إنشاء المارستان “المشفى” بأمر الأمير أبي عبد الله بن أبي الحجاج سنة 667هـ/1269م. ولوحتان من الحرير على كل واحدة منهما شعار بني الأحمر “لا غالب إلا الله”، ولوحات خشبية، وصحن نافورة كبير، وقطع فسيفساء، وجرار، ولوحة خشبية مذهبة. ومتحف دار الرماية، وفيه صورتان للملكين الكاثوليكيين، وصورة أبي عبد الله، آخر ملوك بني الأحمر وخنجره.

المصدر: موسوعة المسافر 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]