جميعنا قرأ، أو سمع، أو شاهد حكايات وقصص الأبطال الخارقين، لكننا كنّا نظن دائمًا أنهم مجرد شخصيات خيالية، صنعها مخرج أو مؤلف، لم نعتقد في يوم من الأيام أن يكون أيٌّ من هؤلاء حقيقيًا أو حتى قريبًا للحقيقية، ففي حارتنا مثلًا لا تحدث المعجزات والخوارق. على جانب آخر، علّمنا العالم بأن هناك الكثير الذي لم يرينا إياه بعد، وأن الغرائب موجودة في كل مكان، لكننا يجب أن ندقق النظر أكثر.
في مكان ما من أستراليا، هناك بطل خارق، بطل حقيقي ليس من صنع «ديزني» ولا «هوليوود»، بطل من لحم ودمّ، وتحديدًا من الدمّ، إنه «جيمس هاريسون»، الذي قد لا تصدقون إن أخبرناكم بأنه أنقذ طوال حياته ما يزيد على 2 مليون ونصف طفل كانوا من الممكن ألا يروا النور، وألا يأتوا إلى الحياة، وذلك لأنه تبرع لهم بـ«دمه النادر جدًا»، وإليكم حكاية بطل حقيقي، صاحب قلب طيب ودم... خارق.
دمّ «جيمس هاريسون» الخارق
اكتشف الأطباء أن ما يجعل دمّ الأسترالي «جيمس هاريسون»، البالغ من العمر قرابة الـ82 عامًا الآن، دمًا نادرًا ومميزًا للغاية؛ هو أنه يحتوي على العنصر المضاد الـ«أنتي - دي»، وهو الذي يساعد على حدوث التوافق بين دمّ الأم ودمّ الجنين الذي يكبر في رحمها، في الحالات التي تكون فيها فصيلة دم الأم سالبة وفصيلة دم الجنين موجبة، أو العكس.
وبسبب هذه الخاصية الفريدة الموجودة بدم «هاريسون»، وبسبب العنصر المضاد الموجود فيه، تمكّن الأطباء من تطوير حقنة تسمى «أنتي - دي»، وهي تساعد على إيقاف انعدام التوافق من جهة الأم. كما يُستخدم دم «هاريسون» اليوم أيضًا في صناعة أدوية مخصصة للحوامل اللاتي قد يؤثر دمهن على الجنين. وهذا الأمر أدى إلى ثورة طبية كبيرة للغاية، ساعدت ملايين الأمهات في العالم على الاحتفاظ بأطفالهن. وبحسب التقديرات العالمية، فقد أنقذ «هاريسون» ما يقارب 2 مليون ونصف المليون طفل حول العالم؛ وذلك من خلال تبرعه المستمر والدوري بالدمّ فقط، ومن الجدير بالذكر أن ابنته «تريسي» كانت من بين الأطفال الذين أنقذهم دم والدها أيضًا.
«هاريسون».. صاحب الذراع الذهبية
«هاريسون»، الرجل الأسترالي، في العقد الثامن من عمره، أطلق عليه العديدون حول العالم لقب «صاحب الذراع الذهبية»، وذلك اللقب المستحق عن جدارة، ليس فقط لطبيعة دمه النادرة التي أنقذت حياة ملايين الأطفال والأمهات، بل كونه صاحب رقم قياسي في التبرع بالدمّ، أو بشكل أدق بـ«بلازما الدم»، إذ إنه ومنذ ما يزيد على الـ63 عامًا، استمر بالتبرع لمرة واحدة كل أسبوعين، حتى وصل عدد المرات التي تبرع فيها «هاريسون» بالدم طوال هذه المدة إلى 1173 مرة، الأمر الذي جعله يدخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، كأكثر شخص تبرع بالدم في العالم.
وبحسب عدد من التقارير الصحفية العالمية، فقد تمكن «هاريسون» من الوصول إلى تبرعه رقم «1000» خلال شهر أيار / مايو من العام 2011. وكان البطل الأسترالي قد علّق سابقًا على سجله في التبرع قائلًا: «يمكنني أن أقول إنه السجل الوحيد الذي آمل أن ينكسر؛ لأنه إذا فعلوا فقد تبرعوا بألف تبرع». وكان يوم 11 أيار / مايو من العام الماضي 2018، يومًا تاريخيًا، ليس فقط في حياة «هاريسون»، بل أيضًا في تاريخ الطب عمومًا، وذلك بعد أن قام بالتبرع للمرة الأخيرة في حياته، وهي المرة التي وصل بها إلى التبرع رقم 1173، وكانت المرة الأخيرة جراء السياسية المعمول بها في أستراليا، والتي تحظر التبرع بالدم من الأشخاص الذين تجاوزوا عامهم الـ81.
من هنا كانت البداية
بدأت حكاية «جيمس هاريسون»، الذي وُلد في 27 كانون الأول / ديسمبر من العام 1936، عندما كان ولدًا في عمر الرابعة عشرة، وذلك بعد أن خضع لإجراء عملية جراحية خطيرة في منطقة الصدر، تطلب خلالها أن يتم نقل ما يزيد على الـ13 لترًا من الدمّ حتى يتمكن من النجاة، وبعد أن نجحت هذه الجراحة، وخلال قضائه ما يقارب الـ3 أشهر في المستشفى، أدرك أن الدمّ الذي نُقل له هو ما أنقذ حياته.
هذه الفكرة التي اشتعلت في رأس «هاريسون»، وهو ابن الـ14 عامًا، جعلته يدرك أن من تبرعوا له بالدم، هم من أنقذوا حياته بالفعل، وحينها أخذ قراره وقطع عهدًا على نفسه بأن يبدأ التبرع بدمه عند بلوغه السنّ القانونية، وهي «18 عامًا»، وبالفعل، بدأ منذ أن بلغ تلك السنّ، واستمر طوال حياته بفعل ذلك الخير حتى وصل عامه الـ81، الذي لا يستطيع فيه التبرع مرة أخرى.
خلال العام 1954 – عند بلوغه عمر الـ18 عامًا – بدأ «هاريسون» بالتبرع بالدم فعلًا كما كان يريد، وبعد المرات القليلة الأولى التي فعل بها ذلك، اكتشف الأطباء أن دمه يحتوي على أجسام مضادة قوية ومستمرة بشكل غير عادي، وهي التي -كما ذكرنا سابقًا- تساعد على حدوث التوافق بين دمّ الأم ودمّ الجنين الذي يكبر في رحمها. هذا الأمر جعل رغبة «هاريسون» في الاستمرار بالتبرع بالدمّ، تزيد أضعافًا عن السابق، ومنذ ذلك الوقت تم التأمين على حياته بما يزيد على المليون دولار، وتم خلال الأبحاث التالية على أساس تبرعاته، إنتاج الـ«جلوبيولين» المناعي المضاد، الذي وخلال كل هذه السنوات تمكن بالفعل من إنقاذ أرواح الملايين من الأطفال.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
WOW