متابعةً لمقالي السابق أؤكد وأقول إننا لم نصدر حتى نظرية واحدة للعالم !! كل النظريات الفكرية والإجتماعية التي تُدرس في جامعاتنا هي مستوردة بسبب عدم إقبال طلابها أو إقبالهم "المتواضع" على تخصصات العلوم الإنسانية والإجتماعية . اللغة والثقافة والسياسة والعلاقات الدولية والقانون والتاريخ وعلم النفس وعلم الحضارات وعلم الإجتماع والفلسفة والإعلام كلها مواضيع لا تقل أهمية عن المواضيع العلمية التقنية مثل الطب والهندسة والفيزياء وعلوم الأحياء والكيمياء علماً أن كثيراً من التخصصات اليوم تستقر في الوسط ففيها التطبيقي والنظري في نفس الوقت مثل علم النفس التشغيلي وعلوم الإدارة وما يسمى بالمواضيع المتعددة التخصصات multidisciplinary
اذا ما قارنا بين مجتمع متحضر ومجتمع متخلف سنجد أن الاستثمار في هذه المجالات غائب أو يكاد ينعدم في المجتمعات المتخلفة، والعكس صحيح اذا سيكون ملحوظا في المجتمعات الاكثر تقدما . فما بال مجتمع واقع تحت الاحتلال ؟ اليس الحري بنا أن نكون فالمقدمة وندرس واقعنا وواقع غيرنا؟ حقا, كم نحتاج من باحثين في مجتمعنا للتقدم وكم نحتاج لبذل الجهود وتكريسها في البحث العلمي وذلك لفهم المجتمعات والسلوك المجتمعي والسلوكيات الفردية إذ أن تطوير المجتمعات معتمد اعتمادا صريحا على فهم ديناميكية المجتمعات والعلاقات بين الأفراد وموازين القوى في هذا العالم . لا بد من تكثيف جهود البحث العلمي في هذه الجوانب ويكون ذلك من خلال مأسسة هذه الجهود وترجمتها الى عمل مؤسساتي ممنهج بحيث يقوم مختصون مهنيون بتوجيه الأفراد لاختيار التخصص الأكثر تلائما مع النمط الشخصي لكل فرد. نعم نحتاج للأطباء والمهندسين ورواد الهايتك ولكن في نفس الوقت ما أحوجنا الى تخصصات العلوم الإنسانية والعلوم السياسية وعلم الإجتماع وعلم النفس وغيرها من المواضيع التي تكاد لا تحصى وذلك لدورها في صقل شخصية الفرد وبلورتها في المجتمع. فمثلا العلوم السياسية والعلاقات الدولية هي محور أساسي لا بل يرتبط ارتباطا وثيقا بدراسة تجربتنا في الداخل الفلسطيني أو حتى فهم مسيرات المجتمعات الأخرى في سعيها للتحرر من الظلم والاضطهاد العنصري حيث يمكننا استخلاص الكثير من العبر في دراسة المجتمعات الأخرى والتعلم من صوابها وخطئها.
نحن في لحظة تاريخية مفصلية نحتاج فيها لمختصين في العلوم الإنسانية والإجتماعية للتنظير وبناء الفكر والأفكار وتصديرها الى العالم. إن تخصصات العلوم الإنسانية والإجتماعية والمضامين التي تدرس من خلالها اذا ما احتوت على أساليب التدريس الحديثة فإن من شأنها ان تنمي مهارات النقد البناء والعمق الفكري ومهارات التواصل والقيادة لدى الفرد.
مع كل ذلك يبقى النقاش مفتوحاً وطويلاً بالنسبة لاختيار التخصصات فكل منا لديه اعتباراته الشخصية والجماعية.
رسالتي الى طلابنا أن نعم اختاروا مواضيع تلائم أنماطكم الشخصية ولكن لا تغضوا الطرف عن البوصلة الوطنية، فتوظيف العلم وتسخيره في خدمة قضيتنا الأولى لهو شرف قبل أن يكون ضرورة. نعم لدراسات بحثية تحاولون من خلالها فهم واقعنا بالإضافة إلى دراسة تجارب الشعوب الأخرى !.
اذا لم نبحث واقعنا بأنفسنا فغيرنا سيفعل ذلك لأجندات أخرى!
معاً لندرس واقعنا بعقولنا ونكتب واقعاً جديداً بأيدينا.
[email protected]
أضف تعليق