يجري حالياً نشر الكتاب الصادر عن الحكومة، الذي يتضمن برامج ومخططات عملها للعام الجاري (2019).

ويعتبر هذا الكتاب وثيقة تحدد أهداف العمل والتنفيذ لكل واحدة من الوزارات، وتضع معايير واضحة لفحص استيفاء وبلوغ هذه الأهداف. وتكمن الأهمية الخاصة لهذه الوثيقة في كونها تعبيراً وتجسيداً مفصلين بالكامل لنوايا الحكومة تجاه مواطنيها، من جهة التنفيذ والتطبيق، لا سيما وأنها تحظى بتغطية إعلامية واسعة.

غير أن عملية تخطيط النهج والسياسات، حسبما يظهر في الكتاب، تكاد لا تتطرق إلى المواطنين العرب وإلى الاحتياجات المتميزة للمجتمع العربي-بالشكل الواضح والصريح. وفي هذه الحالة-فلا عجب ولا غرابة في أن المخططات الحكومية الواسعة النطاق تنفذ بالحد الأدنى في البلدات العربية، التي تبقى عرضة للتمييز السلبي من ناحية توزيع الموارد، بينما لا تعكس أنماط التوزيع احتياجات هذه البلدات.

لليهود فقط...

لنأخذ، على سبيل المثال، برنامج عمل مؤسسة التأمين الوطني، التي تتبع (72) مؤشراً مركزياً وهدفاً ومؤشرات للإنتاجية والنتيجة: إذ أن أياً من هذه العناصر لا يتطرق إلى المجتمع العربي. كذلك-إذا أمعنا النظر في القسم الذي يعنى بالرفاه الاجتماعي في إطار برنامج وزارة العمل، فأننا نكتشف وضعاً مشابهاً: فمن أصل (107) أهداف ومؤشرات للإنتاجية والنتيجة، نلاحظ أن ثلاثة مؤشرات للإنتاجية فقط تتطرق بشكل واضح للمجتمع العربي. كذلك الامر بالنسبة لبرنامج عمل وزارة الداخلية، حيث أن اثنين فقط من أصل (155) هدفاً ومؤشراً للإنتاجية والنتيجة يتطرقان بشكل واضح إلى المجتمع العربي-وتنطبق هذه الحالة على سائر البرامج.

ربما تتساءلون: لماذا يتعين على الحكومة أن تخطط سياسة خاصة بالمجتمع العربي تحديداً؟ يعود السبب في ذلك إلى أن السياسات في معظم الوزارات توضع بشكل يبدو شمولياً، بحيث تحدد معايير موحدة لتطبيق برامج حكومية واسعة النطاق ومتعددة الموارد. وعلى ضوء ذلك، فان الادعاء السائد في الوزارات الحكومية هو أن برنامجاً معيناً لا ينطوي على التمييز، لأنه يطبق نفس المعايير على اليهود والعرب-سواء بسواء. لكن في كثير من الأحيان، يكون مقياس الشمولية منطبقاً على خصائص المواطنين اليهود فحسب.

اختلاف أنماط الزواج بين العرب واليهود

ففيما يخص مشروع "سعر للساكن"-على سبيل المثال-تقرر أن يسمح بالتسجيل للأزواج ممن هم فوق سن الخامسة والثلاثين. وقد تمت ملاءمة هذا المعيار لأنماط الزواج وشراء المساكن في المجتمع اليهودي، ما يعني إقصاء الأزواج العرب، لأنه جرت العادة في المجتمع العربي أن يتزوج الرجل والمرأة ثم ينتقلان للسكنى معاً بعد انجاز بناء المنزل فقط. ومؤخراً تم تعديل هذا المعيار التمييزي، غير أن باقي عيوب اجراءات التخطيط الخاصة بهذه السياسة ظلت على حالها. وطالما استمرت الحكومة في التخطيط بشكل لا يأخذ بعين الاعتبار خصائص ومميزات المجتمع العربي من النواحي الاجتماعية والتخطيطية، ومن ناحية نمط الملكية-فستبقى الموارد الحكومية تتجه بالأساس إلى البلدات اليهودية وسكانها، وستنشأ اشكال مستجدة من التمييز ضد العرب.

لزوم التغيير

ومن أجل ملائمة البرامج الحكومية لاحتياجات المجتمع العربي، يتعين على الدوائر المختصة بتخطيط السياسات للوزارات الحكومية أن تحدد لكل برنامج حكومي أهدافاً قابلة للإنجاز والتطبيق، بحيث تأخذ بالحسبان خصائص ومميزات المجتمع العربي. ويتعين أن يكون تحديد الأهداف ملزماً للوزارات بأن تفحص استيفاءها، وفي حال عدم إنجازها وتحقيقها-يتوجب على الوزارات ملاءمة وتعديل السياسة الحكومية بالشكل المناسب، تبعاً للأنظمة المحددة. وبدون هذه التعليمات، فمن المتوقع أن نشهد المزيد من الأهداف والأغراض الحكومية التي تتجاهل المواطنين العرب، ما يجلب تعميقاً للتمييز ضدهم.

اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية

وبالإضافة الى ذلك، هنالك عدة جهات يجدر اشراكها في مسار وعملية ملاءمة السياسات الحكومية للمجتمع العربي، مثل اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية، وكذلك الموظفون العرب الذين يتخصصون بإجراءات وعمليات صياغة وتنفيذ السياسات، بالإضافة الى سلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي. ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بمثل هذه الشؤون، والتي لديها اطلاع وخبرة عميقة في كل ما يتعلق بصياغة وتنفيذ السياسات الخاصة بالمجتمع العربي.

ان الأوان أن تقوم الحكومة بإجراء تغيير دراماتيكي غير مسبوق على اشكال وأنماط تخطيطها للسياسات تجاه المواطنين العرب. ولعل التخطيط الحكومي للسياسات التي تتطرق بشكل جذري وعميق إلى احتياجات المجتمع العربي وخصائصه المميزة-وحده الذي يمكن أن يضمن توزيعاً متساوياً للموارد، ويحول دون نشوء أنماط واشكال جديدة من التمييز في عمليات وضع وتحديد السياسات.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]